ما معنى قوله تعالى: «ويرسل عليكم حفظة»؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}.
ما معنى قوله تعالى: «ويرسل عليكم حفظة»؟
وقال علي جمعة إن الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن جلاله يُعقِّب بجماله، وعندما يتكلم عن جماله يتكلم عن جلاله، وفي ذلك إشارة إلى الكمال الإلهي، مضيفًا: عندما تجلى علينا باسمه القاهر {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} في جلال بيَّن لنا أنه أيضًا صاحب الجمال فقال: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} فالله يرسل علينا ملائكةً كرامًا حفظة، يحفظوننا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، يحفظوننا من أمر الله ؛ أمر الله هذا إما المصائب، والكوادر، والبلاء الذي قد يصيب الإنسان.
وأوضح علي جمعة في توضيح معنى قوله تعالى: «ويرسل عليكم حفظة»: قد يصاب فعلًا الإنسان بمثل هذه العثرات، أو البلايا من أجل التذكير، ومن أجل أن تلتفت إلى النعمة التي لا تلتفت إليها من كثرة إلفك لها، وعادتك التي أنت فيها؛ فلما تجلى بالجلال تجلى بعد ذلك بالجمال تهدئةً للنفوس، وبيَّن أن هذا الأمر الأول من أمر الله.
واستطرد: لكن هناك أمر ثاني أن الحفظة إذا ما تخلت عنك فإنك لا تستطيع الاستمرار في الحياة، ولذلك الحفظة سيأتي وقت ويتركونك من أجل الانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة ؛ ليقوم ملك الموت بواجبه.
واختتم: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} من هم ؟ الحفظة والرسل ؛ الحفظة لا تُفرط في الحفظ، ولا الرسل تُفرط في استيفاء النفس وقبضها من الإنسان، لماذا؟ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فكلهم تحت القهر الرباني الإلهي.
وفي تفسير قوله تعالى: «وهو القاهر فوق عباده»، يقول الإمام ابن كثير في تفسيره أي : هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء .
وأضاف: «ويرسل عليكم حفظة» أي : من الملائكة يحفظون بدن الإنسان ، كما قال [ تعالى ] ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) [ الرعد : 11 ] ، وحفظة يحفظون عمله ويحصونه [ عليه ] كما قال : ( وإن عليكم لحافظين [ كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ] ) [ الانفطار : 10 - 12 ] ، وقال : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17 ، 18 ] .
وقوله : «حتى إذا جاء أحدكم الموت» أي : [ إذا ] احتضر وحان أجله «توفته رسلنا» أي : ملائكة موكلون بذلك .
قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم وسيأتي عند قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت [ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ] ) [ إبراهيم : 27 ] ، الأحاديث المتعلقة بذلك ، الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة .
وقوله : ( وهم لا يفرطون ) أي : في حفظ روح المتوفى ، بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله ، عز وجل ، إن كان من الأبرار ففي عليين ، وإن كان من الفجار ففي سجين ، عياذا بالله من ذلك .