قال سلطان الجابر رئيس مؤتمر الأطراف «COP28»، إن انعقاد أكبر قمة على الإطلاق لمؤتمر الأطراف، بحضور أكثر من 100 ألف شخص، يمثل نقطة تقدم دبلوماسية للإمارات.
وعلى الرغم من إشارة الخبراء بالفعل إلى وجود ملفات عدة لا يزال من الضروري معالجتها في مؤتمر "كوب 29" في أذربيجان، فإنهم أقروا أيضاً بالعقبات التي اضطر الجابر إلى مواجهتها والانتصار عليها.
ولم يكن أحد ليتوقع أن يجلس واحد من أبرز المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط وهو يستمع بحفاوة بالغة في دبي إلى مئات الدبلوماسيين المكلفين بمكافحة تغير المناخ، حيث ترأس سلطان الجابر (رئيس شركة النفط العملاقة المملوكة للدولة في الإمارات، مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ "كوب 28" الذي استمر على مدار أسبوعين، وأسفر عن أول اتفاق في العالم للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.
في كواليس COP28 ، كانت هناك دموع وأحضان، وسط احتفالات المفوضين المنهكين بإنجاز مهم في معركة العالم ضد الاحتباس الحراري.
شكّل ذلك المشهد تحولاً ملحوظاً مقارنة بما حدث قبل يومين فقط من اختتام فعاليات المؤتمر، عندما تخللت المفاوضات مشاحنات كبيرة، وكانت هناك مخاوف من احتمال انهيارها. ولو حدث ذلك؛ لكان وبالاً على جهود الجابر وجيشه من المستشارين المعينين الذين أمضوا أشهراً طويلة في التنقل حول العالم لحشد الدعم للصفقة.
كما كان ذلك سيعطي إشارة على أن "اتفاق باريس" لكبح انبعاثات الغازات الدفيئة بدأ في التفكك والانهيار، وهو الاتفاق الذي اعتاد الشعبويون -الذين ينكرون ضرورة مكافحة تغير المناخ- الهجوم عليه، ومنهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري
في الوقت الذي يرزح فيه كوكب الأرض تحت وطأة العام الأكثر سخونة على الإطلاق، أصرت دول عديدة أخيراً على تعهّد العالم هذه المرة بالتحوّل بعيداً عن كل أنواع الوقود الأحفوري، أو "التخلص منها تدريجياً".
وعلى الرغم من الاتفاق في قمة جلاسكو 2021 على خفض استخدام الفحم فقط، إلا أن تحالفاً يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الجزرية المعرضة للخطر، سعى إلى تطرق "COP28" هذه المرة إلى قضية التحول بعيداً عن النفط والغاز أيضاً.
زادت تعقيدات مفاوضات المناخ السنوية بشكل لافت منذ التوصل إلى اتفاق باريس عام 2015. وتحتاج الدول الآن إلى الاتفاق على اتخاذ خطوات ملموسة ضرورية للمحافظة على ارتفاع درجة الحرارة العالمية ضمن نطاق 1.5 درجة مئوية، مما يجبر المفاوضين على التعامل مع القضايا الشائكة التي ستؤثر بشكل مباشر على آفاقهم الاقتصادية.
بداية واعدة لـ"COP28
شهد مؤتمر "كوب 28" بداية واعدة مع سلسلة من الإعلانات التي تضمنت مبادرات بمليارات الدولارات لدعم الحلول الخضراء والمجتمعات المعرضة للخطر. واتفقت الدول قبل الموعد المحدد على كيفية إدارة صندوق لتعويض الدول الفقيرة عن الأضرار المناخية، مذللة عقبة كانت لتعرقل هذه المساعي. كما طلب الجابر من أكثر من 50 شركة نفط وغاز كبرى أن تتعهد بوقف انبعاثات غاز الميثا ولكن بعد ذلك كادت المفاوضات أن تخرج عن مسارها الصحيح.
في الوقت ذاته، كان الجابر يواجه أزمة ثقة قبل انطلاق "كوب 28" مباشرة، حيث زعمت قصة نشرها مركز تقارير المناخ أنه خطط لاستخدام منصبه للحشد من أجل صفقات النفط والغاز. وأظهر مقطع فيديو كشفت عنه صحيفة "الغارديان" بعدها بأيام، أنه تساءل عمّا إذا كان من الضروري التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري للمحافظة على الاحتباس الحراري ضمن نطاق 1.5 درجة مئوية.
