الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حفيد طه حسين: عشنا قلقا كبيرا بسبب مقترح إزالة قبر جدي.. وعلى هيئة الكتاب إتاحة أعماله في كافة المحافظات|حوار

صدى البلد

«جنازة مهيبة لم أتوقعها» هذا هو المشهد الذي يصفه المهندس حسن الزيات، حفيد عميد الأدب العربي طه حسين، إذ يحكي عن ذكرياته مع جده ومراحل طفولته وشبابه حتى تاريخ وفاته. 

 مرّ منذ أيام قليلة الذكرى الخمسون على وفاة طه حسين؛ لذلك أردنا الحديث مع حفيده ليتحدث معنا عن مواقفه التاريخية خصوصًا خلال فترة الحرب وتعامله مع العدوان الثلاثي وعن منزله وسنوات كفاحه الأدبي من خلال هذا الحوار، الذي نكشف من خلاله جوانب متنوعة من حياة طه حسين.

حفيد طه حسين المهندس حسن الزيات

في البداية حدثنا عن ذكرياتك مع جدك طه حسين.. كيف كانت؟

كان والدي عضوًا في السلك السياسي، مما جعلنا نسافر بشكل متكرر. لكن في الفترات التي كنا متواجدين فيها داخل مصر، كنت أرى جدي كثيرًا، وأحيانًا كان يقضي إجازته في إيطاليا ونلتقي به هناك أثناء سفرنا مع والدي، عرفت جدي منذ صغري، ولكنني لم أكن أعرف الكثير عنه أو قيمته إلا بعد أن بلغت سن العاشرة من العمر، قبل ذلك، كان «جدي» كنت أتعامل معه كجد  لكنني لم أكن أعرف قيمته كمفكر.

أتذكر حين كنا نزوره، كان ذلك بالنسبة إلينا عبارة عن نزهة ممتعة، إذ كان يستقبلنا بترحيب كبير، كنا نجلس على حجره ونبحث في جيوبه عن الشوكولاتة المصنوعة على شكل عملات معدنية، وكان يروي لنا العديد من القصص والحكايات. وعندما كنا في إجازتنا داخل مصر، كنا نراه بأكبر قدر ممكن، وقضاء يوم الجمعة معه كان أمرًا معتادًا، لم يكن من الضروري أن يكون جدي متفرغًا في ذلك اليوم، فكان يجد الوقت لقضائه معنا بغض النظر عن انشغاله.

 

إذن كان حكاء أيضًا؟

 

بالتأكيد.. كان لدينا تجربة فريدة معه فقد كنا محاطين بحبه ولطفه بنسبة كبيرة، لم يكن يغضب منا أو يرفض أي طلب لنا، وكنا نشعر بأنه سعيد بوجودنا بالقرب منه، فكان يروي لنا القصص التي كان يحبها، ولكل واحد منا كان لديه مواضيعه الخاصة به، لذا فقد كان يحكي لي قصص «الشاطر حسن» والتي ترتبط بإسمي، وكان يتعامل بلطف مع زوجته، وكان هادئًا دائمًا وصوته منخفضًا عند التعامل مع أي إنسان. لكن أرى أن وجودنا كان استثنائيًا بالنسبة لجدي حيث كان يفرغ وقته لنا كما ذكرت منذ قليل رغم إدراكنا أننا كنا نعطله عن عمله دون أن ندري.

أتذكر أيضًا أن جدي كان يبدأ يومه على مكتبه ويستمع إلى الكتب ويملأ صفحاته بما يكتبه، وبعد وجبة الغداء، كان ينتقل إلى غرفته للاستماع إلى القرآن الكريم لمدة ساعة وكانت هذه اللحظات الهادئة المميزة هي ما تعكس سبب تفانيه وتفرغه لنا.

طه حسين والرئيس الراحل جمال عبد الناصر

رغم أن طه حسين درس في فرنسا لكن كان له مواقف صارمة تجاه فرنسا وحكومتها.. هل تتذكر أبرز وهل كانت زوجته تتفق معه في وجهات نظره هذه؟

 

أتذكر تهديده للحكومة الفرنسية بوقف أعمالها الثقافية في مصر إلا إذا وافقت على إنشاء مراكز ثقافية مصرية في البلدان التي كانت تحت حكم الاحتلال الفرنسي، وعندما تراجعوا ولم يقتنعوا، قرر طه حسين إعادة البعثة الأثرية إلى فرنسا وتسليم الموقع إلى علماء الآثار من  المصريين. كما كان لديه تجربة أخرى خلال العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، حيث شعر بخيبة أمل كبيرة، وقرر وقتها إعادة القلادة التي منحتها له الحكومة الفرنسية، ولم تحدث أي مشكلة بينه وبين زوجته تجاه هذه المواقف. 
 

