لا تزال مصر ثابتة على موقفها في رفضها مخططات جيش الاحتلال، وتهجير سكان غزة من بيوتهم وأراضيهم قسريا من شمال القطاع إلى الجنوب ومنه إلى داخل مصر أو أية وجهة أخرى.
وهناك مخطط صهيوني لتوطين الفلسطينيين في سيناء، ومصر عملت قيادة وشعبا على التأكيد أن هذا الملف خط أحمر، وذلك منذ اللحظة الأولى للعملية التي خُطط لها منذ ما يزيد على 10 سنوات، وسيناريو توطين الفلسطينيين في سيناء، يتم تكراره مرة أخرى في الوقت الحالي، في ضوء حرب إبادة للشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة.
أسلحة مصر لإفشال التهجير
مصر تقف مساندة للشعب الفلسطيني، وتشدد على أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية للأمة العربية، ولمصر بصفة خاصة، ومصر تدعم القضية الفلسطينية ولا يمكن أن تشارك في إنهاء هذه القضية، فكرة توطين الفلسطينيين في أرض سيناء تعني أن مصر شاركت في إنهاء القضية الفلسطينية، ومصر لا يمكن أن تشارك في هذه الجريمة، وسيناء خط أحمر بالنسبة لأي شخص؛ لأنه تم تحريرها بدماء الجيش المصري العظيم، ولا يمكن التفريط في شبر واحد منها على الإطلاق.
وفي هذا الصدد، كشف وزير الخارجية المصرية سامح شكري، أمس الجمعة، عن سببين قد يعرضان أمن مصر للخطر.
وأوضح سامح شكري قائلا: "هناك تداعيات سياسية لنزوح الفلسطينيين إلى مصر، والأمر لا يتعلق بعدد سكان غزة فمصر تستقبل 9 ملايين لاجئ".
جاء ذلك خلال حوار مع مركز الفكر "وودرو ويلسون الدولي" (The Wilson Center) حول تداعيات الأزمة في غزة على السلم والأمن الإقليمي والدولي، وضرورة وجود تحرك دولي جاد لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.
وأضاف شكري: "لو استمر وقف العمليات العسكرية في غزة لكانت هناك محادثات إضافية لتخطي الاختلافات بشأن طبيعة من سيتم الإفراج عنهم، ومصر في نقاش مستمر مع إسرائيل".
الموقف المصري من الأزمة
ورأى شكري أن "أمن مصر معرض للخطر بسبب النزوح وزيادة الأعمال الإرهابية في المنطقة والمرتبطة بدوامة الانتقام والعنف"، مؤكدا أهمية حل النزاع لتفادي استغلال القضية الفلسطينية من جانب منظمات إرهابية.
وسبق، وكشف رئيس مجلس الوزراء، خلال كلمته بالجلسة الخاصة التي عقدها مجلس النواب منذ أسبوعين، عن الإجراءات التي اتخذتها مصر، وكان من بينها التنسيق الكامل مع الدول العربية وخاصة المملكة الأردنية، لتحويل الموقف المصري الرافض للتهجير القسري إلى موقف عربي موحد، وهو ما انعكس في بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب في دورته غير العادية بالقاهرة في 11 أكتوبر 2023، ثم في البيان المهم للقمة العربية الإسلامية والتي عقدت في المملكة العربية السعودية بالرياض في 11 نوفمبر الماضي.
وقال مدبولي، إن مصر تعمل على بناء رأي عام دولي رافض للتهجير القسري، ونجحت بشكل كبير في هذا الشأن، فقد بات الموقف الأمريكي والأوروبي واضحا ويؤكد رفض تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها مصر أيضا، هي العمل على توفير تدفق آمن ومستدام للمساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، كما أن مصر عملت على تدفق الوقود لضمان عمل الخدمات الحيوية في قطاع غزة.
وأكد أن هناك جهودا مستمرة للتوصل لهدنة إنسانية تقود لوقف إطلاق النار بشكل دائم ما يمهد الطريق لفتح أفق سياسي وبدء عملية سلام على أساس المرجعيات الدولية والمبادرة العربية للسلام، ومبدأ حل الدولتين تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مشيراً إلى نجاح الجهود المصرية في إدخال تغييرات مهمة على الموقف الدولي بهذا الشأن.
وشدد مدبولي، على أن تراب سيناء عزيز على كل المصريين، ومصر تبذل جهودا غير مسبوقة لتحقيق التنمية الشاملة في شبه جزيرة سيناء، وذلك نابع من الإيمان بأن التنمية الشاملة هي المساندة لقواتنا المسلحة في الدفاع عن سيناء، وتوجد خطة لأن يكون في سيناء 8 ملايين مواطن، مشيرا إلى أن إجمالي أكثر من 600 مليار جنيه أنفقتها الدولة خلال الـ 10 سنوات الماضية لتنفيذ مشروعات بها، استأثرت شمال سيناء وحدها بنحو نصف هذا المبلغ، لتنفيذ أكثر من ألف مشروع باستثمارات قاربت 300 مليار جنيه.
