تصدرت مزاعم إسرائيل حول حركات المقاومة الفلسطينية، التريند على منصة X، حيث كشف، دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن "شواهد" تدل على أنّ أعضاء حركات المقاومة احتجزت بعض النزلاء بمستشفى الرنتيسي كأسرى ضمن المجموعة التي تم احتجازها بعد عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر الماضي.
وتأتى تلك المزاعم ضمن سلسلة طويلة من المزاعم والأكاذيب و الادعاءات التي تزعمها إسرائيل،
و تعد إسرائيل أشهر دول العالم في استخدام الأكاذيب والادعاءات عبر تاريخها الدموي منذ ظهورها عقب وعد بلفور، و تعتبر إسرائيل المزاعم والأكاذيب احد أدوات الحرب الهامة بالنسبة لها وتعتمد عليها بشكل كبير، حيث يأتي هذا السلاح بنتائج مثمرة لما له من تأثير نفسي على الشعوب والجيوش، ويؤدى إلى تكدير السلم العام وتهديد السلام الاجتماعي و بث الإحباط وتقليل العزيمة عند المقاومة.
[[system-code:ad:autoads]]
وعلينا أن نعترف بجهود إسرائيل وتميزها وانفرادها ب "التلاعب اللغوي"، التي تشير إلى "خلق شعار سياسي كألية مهمة يعتمد عليها السياسيون في تشكيل استراتيجياتهم، إلى جانب المؤتمرات والبيانات الصحفية والتلميحات اللغوية، وتعد هذه العملية أداة تأثيرية لغوية، لأن الخطاب السياسي يركز بشكل جوهري على إقناع الجماهير لتبني سلوكيات أو اتخاذ قرارات"، كما جاء نصا ب كتاب الشعارات السياسية دراسة تطبيقية ونظرية، وذلك ما صنعته إسرائيل فعلًا ب شعارات محددة تم الترويج لها، مثل: القدس بُنبيت على يد الملك داود، الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأرض بلا شعب وغيرها.
وخلال عدوان جيش إسرائيل على غزة حالياً اتبعوا ادعاء جديد وهو أن "حماس تتخذ المستشفيات كساتر لها"، وهذا الادعاء هو ما يمنحهم التبرير أمام المجتمع الدُّوَليّ بقصف المستشفيات وغزة عامة، والمتتبع للسياسية الإسرائيلية، سوف نجد عبر تاريخها خلق مبررات لتنفيذ العنف، وصياغته ب عبارات لغوية رنانة تهدف بشكل أساسي إلى خلق التعاطف، مثل :
- إسرائيل دولة ديموقراطية
يقول الكاتب البريطاني جورج أورويل في أحد مقولاته الشهيرة: "لقد صممت اللغة السياسية لكي تجعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق"، وهذه الجملة هي تعبير دقيق للسردية الإسرائيلية التي تستخدم لغة السياسة لكي تخلق مجموعة من الحكايات غير الحقيقية وتبنيها عالمياً.
وتستخدم إسرائيل عبارة "إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط "، لكنّ ما يدور على أرض الواقع نجدا ن إسرائيل تشبه السجن الكبير المفتوح، وذلك ما تعرض له المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه أكبر سجن على الأرض"، ففي منطقة الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل يوجد بوابات مرور وحواجز حديدية تعيق حركة السكان الفلسطينيين الأصليين في المنطقة، أما غزة فهي منطقة كانت محاصرة بالكامل على جميع المستويات من قبل إسرائيل قبل 7 أكتوبر.
سجل مركز عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، منذ 7 أكتوبر الماضي "عشرات الحالات التي اتخذت فيها الجامعات والكليات الإسرائيلية إجراءات تأديبية ضد الطلاب الفلسطينيين، مواطني إسرائيل، وأوقفتهم عن العمل، بل وطردهم في بعض الحالات، بناءً على منشورات نشرت على حساباتهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقى 56 طالبًا فلسطينيًا إخطارات بالإيقاف والفصل، وتم استدعاء 74 طالبًا لحضور جلسات تأديبية، وتم طرد 3 دون جِلسة استماع مسبقة".
