"تأليب شعب غزة على حركة حماس" ، أصبح الهدف الرئيسي ، من وراء المجازر البشعة ، التي ترتكبها إسرائيل منذ ثلاثة أشهر بشكل متواصل ضد المدنيين في قطاع غزة فشل خلالها الجيش الاسرائيلي في تحقيق الاهداف التي شن من أجلها الحرب .
فحكومة الحرب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي تدير حاليا الحرب على غزة بزعامة بنيامين نتنياهو ، تدرك تماما أنها لن تستطيع القضاء على ثقافة المقاومة ، لأن المقاومة إبنة الإحتلال ، لكنها تعتقد انها تستطيع إستثارة غضب الشعب الغزاوي على حماس، بقتل عشرات الآلاف من المدنيين خاصة من النساء ، و الأطفال ،و الشيوخ . كما ترتكز إستراتيجية تأليب الغزاويين على حماس على تقطيع أرزاق أبناء القطاع ، بإستهداف مصادر رزقهم، من خلال تدمير متاجرهم، و مقار أعمالهم . و تتعمد إسرائيل لتحقيق هدفها إنتهاج سياسة الأرض المحروقة بتدمير المنازل و البنية التحتية بشكل تام ، لحرمان المدنيين من كل الخدمات، لا سيما تدمير محطات الكهرباء ، و محطات تحلية المياه ، فضلا عن قصف المدارس، والمستشفيات، و الجامعات، و حتى أماكن العبادة ، من مساجد و كنائس ، إنتقاما من كل عملية مقاومة ، أو مقتل كل ضابط أو جندي إسرائيلي .
و بالتزامن مع سياسة الأرض المحروقة التي لم ترحم حتى حديقة الحيوانات الوحيدة في غزة من الدمار ، بدأت إسرائيل شن حملة إعلامية على سلطة حماس التي تدير القطاع منذ سنة 2006 ، بأتهامها بمسئولية المذابح التي يتعرض لها المدنيين بعدم توفير الحماية اللازمة لهم في وقت الحرب قبل شنها ، بتركيز جل إهتمامها على شق ، و تمهيد ، ما يقرب من 500 كيلو متر من الأنفاق تحت الأرض لتوفير الحماية لمقاتليها ، و مقاتلي المنظمات العسكرية الأخرى مثل الجهاد ، و كتائب القسام، من دون أن تبني و لو ملجأ واحدا لحماية المدنيين الغزاويين مثلما تفعل إسرائيل بتوفير ملاجيء في كل منطقة من مناطق إسرائيل . و تستغل إسرائيل حاليا حلول فصل الشتاء ببرودة جوه القارس في غزة، فضلا عن هطول الأمطار ، لتزيد من معاناة الشعب الغزاوي، بعد ما أجبرت أكثر من مليون مواطن على ترك منازلهم ، و النزوح الى وسط و جنوب غزة ، حيث يعيش معظمهم في العراء ، أو في خيام بدون مأوى أو مصدر رزق .
ويرى محللون، أن هدف إسرائيل من إطالة مدى الحرب ، ليس تحرير الرهائن ، أو تدمير المقاومة كما تزعم إسرائيل ، بل ا لهدف من ذلك هو إرتكاب أكبر عدد ممكن من المجازر ضد الفلسطينيين ، و الدليل على ذلك أن إسرائيل لم تستطع حتى الآن تحرير أية رهينة بالقوة العسكرية ، بل كل من تم تحريرهم من الرهائن ، كان قد تم إطلاق سراحهم بالمفاوضات بفضل الوساطة المصرية القطرية . كما أنه بعد مرور ثلاثة أشهر على شن الحرب ، لا تزال المقاومة تكبد إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح، في إطار حرب المدن التي يتقنها المقاوم الغزاوي جيدا . و كشفت إحصاءات دولية عن أن إسرائيل أسقطت ما يقرب من 35 ألف طن من القنابل على غزة، أي ما يعادل القوة التفجيرية لثلاث قنابل ذرية من القوة التدميرية لقنبلتي هيروشيما و نجازاكي .
و بالتوازي مع إتهام حماس بعدم الإكتراث يحياة المدنيين الغزاويين ، و إتهامها للمقاومة بإستخدامهم كدروع بشرية للإحتماء بهم ، تشمل حملة البروباجاندا الإسرائيلية أتهامها لحماس بمنع الشعب الغزاوي من العيش في رغد من الحياة مثل المواطنون في إمارة دبي على سبيل المثال ، و ذلك بمنع غزة من التمتع بعوائد هائلة من الغاز الطبيعي تقبع في باطن السواحل الغزاوية تنتظر من يستخرها و يحولها لمليارات من الدولارات تدخل جيوب الغزاويين لو تخلت حماس عن إستهداف إسرائيل .وقد تم تدشين الحملة التي يرددها الإسرائيليون ، حكومة ، و صحافة ، و إعلام ، على هذا التساؤل "لماذا تجبر حماس الفلسطينين على العيش في الفقر، و العوز ، و الدمار ، في حين أن التعاون مع إسرائيل قادر على تحويل حياة أكثر من 2 مليون غزاوي إلى حياة الوفرة ، و الرفاهية ، و الثراء، و الأمن ، و الأمان ؟ " . كما تروج إسرائيل أيضا في إطار تشويه صورة حماس لمشروع الممر الإقتصادي ، الذي يربط الهند بالشرق الأوسط ، و منه الى القارة الأوروبية . و هذا المشروغ الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي ، جو بايدن ، خلال قمة العشرين الأخيرة وروج له نتنياهو ، عبارة عن مجموعة موانيء ، و خطوط سكك حديدية، تبدأ من الهند ، مرورا بإسرائيل ، و الاراضي الفلسطينية المحتلة، و الأردن ، و السعودية ، و الإمارات. و تزعم إسرائيل بأن هذا الممر سيساهم أيضا بقوة في ثراء الفلسطينيين في غزة و الضفة الغربية بشرط تولى سلطة غير حماس الحكم في القطاع. و ترى إسرائيل بأن هذا الممر الإقتصادي سيحول إسرائيل إلى ملتقى مركزي للأقتصاد العالمي ، فضلا عما سيسفر عنه من تطبيع للعلاقات بين إسرائيل و السعودية، بعد أن تم بالفعل تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع كلا من الإمارات و البحرين .كما تلقي الحملة الإسرائيلة على حماس بمسئولية حرمان أكثر من 15 ألف غزاوي من مصادر دخلهم، بعد أن كانوا يذهبون للعمل يوميا داخل إسرائيل ، و العودة منها بما يكفي لإطعام أسرهم و سد إحتياجاتهم .
وتزعم إسرائيل بأن أكثر من 90 في المائة من الغزاويين يرفضون حاليا بقاء حماس في السلطة، بعد ما تكبدوه من خراب و دمار ، نتيجة هجمات حماس في 7 أكتوبر الماضي على مستوطنات غلاف غزة تحت شعار" طوفان الأقصى " .
و يبقى السؤال هل ستنجح الحملة الإسرائيلية في إقناع الغزاويين بالإطاحة بحماس من السلطة ، في حال تم تنظيم إنتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، بعد إنتهاء الحرب ، لتحقيق الجنة الموعودة التي تروج لها إسرائيل في غزة بدلا من الدمار و القتل و الفقر، أم سيتمسك الغزاويون بالمقاومة على حساب الرفاهية و الثراء كما تزعم إسرائيل ؟