اليوم مشكلة فى السكر, وأمس مشكلة فى البصل، وقبلها مشكلة فى الأرز، وهكذا، فالمشاكل والأزمات التموينية خاصة فى السلع الغذائية لا تنتهي أو تتوقف، فما إن تهدأ أزمة حتى تثور أزمة جديدة، ورغم أن الجهود الرسمية وغير الرسمية تنشط من أجل احتواء وحل كل أزمة أو مشكلة تحدث فى سلعة غذائية إلا أن ذلك لا يحمينا ولا يوفر لنا وقاية من حدوث أزمة أو مشكلة تموينية جديدة فى سلعة غذائية أخرى إضافية، ولذلك تستمر ، مثل هذه الأزمات التى كلها تعكس خللا فى حالة وأوضاع التجارة الخارجية وأسواقنا، وبسبب هذا الخلل تتوالى تلك المشاكل والأزمات فى السلع الغذائية.
وهذا الخلل يتمثل فى وقوع أسواقنا تحت سيطرة الاحتكارات المختلفة، فهناك احتكارات بين المنتجين واحتكارات بين التجار أيضا, وهى الأشد والأكثر دورا فى صناعة الأزمات والمشاكل التى نتعرض لها بشكل لا يتوقف، وتلك هى المشكلة الأساسية التى نعانى منها سواء فى السلع الغذائية أو غير الغذائية, ففى كل سلعة ننتجها أو نستوردها من الخارج هناك عدد محدود من كبار التجار وقبلهم كبار المنتجين يسيطرون على أسواقها.
وهذا الاحتكار يمنع ويعطل عمل قانون العرض والطلب، ويجعله يعمل فى اتجاه واحد فقط هو اتجاه رفع الأسعار، بينما لا تنخفض الأسعار حتى وإن زاد المعروض من السلع وقل الطلب عليها، كما أن هذا الاحتكار هو المسئول أيضا عن التضخم الذى عانينا ومازلنا منه وليس تعويم الجنيه بسبب ارتفاع هامش الربح لدينا وفى أسواقنا.
ورغم تثبيت سعر الجنيه تقريبا الآن، إلا أن الأسعار لا تتوقف عن الارتفاع سواء فى السلع التى ننتجها أو التى نستوردها، وفى كل مرة تحدث أزمة فى سلعة غذائية تنتفض وزارة التموين لاحتواء هذه الأزمة بطرح كميات كبيرة من هذه السلعة حتى يتم إجبار كبار التجار المحتكرين على إخراج الكميات التى يحتجزونها ويخفونها من السلعة وطرحها فى الأسواق.
ولكن هذا وحده لا يكفي ولا يواجه أصل المشكلة والمتمثل فى وجود احتكارات فرضت سيطرتها على أسواقنا، ولذلك ما إن نتخلص من مشكلة أو أزمة فى سلعة حتى نتعرض لأزمة جديدة فى سلعة أخرى, لأن أصل الداء لكل هذه المشاكل هو الاحتكار، فهو الذى ينتج لنا تلك الأزمات الواحدة تلو الأخرى, وسوف يظل يفعل ذلك مالم نواجهه ونتخلص منه، فضلا عن أنه سوف يكبح جماح جهودنا الرامية لتخفيض معدل التضخم والسيطرة على معدل ارتفاع الأسعار، ويعطل هذه الجهود ويأخرها أو يقلل من نتائجها المرجوة.
لذلك ينبغى أولا دراسة أحوال أسواقنا كلها سلعة سلعة انتاجا واستيرادا وتجارة، ونعرف حالة الاحتكار فيها تفصيلا وأعداد المحتكرين، وكيف تمكنوا من فرض احتكارهم على هذه السلع، ثم نضع خطة تفصيلية للتخلص من هذه الاحتكارات فى كل سلعة على حدة من خلال توسيع قاعدة المنتجين لها والمستوردين لها أيضا والمتاجرين الكبار فيها, وأيضا من خلال تدخل الدولة أحيانا كمنتج أو كمستورد أو كتاجر حتى تعيد التوازن المفقود فى السوق، وهذا يقتضى أن يكون لدى وزارة التموين قاعدة معلومات دقيقة وصحيحة عن أحوال أسواقنا وعن المنتجين والمستوردين والتجار فى كل سلعة، وبعد ذلك يأتى دور التشريع والقانون, أى تعديل قانون مواجهة الاحتكار لنضع تعريفا غير فضفاض ومحكم للممارسات الاحتكارية، وهذا أمر معمول به فى كل الدول الرأسمالية، ثم يأتى بعد ذلك تفعيل دور جهاز وجمعيات حماية المستهلك بحيث يتسع دورها ليشمل المساعدة فى الكشف عن الاحتكارات والممارسات الاحتكارية فى الأسواق.
وإذا حدث ذلك سوف نقى أنفسنا من تلك الأزمات التى تتوالى فى السلع الغذائية، وأيضا سوف نحمى المستهلكين مما نسميه جشع التجار ونقصد به المبالغة فى هامش الربح الذى يزيد فى معدل ارتفاع الأسعار.
• بإمكان الفلسطينيين أن يضعوا بأنفسهم خريطة طريق تعيد تقديم قضيتهم وحقوقهم للعالم وإعادة فرضها فى قلب المعادلات الدولية والإقليمية، وحتى تنهى ىإسرائيل حربها المجنونة على غزة، على الفلسطينيين أن يستعدوا لتدبير أمر بيتهم من الداخل بأنفسهم فى إطار وحدة وطنية مفتقدة, ومسار سياسى ديمقراطى أساسه الانتخابات الحرة على مستوى الرئاسة والبرلمان والمجالس المحلية.