كيف تعامل طه حسين مع فترة العدوان الثلاثي على مصر؟

 

كان العميد يتابع تطورات الحرب بشكل يومي، ودائمًا كان مهتمًا بمعرفة عدد المتعلمين في القوات المسلحة، خاصة والدي الذي كان وزيرًا للخارجية في ذلك الوقت، إذ آمن أن الجيش يكتسب قوته من خلال تعليم جنوده وكذلك مستوى تأهيلهم، فبالنسبة له كان التعليم هو العنصر الأساسي الذي يجعل الجيش قويًا، وشعاره كان "التعليم كالماء والهواء"، أي أنه ضروري مثل الماء النقي والهواء النقي.

طه حسين

كانت جنازة طه حسين مهيبة.. كيف عايشت هذا اليوم؟ 

 

كان مشهد الجنازة مهيبًا للغاية، فعندما علمت بوفاة جدي ذهبت إلى منزله وجلست برفقة جدتي حتى وقت الدفن، وعندما خرجت الجنازة من جامعة القاهرة، توقعت أن تكون الأمور رسمية وبحضور محدود، ولكني فوجئت بحضور الآلاف من الأساتذة والطلاب والناس عمومًا، لكن بكل تأكيد تأثرت جدًا برحيل جدي. 

 

تناول الإعلام والصحافة المصرية منذ فترة مقترح إزالة قبر طه حسين كيف تفاعلت الأسرة مع الأمر؟

 

عشنا جميعًا حالة قلق كبيرة عندما لاحظنا علامة "X" تظهر على قبر جدي، وقد علمنا وقتها أن هذه العلامة تعني أن المقبرة ستزال، بعد بضعة أيام. وقد لاحظنا أن كلمة «إزالة» تمت إضافتها إلى العلامة الموجودة بالفعل، وعندما سألنا حول ذلك، علمنا أن هناك خطة لإزالة المقبرة وطلبوا منا التجهيز لنقل رفات جدي، لكننا فوجئنا وقتها بتلقي اتصال من أحد المسئولين، وعندما ذهبنا لمقابلته، أخبرنا وقتها أنه لا توجد نية لإزالة المقبرة، وأن المشروع مجرد كوبري سيمر فوق المقبرة، وقد أظهر لنا الرسم الهندسي للمشروع، أنه سيتم سيتم تجديد المنطقة وتحسين واجهة المقبرة، بعد الانتهاء من المشروع ثم تجديد واجهة المقبرة ورفع كفاءة المنطقة.

طه حسين

هيئة الكتاب أطلقت مؤخرًا مشروع «استعادة طه حسين» وأصدرت 17 عنوانًا ما رأيك في المشروع؟

 

بالتأكيد هذه المشاريع ستفيد الثقافة بشكل عام لكن نحن أمام تجربة حدثت خلال معرض الكتاب في العام الماضي، إذ قامت الهيئة العامة لقصور الثقافة بإصدار 22 كتابًا. وقد طرح تساؤل في ذلك الوقت حول مدى توفرهذه الإصدارات في المحافظات، ولكن لم يتم الحصول على رد حول ما إذا كانت هناك خطة واضحة لتوزيع هذه الكتب في جميع المحافظات أم هي فقط ستتاح في معارض الكتب، وهذا السؤال هو ما يجب أن نوجهه لهيئة الكتاب. 

ومن ناحية أخرى، قامت الدار المصرية اللبنانية بإصدار تسعة مجلدات لأعمال طه حسين، ومن المقرر أن يتم استئناف نشر المزيد من أعماله في شهر يناير. بالإضافة إلى ذلك، قدمت دار الكتب فكرة بعنوان «تراث طه حسين»، حيث تم جمع مقالاته الصحفية في ستة مجلدات. فهذه الفكرة كانت قائمة منذ عشرين عامًا، ويتم حاليًا إعادة النظر فيها وفي مناسبة الذكرى الأربعين لوفاة طه حسين، تم منح حقوق النشر لمؤسسة هنداوي.

 

هل تعتقد أن طه حسين قد نال التقدير الذي يستحقه من جانب العرب والمصريين؟

 

حاز طه حسين على التقدير الذي يستحقه وأكثر من ذلك من قبل جزء كبير من المصريين والعرب، ولكنه أيضًا تعرض للكراهية والحقد من جزء آخر. وقد نال احترام المصريين بسبب جهوده في النضال من أجل حرية التعليم واستقلالية مصر وحرية المصريين، وهذا الأمر كان يرى أنه لن يتحقق إلا من خلال التعليم والثقافة. فنحن بحاجة إلى إعادة نشر أعمال طه حسين كاملةً، بما في ذلك مقالاته الصحفية، لأننا لا نملك أرشيفًا كاملًا خاصًا بطه حسين؛ لذلك يجب أن تكون هذه الأعمال متاحة لكل المصريين، بالإضافة إلى نشرها عبر الإنترنت.