كما تلقى المركز بلاغات من أكثر من 50 موظفًا في القطاع الخاص تم فصلهم أو إيقافهم عن العمل في قطاعات مختلفة، بسبب منشوراتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتم فتح 146 تحقيقًا جنائيًا منذ 7 أكتوبر، بسبب جرائم تتعلق بالتعبير عن الرأي، مما أدى إلى اعتقال 110 أشخاص وتقديم 24 لائحة اتهام.
وهذا القمع الذي تطبقه إسرائيل لا يقع فقط على الفلسطينيين الذين لم يغادروا أرضهم بعد عام 1948، بل أيضاً على الإسرائيليين المدافعين عن قضية فلسطين أو من يحاول كشف حقائق أفعالهم البربرية المتعصبة، حيث تعرض تيدي كاتز، صاحب أحد رسائل الماجستير المهمة التي وثقت مذبحة الطنطورة، لمحاكمة قضائية، وأيضاً سحبت رسالته من الجامعة وتم الضغط عليه للتوقيع على خطاب تراجع يفيد بأن المذبحة لم تحدث، وَفْقاً لـِ موقع "timesofisrael".
وفي 22 أبريل 2005 صوتت جمعية أساتذة الجامعات في المملكة المتحدة لمصلحة مقاطعة جامعة حيفا في إسرائيل، بسبب طرد الجامعة للدكتور إيلان بابي، لموقفه التاريخي لجرائم إسرائيل.
- أسماء المدن الفلسطينية عبرية في الأصل
من العبارات سائدة الترديد في الروايات الإسرائيلية، أن أسماء القرى والمدن الفلسطينية يعود إلى العبرية، ويتم تفسيره من قبل علماء اللاهوت اليهوديين على هذا الأساس.
"فلسطين عبر التاريخ ظهرت فيها حضارات وشعوب مختلفة وغزاة، وتبنت الشعوب التي عاشت في فلسطين مثل العبرانيين والفينيقيين والآراميين والعرب، إلى حد بعيد الأسماء الكنعانية، وتتكون أسماء الأماكن في فلسطين من أكثر من طبقة تاريخية، كنعانية وآرامية ويونانية ورومانية والعربية، ولا يجوز اعتبار أسماء الأماكن الواردة في العهد القديم من الكتاب المقدس عبرية لأنها واردة قبل الكتاب المقدس.
ولا يذكر أن العبرانيين أسسوا مدنا بل سكنوا ما كان موجوداً، وغالباً ما يكون تثبيت العديد من الباحثين التوراتيين لشرح أسماء الأماكن، وفقا للعبرية التوراتية، وهذا غير دقيق لأن أغلب الأماكن كانت معروفة قبل زمن الكتاب المقدس، كما تثبت المصادر المصرية.
وكان صاحب أول محاولات ربط أسماء القرى الفلسطينية بأسماء الأماكن في العهد القديم، هو إدوار روبنسون، مؤسس علم الآثار التوراتية، وفق لبحث "ذاكرة المكان والقرى الفلسطينية" المنشور في مجلة "تبين" عدد 2020.
ومن دلائل أن الأسماء غير عبرية هو حرص إسرائيل على تحويل أسماء الأماكن إلى توراتية وإعادة إطلاقها على الأسماء الأصلية أو المستوطنات، هذا الأسلوب يعد من أدوات تعزيز الأيديولوجيا الصهيونية للسيطرة على الأرض، حيث يتم تغيير الأسماء العربية إلى عبرية كي تظهر إسرائيل باعتبارها الوارث الشرعي للأرض، استناداً إلى ما ورد في بحث "Settler Colonialism, Memoricide and Indigenous Toponymic Memory"
- القدس بناها الملك داود
في عام 1996 أقامت إسرائيل احتفالية شعارها القدس: ثلاثة آلاف عام، أعلنت فيها أن القدس قد بناها الملك داود في عام 1004 ق.م، وبدلاً من عرض التاريخي الحقيقي للمدينة التي يبدأ في الأقل قبل هذا التاريخ بـ800 عام، حيث ذكر في ما يسمى بوثائق "اللعن المصرية"، ركزت هذه الاحتفالية على القصص التوراتية لكي يتفق ذلك مع الادعاءات التي تروجها دولة الاحتلال.
