الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجوز الاحتفال بالكريسماس ورأس السنة الميلادية.. الأزهر والإفتاء يحسمان الجدل

صدى البلد

ما حكم الاحتفال بالكريسماس رأس السنة الميلادية ؟ يعد من أكثر الأسئلة انتشاراً في هذه الأيام، خاصة بعدما يحرم المتشددون دينيا التهنئة بالكريسماس و رأس السنة الميلادية ، ولكن المؤسسات الدينية في مصر تتصدى لهؤلاء وتؤكد أن التهنئة برأس السنة الميلادية وبميلاد المسيح أمر جائز شرعاً، وتبادر المؤسسات الدينية في تهنئة الأخوة الأقباط بأعيادهم.

 

حكم مشاركة المسيحيين في الاحتفال بالكريسماس 

 

أكدت دار الإفتاء، أن احتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح أمرٌ مشروعٌ لا حرمة فيه؛ لأنه تعبيرٌ عن الفرح به، كما أن فيه تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل في حقه: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» رواه البخاري.

 

وقالت الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «هل يجوز احتفال المسلمين مع المسيحيين وتهنئتهم في رأس السنة الميلادية؟»، إن المسلمين يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنها من أكبر نِعم الله تعالى على البشر.

 

لماذا يحتفل المسيحيون برأس السنة؟

 

وأضافت أن الأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام على العالمين، وأشار الله تعالى إلى ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى: «وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» [مريم: 15]، وقال عن سيدنا عيسى: «وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» [مريم: 33]، وقال تعالى: «سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ» [الصافات: 79]، وقال تعالى: «سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» [الصافات: 109]، ثم قال تعالى: «سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ» [الصافات: 120]، إلى أن قال تعالى: «وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ» [الصافات: 181-182].

 

وتابعت: إذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التي يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه، وقد احتفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيوم نجاة سيدنا موسى من فرعون بالصيام؛ فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يومًا -يعني: عاشوراء-، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله، فقال: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» فصامه وأمر بصيامه. فلم يعدَّ هذا الاشتراك في الاحتفال بنجاة سيدنا موسى اشتراكًا في عقائد اليهود المخالفة لعقيدة الإسلام.

حكم تهنئة غير المسلمين برأس السنة والكريسماس

وأوضحت: أما تهنئة غير المسلمين من المواطنين الذين يعايشهم المسلم بما يحتفلون به؛ سواء في هذه المناسبة أو في غيرها؛ فلا مانع منها شرعًا، خاصة إذا كان بينهم وبين المسلمين صلة رحم أو قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الإنسانية، وخاصة إذا كانوا يبادلونهم التهنئة في أعيادهم الإسلامية؛ حيث يقول الله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» [النساء: 86]، وليس في ذلك إقرار لهم على شيء من عقائدهم التي يخالفون فيها عقيدة الإسلام، بل هي من البرِّ والإقساط الذي يحبه الله؛ قال تعالى: «لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» [الممتحنة: 8].

وألمحت إلى أن الآية تقرر مبدأ التعايش، وتبين أن صلة غير المسلمين، وبِرَّهم، وصلتهم، وإهداءهم، وقبول الهدية منهم، والإحسان إليهم بوجه عام؛ كل هذا مستحبٌّ شرعًا؛ يقول الإمام القرطبي في "أحكام القرآن" (18/ 59، ط. دار الكتب المصرية): [قَوْلُهُ تَعَالَى: «أَنْ تَبَرُّوهُمْ» أَيْ: لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنْ أَنْ تَبَرُّوا الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ ... «وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ» أَيْ تُعْطُوهُمْ قِسْطًا مِنْ أَمْوَالِكُمْ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ].

 

هل يجوز الاحتفال برأس السنة الميلادية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن الذين ينكرون الاحتفال بأعياد غير المسلمين رأيناهم يحتفلون في مناسبات مختلفة، وليس لديهم دليل على إنكار الاحتفال بالمناسبات الدينية.

 

وأوضح شوقي علام خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق، ببرنامج «نظرة»، المذاع على قناة صدى البلد، إذا كان مستند الذين ينكرون علينا الاحتفال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وأنه بدعة، فإن الصحابة فعلوا أشياء لم تحدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وتابع مفتي الجمهورية أن البدعة المذمومة هي ما يبطل الدين وما كان على خلاف الشرع الشريف، وأن النعت بالبدعة عند المتطرفين يقود إلى النعت بالفسق وبعدها التوسع في الكفر وإباحة القتل؛ ولذلك يسهل التكفير في هذه الحالة، والإغراق في التبديع وجعل كل ما يفعله الإنسان بدعة، ويستدلون في كل موضع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد، وشر الأمور محدَثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".

 

ولفت شوقي علام إلى أن قراءة هذا الحديث منعزلًا عن غيره من الأحاديث الأخرى قراءة كلية يصل إلى فكرة التبديع والجمود خوفًا من البدعة، وهذا ليس غرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي أراد لنا أن ننطلق في الحياة ونبدع وننجز، والصحابة فهموا هذا الأمر وانطلقوا إلى الآفاق وعمروها.

 

وأوضح مفتي الجمهورية أن العلماء المعتبرين تحدثوا كثيرًا عن أقسام البدعة، فتحريم الأمور المبتدعة ليس على إطلاقه، وذكروا أن هناك خمسة أقسام للبدعة، وهي: البدعة المحرمة، والبدعة الواجبة، والبدعة المستحبة، والبدعة المباحة، والبدعة المكروهة. وقال مضيفًا: عندما نقرأ النصوص الشرعية مجموعة نخرج بأن البدعة المحرمة هي تلك البدعة التي تبطل أحكام الإسلام، أما ما تتوافق معها فتدخل في دائرة السنة الحسنة، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».

