تستمر الحرب في غزة بوتيرة قوية تحصد معها أرواح مئات الفلسطينيين يوميًا، فيما تسجل خسائر فادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وتدور الأنباء عن مساع إقليمية ودولية للتوصل إلى تهدئة تمهد لتبادل المحتجزين والأسرى، وتؤكد حركتا حماس والجهاد رفضهما لأي وقف مؤقت للحرب وتمسكهما بوقف شامل لإطلاق النار والعودة لأوضاع ما قبل 7 أكتوبر.
[[system-code:ad:autoads]]
مبادرة مصرية لوقف النار
ترفض الفصائل الفلسطينينة ترك السيطرة على غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار، وأعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، الاثنين، عن "مبادرة مصرية" اقترحتها القاهرة، وتضمنت 3 مراحل لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وناقشت اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي اجتمعت برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في رام الله، "ما تم نشره في وسائل إعلامية عن ورقة مبادرة تتحدث عن ثلاث مراحل، بما فيها الحديث عن تشكيل حكومة فلسطينية لإدارة الضفة وغزة بعيداً عن إطار مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد".
وعقب انتهاء مباحثات استمرت 4 أيام في العاصمة المصرية، عاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى العاصمة القطرية الدوحة الأحد، للتشاور مع قيادة الحركة بشأن ورقة المبادرة المصرية.
وتوجه بعدها وفد من حركة الجهاد برئاسة الأمين العام زياد النخالة، إلى القاهرة، لتقديم رؤيته بشأن وقف الحرب.
وقال نائب الأمين العام لحركة الجهاد، محمد الهندي، الاثنين، إن الفصائل ستدرس "المبادرة" لإعلان موقفها. وأعرب عن ترحيبه بـ"أي جهد لوقف العدوان قبل الحديث عن تبادل الأسرى".
وأبدت حركة حماس موافقة على المقترح المصري بشأن تشكيل حكومة "تكنوقراط" بعد انتهاء الحرب على غزة، لتولي إدارة الضفة الغربية والقطاع، إلى جانب مهام إعادة الإعمار والإيواء.
وفي إسرائيل، كانت المبادرة المصرية على طاولة مجلس الحرب في اجتماعه الاثنين، ووصف مسؤول إسرائيلي المبادرة بأنها "أولية"، ولكنه اعتبر أن تقديم مصر للاقتراح "أمر مهم وإيجابي".
وحسب الشرق بلومبرج، قررت منظمة التحرير الفلسطينية تشكيل وفد يتجه إلى القاهرة، مشيرة إلى أن الوفد سيحمل مقترحات بأن ترعى مصر "حواراً وطنياً فلسطينياً" لدمج حركة "حماس" في المنظمة، وتشكيل حكومة "وفاق وطني" فلسطينية في قطاع غزة، وليس حكومة "تكنوقراط"، حسبما اقترحت المبادرة المصرية.
وسيرأس الوفد، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، وسيقدم وفد السلطة الفلسطينية اقتراحاً أيضاً بأن تتضمن حكومة الوفاق الوطني مستقلين، ترشحهم الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة "حماس"، كما سيدعو إلى إطلاق برنامج لإعادة إعمار غزة، وعقد مؤتمر دولي لذلك، بعد تشكيل "حكومة الوفاق الوطني" المقترحة.
كما تشمل المقترحات الفلسطينية التي يحملها وفد رام الله إلى القاهرة، إعادة بناء قوات الأمن الفلسطينية في قطاع غزة، وهذه المقترحات خاضعة للحوار مع مصر ومع حركة حماس.
ومن جانبه، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، الذي يشارك في الوفد، في تصريحات له، إن "حكومة الوفاق الوطني أكثر قدرة على إدارة القطاع من حكومة الخبراء التي اقترحتها المبادرة المصرية"، مشيراً إلى أن "القوى السياسية أكثر قدرة على تولي ملفات قطاع غزة بعد الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على القطاع، والتي خلفت مئات آلاف الأسر بلا مأوى، أو غذاء أو دواء أو مستشفيات أو طرق أو مياه أو كهرباء".
وطرح أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، جبريل الرجوب، في اجتماع اللجنة، اقتراحاً ينص على "العمل على إقامة حوار استراتيجي بين مصر والسلطة الفلسطينية، يتناول مختلف الملفات، ويضع أسساً للتعاون بين الدولتين في مختلف المجالات والملفات".
السيناريوهات المتوقعة لإدارة قطاع غزة
وفي أعقاب تصريحات السلطة الفلسطينية عن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة، جاءت مباحثات أمريكية أسرائيلية حول الانتقال لـ”مرحلة مختلفة” في حربها على غزة.