ومن خلال هذه الاحتفالية حاولت إسرائيل محو تاريخ حقب مختلفة من المدينة، مثل اليبوسيين وهم أهل المدينة في العهد القديم، وهم أحد البطون الكنعانية العربية وسكنوا المدينة حوالي عام 2500 ق.م، وحقبة عبدي خيبا ملك القدس من عصر العمارنة القرن الـ14 قبل الميلاد، حيث خضعت للنفوذ المصري الفرعوني بدءا من القرن 16 ق.م. وفي عهد الملك أخناتون تعرضت لغزو "الخابيرو" وهم قبائل من البدو، ولم يستطع الحاكم المصري عبدي خيبا أن ينتصر عليهم، فظلت المدينة بأيديهم، إلى أن عادت مرة أخرى للنفوذ المصري في عهد الملك سيتي الأول، وَفْقاً لـِ "One land and three narratives: Palestinian sites of memory".
- أرض بلا شعب
تعد عبارة "أرض بلا شعب" واحدة من أبرز أساليب التلاعب اللغوي في الخطابات السياسية الصهيونية التي انطلقت مع بدايات التمهيد للانتشار الصهيوني في فلسطين، التي نكتشف زورها من الخطابات وتقارير اللجان البريطانية ذاتها خلال الربع الأول من القرن العشرين، استناداً إلى ما ورد في كتاب "فلسطين في التقارير البريطانية 1919 -1947".
كان العرب يشكلون 90% من سكان فلسطين بينما اليهود نسبة 10% فقط، وفي اقتراح لهربرت صموئيل عام 1915 في مذكرة "مستقبل فلسطين"، قال إنه "يجب أن تعمل بريطانيا على ضم فلسطين بحيث يتم زرع 3 أو 4 ملايين يهودي أوروبي فيها.
وعلى لسان اللورد كرزون وزير الخارجية البريطاني آنذاك جاء التالي: "هنا بلد به 580 ألف عربيا وما بين 30 ألف يهوديا ليسوا جميعا صهاينة، لذلك نحن نشرع وضع وثيقة تمثل دستورا معلنا لدولة يهودية لا يسمح حتى للعرب المساكين فيهال إلا أن ينظروا من ثقب المفتاح"، وفي هذه التصريحات اعترافات صريحة بوجود سكان عرب وقلة أعداد اليهود.
وفي تقرير لجنة كنج كراين عام 1919، ذكر أن سكان فلسطين غير اليهود يكونون 80% من جميع السكان ويعارضون بالإجماع المخطط الصهيوني والأغلبية تعارض الهجرة اليهودية، وذكرت اللجنة في إحدى رسائلها أن فلسطين يقطنها شعب عريق يتكون من مسلمين ومسيحيين واتخذوا موقفاً موحداً ضد التوسع في هجرة اليهود.
وبعد سيطرة بريطانيا الكاملة على فلسطين، أجرى البريطانيون أول إحصاء في فلسطين بتاريخ 31 ديسمبر 1922، وبلغ عدد السكان فيه: 752.048 نسمة، منهم 589.1777 مسلم، 83.790 يهودي، 71.464 مسيحي، 7.917 من طوائف أخرى، وهذا الإحصاء يؤكد بطلان الادعاء الصهيوني أن فلسطين أرض فارغة غير مأهولة بالسكان.
وتنبع أهمية ترديد هذه العبارات اللغوية ذات المدلولات الثقافية والسياسية، من كونها أحد أدوات الخطابات السياسية المؤثرة، "لأن الخطاب اللغوي هو القادر على إحداث نوع من التأثير والتأثر، ب فرض نفسه على تفكير المتلقي والتأثير في سلوكه، ومن خلال اللغة يتم التأسيس لشرعية نظام ما أو جماعة سياسية، وهي الأداة الأهم في معظم الأنشطة السياسية مثل الدعاية والتفاوض السياسي والمناظرات، حَسَبَ كتاب "استراتيجيات الإقناع والتأثير في الخطاب السياسي".