 

وأردف شوقي علام: إن بعض المتطرفين أخذونا إلى مكان بعيد عن الشريعة بسبب هذ الأمر، وبدعوى بدعة الضلالة وهي ميزان يستخدمونه في كل مناسبة ليضيِّقوا على الناس ويشددوا عليهم، وهذا الزعم يناقضون به أنفسهم باستخدامهم المخترعات الحديثة التي لم يكن يستخدمها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.

 

وأكد مفتي الجمهورية أن علماء أصول الفقه المعتبرين انتبهوا إلى هذه الدعوى المتشددة والمتعلقة بحكم ترْك النبي صلى الله عليه وسلم وانتهوا إلى أن الترك لا يدل على الحظر والمنع، بل غاية ما يدل عليه عدم منع الأمر المتروك ما لم يصدر دليل على المنع مع الترك.

 

وأشار شوقي علام إلى أن المسلمين قد فعلوا كثيرًا من الأمور التي لم يكن هناك فعل لها من سيدنا رسول الله، وكان ذلك منهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ وهي تدل على الجواز لأن لها أصلًا في الدين، كما حدث في اجتهادات الصحابة لمسائل متعددة كمسألة جمع القرآن وغيرها، وكلها كانت ضمن المقاصد العامة للشريعة وسيرًا على نهج ومسيرة النبي الأمين والصحابة والتابعين الكرام.

 

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية

وتعجب الدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، من تكرار الأسئلة حول نفس الموضوعات مثل حكم الكريسماس وتهنئة المسيحيين قائلًا في فيديو نشره على حسابه الرسمي على الفيسبوك: "كأننا يا مولودين امبارح يا قولنا هذا من تلات آلاف سنة...السؤال مرة واحدة واحفظوا دينكم".

 

وأوضح «عطية» أن من "بلاوينا": «إعطاء الموضوع أكبر من حجمه كانها قضية حرب بيننا وبين المسيحيين، وكأن الاحتفال بالكريسماس وأعياد الميلاد فجور وخروج عن الملة، مشيرًا إلى أن الناس في المعتاد يحتفلون بأعياد أبناءهم، قائلًا: "يحتفلوا بس ميقولوش قال الله وقال الرسول"، وأوضح عطية أن الأصل في الأشياء الإباحة، فكل شيء مباح عدا ما حرم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بنص، قائلًا ان الاحتفال بعيد الزواج مثلًا جائز فما المنكر في ذلك وما البدعة فيه؟ "ما العربية بدعة والطيارة بدعة».

 

وأفاد بأنه ليس لدينا نصوص تحرم المباح، اننا نحتفل بالعام الميلادي الذي نقبض به مرتباتنا ونعرف به أعمارنا ومسجل ميلادنا به على بطاقاتنا الشخصية، "إذا كنا عاوزين نحتفل نحتفل ونعمل ايه؟ هتروح الكنيسة؟ لأ متروحش"، وقال عطية أن معنى كل سنة وانت طيب ألا تكون طيبًا في كل سنة إلا يوم، مقترحًا أن نقول كما يقول كل لحظة وأنت طيب، معلقًا "لما كانت العملية ميسرة وسهلة ليه نجعل منها تفرعات وإقرار بدين غيرنا؟".

 

واستشهد بقول الله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»، وقوله تعالى: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين».

 

وواصل: إن "البر اسم جامع لكل معاني الخير، ومن معانيه كل سنة وانت طيب...ميلاد سعيد، وهو ميلاد سعيد كلمة الله وروح منه عبد الله ورسوله سيدنا عيسى كان ميلاده سعيدًا مباركًا"، والدليل يقول عطية مذكور في القرآن الكريم: " وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا".

 

ولفت إلى أن عيد ميلاد المسيح يوم سلام، ونحن منذ مئات السنين ننشد السلام، "فليعبدوا ما شاءوا إنا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم"، يقول عطية موضحًا أن معنى ربنا آتنا في الدنيا حسنة، هي كل ما يجعل الدنيا حسنة، فالجار المسيحي من حسنة الدنيا أن تكون العلاقة به طيبة، "شايفه بيستنى اليوم دا وبيحتفل به قوله ميلاد سعيد".

 

وأكمل: "اللي معندوش بضاعة علمية بيهرتل" يقول عطية موضحًا حكمًا شرعيًا أنه يجوز شرعًا أن يكتب المسلم ثلث وصيته لمسيحي وقال الفقهاء: "من باب البر بين الأديان"، وعلق عطية قائلًا: "يكتبله تلت وصيته وما يقولوش عيد سعيد؟!".

 

حكم الاحتفال بالكريسماس الأزهر 

نبه الدكتور سيد عرفة عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، على أن الاحتفال برأس السنة الميلادية ومظاهر الاحتفال والتهنئة به يجوز شرعا ولا حرمة فيه.

وأفاد «عرفة» خلال حواره ببرنامج «8 الصبح» المذاع على قناة «dmc»: بأن أن الاحتفال برأس السنة الميلادية جائز وذلك لاشتماله على مقاصد اجتماعية ودينية ووطنية معتد بها شرعا وعرفا، فهي المواطنة التي علمنا إياها الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي تتساوى فيه الحقوق والواجبات، وكلما ازدادت الروابط الإنسانية تأكدت الحقوق الشرعية.

ولفت إلى أنه لا وجود لحرمانية في التهنئة والاحتفال برأس السنة الجديدة، مستندًا على سنة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه كان يقوم بزيارة المسلم وغير المسلم.