ومن جانبه، ناقش مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في واشنطن مسألة انتقال إسرائيل إلى “مرحلة مختلفة” في الحرب التي تخوضها ضدّ حركة حماس في قطاع غزة، بحسب ما أعلن مسؤول في البيت الأبيض.
وناقش ساليفان مع ديرمر، المقرّب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “الانتقال إلى مرحلة جديدة في الحرب للتركيز على أهداف حمساوية مهمّة”.
وأضاف أنّ المباحثات بين المسؤولين الأمريكي والإسرائيلي تطرّقت أيضاً إلى “الخطوات العملية لتحسين الوضع الإنساني وتقليل الأضرار على المدنيين”، فضلاً عن “الجهود” الرامية إلى تعزيز فرص إطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس تحتجزهم في قطاع غزة.
ويناقش ديرمر أيضاً أفكار وخطط نتنياهو، فيما يتعلق بما يحدث في غزة عندما تنتهي الحرب، بما في ذلك من يحكم القطاع على المدى الطويل. وكانت إدارة بايدن أفادت علناً في السابق بأنها تريد أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في حكم غزة، إلا أن المسؤول الأميركي كشف أن نتنياهو رفض هذه الفكرة حينها.
لكن في الأسابيع الأخيرة بدأ ديرمر ومسؤولون إسرائيليون آخرون في التحدث إلى نظرائهم الأميركيين حول ما سمّوه "R.P.A" أي السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها. وزار وفداً إسرائيليا برئاسة مسؤول السياسات بوزارة الدفاع درور شالوم، الأسبوع الماضي واشنطن لإجراء محادثات حول اليوم التالي للحرب واستخدم الاختصار "R.P.A".
وبشأن السيناريوهات المتوقعة في قطاع غزة وكيفية إدارته، قال أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطيني، الدكتور جهاد أبولحية، إن الآراء والرؤى تتعددنحو شكل الحكم في قطاع غزة بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع حيث يقدم كل طرف رؤية مغايرة للطرف الآخر ولكن بمجملها تتلخص في الآتي:
- الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الاسلامي) ترى انها لن تقبل بصفقة تبادل لإطلاق المحتجزين إلا بوقف اطلاق نار كامل في قطاع غزة والاتفاق على انسحاب اسرائيل من كافة مناطق قطاع غزة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من اكتوبر إدارياً وأمنياً في قطاع غزة والتوصل إلى أسس سليمة وعملية نحو مسار سياسي للقضية الفلسطينية .
- اسرائيل عبرت من خلال رئيس وزرائها نتنياهو انها سوف تنشأ هيكل مدني في قطاع غزة يشرف على القطاع مع سيطرتها الأمنية على القطاع والاحتفاظ بمناطق عازلة داخل قطاع غزة وبالتالي تقليل مساحة قطاع غزة التي هي بالأصل مساحة صغيرة مقابل حجم الكتلة السكانية التي تسكن بالقطاع .
- الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوروبية ترى انه يجب عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى قطاع غزة لتشرف على القطاع إدارياً وأمنياً وذلك انطلاقاً من أن السلطة لديها شرعية دولية معترف بها ولذلك تعمل امريكا على إقناع اسرائيل بذلك ولكن ما زالت لم تتقدم خطوة واحدة اتجاه هذه الرؤية.
- جمهورية مصر العربية والعديد من الدول العربية باتت مقتنعة انه يجب تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة تشرف على قطاع غزة إداريا وأمنيا وتكون مهمتها إعادة اعمار القطاع ولذلك تسعى بالايام القليلة الماضية لتقديم هذا المقترح للتداول مع كثير من الأطراف ذو الشأن والاهتمام بالملف الفلسطيني.
وأضاف أبولحية في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن سيناريو الحكم لقطاع غزة سوف يكون حكومة تكنوقراط تشرف على القطاع إداريًا وأمنيًا مع توفير الدعم الكامل لهذه الحكومة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الفاعلة بالملف الفلسطيني وذلك وفق اتفاق سياسي.
واختتم قائلًا إن حركة حماس فصيل فلسطيني ممتد في فلسطين والحديث عن إنهاءها والقضاء عليها من خلال عملية عسكرية هو ضرب من ضروب الجنون وعدم الواقعية وبالتالي فإن حركة حماس من المستحيل القضاء عليها، ولذلك سوف تعمل حماس على تغيير دراماتيكي في نهجها من خلال تحولها إلى فصيل سياسي يلتزم بما سوف يتم الاتفاق عليه وهذه الرؤية كان عبر عنها ايضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي أبدى استعداده ليكون ضامن لحركة حماس في المستقبل حينما يتم التوصل الى اتفاق حول المرحلة القادمة.