شعر الجابر -الذي عيّن العشرات من مسؤولي العلاقات العامة لإدارة التغطية الإعلامية للقمة- بالضيق بشكل واضح عندما سُئل عن قصة مركز تقارير المناخ في أول مؤتمر صحفي له، لكنه نفى تماماً إجراء أي محادثات في غير محلها. وعندما نُشر فيديو "الغارديان"، سعى مساعدوه إلى إقناعه على مدار يوم كامل بضرورة توضيح تصريحاته.
لكن في يوم الاثنين الماضي، بدا هذا الهدف أبعد منالاً من أي وقت مضى. وقبل يومين فقط من انتهاء "COP28"، أصدر فريق الجابر مسودة مفادها أن الدول المقترحة "يمكنها" استخدام قائمة من الخيارات، بما في ذلك تكثيف إنتاج الطاقة المتجددة وخفض الوقود الأحفوري. واتسمت لهجة الحديث باللين، مما أثار حفيظة الدول التي كانت تضغط لتحقيق التقدم، فيما أرادت السعودية وحلفاؤها تجنّب الحديث عن النفط والغاز.
قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إن مسودة القرار لم تحظَ بقبول عالمي، وانتهى بها الأمر إلى جمع شمل الدول نتيجة لذلك. وسواء كانت هذه النتيجة متعمدة أو لا من جانب الجابر، فإنها مكّنت فريقه من الضغط للتوصل إلى اتفاق أقوى، أو المخاطرة بانهيار واسع النطاق.
عُقدت عشرات الاجتماعات الثنائية بين الفصائل المتعارضة يوم الثلاثاء، حيث ساعدت الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي في تسوية الاتفاقات إلى جانب رئاسة المؤتمر.
قالت جنيفر مورجان، المفوضة الألمانية الخاصة لشؤون المناخ: "عملنا ليل نهار للاستماع إلى حلفائنا في البلدان النامية، واعتمدنا على دبلوماسية مكوكية مع دول مثل البرازيل والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والجميع".
الصين وأميركا تعملان للوصول إلى اتفاق مناخي في "كوب 28"
قد تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يشكل فيها الاثنان مركز القوة في محادثات مؤتمر الأطراف، حيث من المتوقع تقاعد شي، وليس من الواضح ما إذا كان كيري، الذي بلغ الثمانين من عمره في وقت سابق من الأسبوع الماضي، سيبقى في منصبه. وتضمنت اجتماعاتهما العديدة في دبي احتفالات بعيد ميلاد كيري، حيث قدّم شي له سلسلة من الصور المؤطرة لهما معاً، وأعطى حفيده للمبعوث الأميركي بطاقة.
عمل المفاوضون في محاولة لإرضاء جميع الأطراف. وشمل ذلك الهند التي تعتمد على الفحم، وكبار منتجي النفط والغاز مثل العراق. وكانت الدول النامية، وخصوصاً في أفريقيا وأميركا الجنوبية، ترغب في الحصول على التزامات ممهورة بالدعم المالي مع التأكد من وضع ظروفها الاقتصادية في عين الاعتبار.
ظهرت النتيجة الأكيدة يوم الأربعاء. وعلى الرغم من أنها لم ترضِ جميع الأطراف، لكنها كانت مقبولة لدى الجميع، ويمكنهم التعايش معها في الوقت الراهن.
تمكنت صناعة النفط من التأكيد على أولويتين رئيسيتين، حيث تركت الصفقة المجال لإنتاج بعض الغاز الطبيعي، وسلطت الضوء على احتجاز الكربون كحل للمناخ. ونظرياً، ستسمح هذه التكنولوجيا باهظة الثمن بمواصلة حرق الوقود الأحفوري دون انبعاثات، على الرغم من أن بعض الخبراء يحذرون من أن ذلك يمثل إلهاءً بعيد المدى عن خفض الاستهلاك.
على الرغم من ذلك، فإن نتيجة المؤتمر تعتبر شهادة بحق الجابر، الذي وصف علاقاته في صناعة الوقود الأحفوري كأحد الأصول، وراهن على قدرته في إحداث توافق مع الدول التي تعتمد على أرباح النفط الوفيرة.