حفظ الأمن القومي المصري
وفي هذا الإطار، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن مصر تصدت لمخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؛ من أجل الحفاظ على الأمن القومي المصري والحفاظ على القضية الفلسطينية.
وأضاف فهمي، في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن مصر تحرص على عدم تصفية القضية الفلسطينية؛ لأن الفلسطينيين إن خرجوا من قطاع غزة؛ ستحدث مشكلة وسيكون القطاع منزوع السلاح، والرئيس طرح فكرة إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وهذه الفكرة لاقت قبولا منذ سنوات، بالإضافة إلى حل الدولتين، والولايات المتحدة الأمريكية تؤيد حل الدولتين.
وأشار فهمي، إلى أن ثمة إشكالية وهي ضرورة تحويل الأقوال إلى أفعال، فالإدارة الأمريكية مؤيدة، حيث تراوغ ولكنها توافق على دعم السلاح الإسرائيلي ، وبالتالي، فإن مصر ترفض كل هذه المشروعات ولن تقبل بأنصاف حلول وترفض المنطقة العازلة.
أدوات عديدة كانت فى الجعبة المصرية لإجهاض المخطط الإسرائيلى، فى مقدمتها دبلوماسية الوساطة المصرية التاريخية، للتهدئة وعودة الاستقرار للقطاع وبالتالى تسلب من إسرائيل مبررات تهجير السكان، كما وضعت القاهرة الخطوط الحمراء أمام غطرسة وتبجح صريح للاحتلال الإسرائيلى فى التخطيط لتوسيع دائرة الصراع الاقليمية، ودفع مصر نحوها، من بين هذه الأدوات هى الاستحواذ واكتساب تأييد دولى عريض رافض للمخطط.
وعبر قمة القاهرة للسلام 2023، والتى استضافتها مصر فى 21 أكتوبر الماضى، بمشاركة دولية واسعة استجابة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وحظى هذا المحفل الدولى بأهمية بالغة فى توقيت شديد الحساسية، تمكنت مصر من حشد دولى كبير يرفض المخطط الإسرائيلى، على نحو ما جاء فى مخرجاته من إجماع عربى ودولى يرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وتصفية القضية الفلسطينية، بل وكشفت أهداف أمام حشد دولى كبير رغبة إسرائيلية فى تصفية القضية الفلسطينية.
الموقف العربى الاسلامى الموحد
كما نجحت مصر فى أن تضع أمام كيان الاحتلال الإسرائيلى خارطة طريق تعيد القضية للمسار السياسى، بديلا قانونيا عن مخطط التهجير، تستهدف فى إحدى مراحلها البدء العاجل فى مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لإعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التى تعيش جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولى، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية.
وجاءت القمة الإسلامية العربية المشتركة فى الرياض لتؤكد الموقف العربى الإسلامى الموحد، الرافض لسياسة تهجير الفلسطينيين من غزة، باعتبار التهجير "خط أحمر"، ونجحت فى إيجاد اصطفاف عربى إسلامى مؤيد للموقف المصرى ومتفهم للحفاظ على الأمن القومى المصرى.
وخلال أكثر من مناسبة، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسى، مرارًا على أن مصر لم ولن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، مؤكدًا أن مصر أيضا لن تتهاون فى حماية أمنها القومي.
وجاءت قرارات قمة الرياض وأكدت فى بندها الرابع عشر، إدانة تهجير حوالى مليون ونصف فلسطينى من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، باعتبار ذلك جريمة حرب وفق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949وملحقها للعام 1977، فضلا عن الرفض الكامل والمطلق والتصدى الجماعى إلى أية محاولات للنقل الجبرى الفردى أو الجماعى أو التهجير القسرى أو النفى أو الترحيل للشعب الفلسطينى، سواء داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية بما فى ذلك أيا كانت، باعتبار ذلك خط القدس، أو خارج أراضيه إلى وجهة أخرى خطا أحمر وجريمة حرب.
ليست الدولة وحدها، فقد اصطف الشعب المصرى خلف قيادته، عبر مسيرات تضامنية خرجت لتبعث برسالة استياء ورفض شديد لتهجير الشعب الفلسطينى عن أراضيه وتوسيع دائرة الحرب، ووقفت القاهرة حائط صد أمام مؤامرة التهجير ووتصفية القضية الفلسطينية، خلال العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة أكتوبر 2023.
والجدير بالذكر، أن موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية ثابت منذ اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومصر كانت تدرك مخطط الاحتلال من خلال إزاحة سكان قطاع غزة باتجاه سيناء أو توزيعهم على العالم، ثم بعد ذلك تصفية القضية الفلسطينية، لذلك تحركت سريعًا لرفض فكرة التهجير.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد في أكثر من مناسبة ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وحل الدولتين ورفض فكرة التهجير لأن معناه تصفية القضية من مضمونها حتى لا تكون الأرض بلا شعب، وهذا أمر مرفوض تمامًا.