بعد فترة توقف تتجاوز نصف أشهر العام، تعود الحياة إلى عصارات العسل الأسود بـ قنا مرة أخرى مع دخول فصل الشتاء، لتبدأ الآلات فى العمل من جديد، ويعود العمال إلى أعمالهم وسط عيدان القصب و ألسنة اللهب والدخان، التى رغم قسوتها إلا أنها أحن عليهم من البقاء فى بيوتهم دون عمل أو عائد مادى يعينهم على أعباء المعيشة.

النصيب الأكبر فى هذه الحرفة التى تشتهر بها محافظة قنا، تحظى بها مدينة نجع حمادى والقرى التابعة لها، والتى أصبحت ماركة مسجلة لأجود أنواع العسل الأسود التى تباع فى الأسواق، بعدما أصبح اسمها مقترناً بالعسل الأسود، للتأكيد على الجودة والتميز الذى يتميز بها العسل القادم من صعيد مصر.

العسل من أشهر المواسم بقنا

موسم "العسل الأسود" ضمن المواسم التى تشتهر بها محافظة قنا، وينتظرها الكثير من العاملين فى هذه الحرفة العتيقة، والتى ترتبط بشكل رئيس بموسم حصاد محصول القصب، والذى تستخلص منه كميات العسل الأسود، بعد مراحل وعمليات متعددة حتى بالشكل الأسود الذى يطرح به للاستهلاك النهائى.

حملة "صوتك مستقبلك".. ندوة عن "المشاركة السياسية للأيدى العاملة" بمصنع سكر قوص

محافظ قنا يتابع جاهزية المعدات وقدرتها على مجابهة الأزمات والكوارث

عصارات القصب التى تنتشر بشمال محافظة قنا، مازال الكثير منها يحتفظ بالشكل والأدوات التقليدية القديمة فى استخلاص العسل الأسود، حتى تحافظ على المذاق الخاص للوجبة الأشهر فى صعيد مصر والتى يصفها البعض بأنها وجبة الفقراء، فى حين أنها تفرض نفسها على موائد الفقراء والأغنياء على حد سواء.

صنع فى نجع حمادى

ارتباط صناعة العسل الأسود بمحافظة قنا وتحديداً نجع حمادى، يرجع لانتشار مساحات محصول قصب السكر فى هذه المناطق، واحتلال المحافظة للمركز الأول على الجمهورية فى زراعة القصب، مع توطن صناعات أخرى تعتمد عليها صناعة العسل، أبرزها الفخار الذى تشتهر به قنا أيضاً، حيث يتم استخدام الأوانى الفخارية فى تعبئة العسل.

قال عادل سعدالله" عامل"، أنتظر قدوم موسم محصول القصب من العام للعام، حيث أنها الفترة الأفضل فى فرص العمل التى يوفرها كسر القصب أو صناعة العسل الأسود، فمع بدء حصاد القصب، يزيد الطلب على العمال، وتبدأ عصارات القصب فى العمل بعد فترة توقف طويلة، ما يجعل هذه الفترة موسم خير للكثير من العاملين بنظام اليومية.

وأضاف سعدالله، أخرج من الصباح الباكر إلى عصارة العسل وأتولى نقل المحصول إلى داخل العصارة أو إدخال المستخدم منه إلى المدخنة، وينتهى عملى مع فترة الظهيرة، لأذهب إلى مكان آخر، يوفر لى عائد اضافى يعيننى على مواجهة أعباء المعيشة، ويساعدنى فى شراء الاحتياجات السنوية لأسرتى.

صناعة العسل ترجع لأيام المماليك

وقال محمد عمرى" صاحب عصارة عسل"، صناعة العسل الأسود قديمة، يرجع تاريخها لفترة المماليك، حيث ظهرت مع انتشار زراعة محصول القصب، ورغم أنها مازالت تعتمد على أدوات تقليدية فى استخلاص العسل، إلا أنها تتطور بشكل بطىء لتتماشى مع المستجدات الحديثة، فقبل انتهاء القرن الماضى كنا نعتمد بشكل كبير على المواشى فى تدوير العصارات الثقيلة، ما كان يجعل استخراج العسل يستغرق ليالى وأيام طويلة، لكن مع انتشار الماكينات التى تعتمد على الجاز والسولار، بدأنا نستبدلها بالمواشى.

وتابع عمرى، كما بدأنا نستخدم آلات لنقل كميات القصب بدلاً من الاعتماد بشكل كل على الجمال، وإن كنا نعتمد عليها لإحضار كميات قصب من بعض الزراعات البعيدة التى لا تستطيع السيارات الوصول إليها، إضافة إلى اعتمادنا على" الكباش" فى تقريب كميات القصب إلى ماكينة العصر، بدلاً من الاعتماد على العمالة.

وأضاف عمرى، صناعة العسل الأسود بمثابة حرفة توارثناها عن آبائنا و أجدادنا، لذلك نسعى للحفاظ عليها، رغم متاعبها وعدم تحقيقها العائد المطلوب منها كما كانت فى السابق، كما أننا اعتدنا عليها منذ سنوات ولا نجيد العمل إلا فيها، إضافة إلى أن الكثير من الأسر تعتمد عليها بشكل كبير.

صناعة العسل تمر بمراحل عديدة

وأشار أحمد سيد، صاحب عصارة، إلى أن صناعة العسل الأسود تمر بالعديد من المراحل حتى يصل للشكل الذى يصلح للبيع والتناول، تبدأ بإحضار محصول قصب السكر من الأراضي الزراعية القريبة، ثم عملية التشوين أو التخزين بجوار عصارة القصب، وتركه فى الحوش فترة ليجف وتسهل عملية إزالة ما به من أوراق وحشائش، بعدها تبدأ مرحلة غسيل القصب قبل إدخاله للعصر، ثم مرحلة العصر واستخلاص عصير القصب مع تصفيته وترشيحه من أى شوائب.

وأضاف سيد، بعدها يتم إدخال عصير القصب إلى قدور أو أوانى نحاسية كبيرة، مع إخضاعها لدرجات حرارة مرتفعة حتى ينضج العصير ويتحول إلى عسل، بعدها يتم تصريف العسل فى أحواض كبيرة لكى يبرد، ثم تبدأ عملية تعبئة العسل سواء فى صفائح أو أوانى فخارية " قلل قناوى"حسب رغبة التاجر و المشترى.

العسل الأسود