بداية العام الميلادى الجديد، تمثل لدى الكثيرين أهمية كبيرة، كونها بداية لفترة زمنية جديدة ونهاية لفترة فيها من الأحزان والأفراح، ما يصبح ذكرى سعيدة وأخرى مؤلمة، لكن بداية العام الجديد لدى الكثير من المزارعين والأسر فى جنوب مصر وخاصة محافظة قنا، تمثل أهمية خاصة وفترة خير لبدء موسم كسر محصول القصب بعد عام من المعاناة فى رى ورعاية محصول يعد الأطول على الإطلاق فى البقاء بالأراضي الزراعية.
[[system-code:ad:autoads]]
موسم كسر القصب لا يمثل أهمية لدى أصحاب الأراضى أو الزراع فقط، لكنه موسم خير للكثير من الفئات التى تعمل أو تتعامل مع منتجات القصب، فالعمال يجهزون فؤوسهم و أدواتهم التى يستخدمونها فى كسر القصب، و أصحاب الجرارات الزراعية وسيارات النقل يستعدون بمعداتهم لنقل القصب إلى مصانع السكر، و أصحاب المواشى يجدون من مخلفات القصب أعلاف حيوانية بجودة و أسعار لا تقبل التنافس، فيما تفتح عصارات العسل والجلاب أبوابها لاستقبال المحصول الجديد.
نستقبل موسم القصب بالزغاريد ونودعه بالدموع
موسم "كسر القصب" موسم خير كما يطلق عليه المزارعين والعمال فى قنا، حيث يستقبله الأهالى بالزغاريد وذبح الذبائح فى يناير و يودعونه حزنًا بنهاية شهر أبريل من كل عام، فمحصول القصب من أهم المحاصيل الزراعية بمحافظة قنا، حيث يحتل مساحات شاسعة من أراضى المحافظة من جنوبها لشمالها، يعمل من أجلها 3 مصانع عتيقة لاستيعاب كميات القصب المنتشرة فى كافة ربوع المحافظة، حيث يوجد مصنع سكر نجع حمادى فى الشمال، ومصنع دشنا فى وسط المحافظة ومصنع سكر قوص فى الجنوب، بجانب مصانع الورق التى تعتمد على مخلفات القصب.
أهمية محصول القصب لم تقتصر على كونه موسمًا تجاريًا، بل تجاوز ذلك بكثير حتى تحول إلى جزء من التراث والفلكلور الشعبى الصعيدي، ما جعل الكثير من الشعراء يتغنون ويتغزلون فى القصب وعيدانه الشامخة وسط الزراعات، بأبيات ومربعات شعرية، أصبحت حاضرة بقوة خلال فترات الحصاد التى تمثل عيدًا حقيقيًا للكثير من المزارعين و العمال، أبرزها بلا منازع" القصب..القصب..القصب عاوز ميه يا واد محلاكي يا بت يا بيضا..لمٌا العريس يخش..يلقاكي بيضا بيضا..ومبيضاله الوش"، فرحًا وابتهاجًا بالموسم الذى يحمل لهم الكثير من الخير، وكان أشهر من تغنى بها المطرب الشعبي حجازى متقال.
توارثنا زراعة القصب عن آبائنا و أجدادنا
قال أبوعسران نادى السمان، مزارع بقرية أولاد نجم بهجورة، منذ صغرى ووجدت نفسى فى زراعة القصب، حيث كان يعمل بها والدى وجدى، ولا أعرف زراعة محصول آخر غيره، لذا يمثل لنا موسم كسر القصب أهمية كبيرة، حيث نعتمد على ايراد المحصول فى كافة احتياجاتنا، خاصة أن المحصول يستمر فى الأرض 10 شهور متواصلة، فمعظم المزارعين يبدأون زراعة المحصول مع بداية شهر مارس من كل عام إذا كانت الأرض فارغة، فيما يبدأ البعض مع بداية شهر مايو، ويبدأ الكسر مع بداية شهر يناير من كل عام ويستمر لفترة حسب التعاقد مع المصنع.
أضاف السمان، إلى أن محصول القصب يستهلك خلال هذه الفترة كميات كبيرة من المياه والسماد، حيث يتم رى الأرض 12 مرة فى العام، إضافة إلى استهلاك حوالى 20 جوال أسمدة للفدان، لكى يعطى فى النهاية ما بين 50 إلى 60 طن قصب للفدان، حال رعايته بشكل جيد، موضحاً أن محصول القصب تعتمد عليها الكثير من الصناعات، منها " مصانع السكر، عصارات العسل، والورق والعطور وأقلام الرصاص والخشب الحبيبى".
أكثر المحاصيل تحملاً لطقس الصعيد
قال عبدالناصر حسين" مزارع"، رغم أهمية محصول القصب وارتفاع سعر السكر بسرعة الصاروخ، إلا أن الزيادة فى سعر طن محصول القصب تسير بسرعة النمله، لكن رغم ما نعانيه من تعب ومشقه فى زراعة القصب، إلا أنه سوف يظل المحصول الأهم بمحافظة قنا حيث لا يمكننا الاستغناء عن زراعته، فقد توارثنا زراعته عن آبائنا وهو من أكثر المحاصيل التى تتحمل طبيعة الطقس الحار فى صعيد مصر عامة ومحافظة قنا خاصة.
أوضح محمد عبدالمريد"عامل"، موسم كسر القصب هو موسم لكثير من العمال أمثالى، فهو موسم يضمن فرصة عمل يومية لعدة أشهر، خلال فترة الحصاد، كما أنها فرص عمل موجودة بالقرب من مقر إقامتنا، ما يجعلها فرص عمل مناسبة تلبى احتياجاتنا المعيشية المتزايدة، كما أن حلول موسم القصب تتوقف عليه الكثير من الأمور أبرزها مراسم الزواج التى تتم خلال هذه الفترة، فضلا عن الحصول على بقايا القصب كعلف للمواشى التى نربيها فى منازلنا.