ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما هي مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر؟ وهل يبدأ وقت المسح عليهما من أول لبسهما أو من بداية الحدث؟
وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إن المسح على الخفين رُخصةٌ شُرعت من الله سبحانه وتعالى تيسيرًا وتخفيفًا على عباده؛ يدل لذلك ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ. فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»؛ قال العلامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (3/ 102، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه جواز المسح على الخفين وبيان مشروعيته] اهـ.
[[system-code:ad:autoads]]
وأجمع الفقهاء على جواز المسح على الخفين في الحَضَر والسفر للرجال والنساء؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (11/ 137، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية): [وعمل بالمسح على الخفين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وسائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين أجمعين وفقهاء المسلمين في جميع الأمصار، وجماعة أهل الفقه والأثر كلهم يجيز المسح على الخفين في الحَضَر والسَّفَر للرجال والنساء] اهـ.
مدة المسح على الخفين
أما مدة المسح: فجمهور الفُقهاءِ على أنَّها يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيَّام ولياليها للمُسافرِ؛ للحديث الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن شُرَيْحِ بن هانِئٍ قال: "أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم؛ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ".
قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (3/ 176، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه الحُجةُ البَينةُ والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين موقَّت بثلاثة أيام في السفر، وبيوم وليلة في الحَضَر، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم] اهـ.
وقت المسح على الخفين
تبدأ مدة المسح سواء للمسافر أو للمقيم من وقت أول حدث إذا لبسه على طهارة، لا من وقت اللبس، وذلك لأن الحدث هو سبب وجوب الطهارة، فكان ابتداء المدة منه؛ قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (1/ 99، ط. دار المعرفة): [ثم ابتداء المدة من وقت الحدث؛ لأن سبب وجوب الطهارة الحدث، واستتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم، فما هو موجب لبس الخف إنما يظهر عند الحدث؛ فلهذا كان ابتداء المدة منه، ولأنه لا يمكن ابتداء المدة من وقت اللبس فإنه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر عليه يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف بالاتفاق، ولا يمكن اعتباره من وقت المسح؛ لأنه لو أحدث ولم يمسح ولم يصلِّ أيامًا لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الفكر): [مذهبنا أن ابتداء المدة من أول حدث بعد اللبس، فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافرًا انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسًا على طهارة، وما لم يحدث لا تحسب المدة، فلو بقي بعد اللبس يومًا على طهارة اللبس ثم أحدث استباح بعد الحدث يومًا وليلة إن كان حاضرًا وثلاثة أيام ولياليها إن كان مسافرًا] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 212، ط. مكتبة القاهرة): [ابتداء المدة من حين أحدث بعد لبس الخف، هذا ظاهر مذهب أحمد] اهـ.
وبناء على ذلك: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز المسح على الخفين في الحَضَر والسفر للرجال والنساء، وتكون مدة المسح للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح من وقت الحدث بعد لبس الخف.