الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد المعطي أحمد يكتب: المصريون لا يهاجرون عند الحروب أبدا!

صدى البلد

خاضت مصر أو تعرضت لأربع حروب على أرضها فى الفترة من 1956 حتى 1973 بعضها لم يستمر سوى أيام ، وإحداها استغرقت ست سنوات، وهذه الحروب تحديدا هى : العدوان الثلاثى البريطانى الفرنسى الاسرائيلى على مصر عام 1956 وهو ما عرف فى قاموس الحروب فى العالم باسم" حرب السويس"، لأنها بدأت فى أعقاب تأميم مصر لشركة قناة السويس، وحرب الأيام الستة فى 5يونيو 1967، وحرب الاستنزاف التى أعقبتها واستمرت ست سنوات من 1967 إلى 1973، وأخيرا حرب أكتوبر التى مر عليها خمسون عاما واحتفلنا بها فى الشهر الماضى.

والسؤال الذى طرأ على ذهنى ونحن نتابع أحداث غزة الآن هو: هل سمع أحدنا أو قرأ سواء من الأجيال التى عاصرت هذه الحروب، أو من الأجيال التى جاءت بعدها حتى اليوم أنه خرجت من مصر فى أى حرب من هذه الحروب الأربعة هجرات جماعية أو حتى محدودة من المصريين تاركين بلدهم فى حالة حرب باحثين عن الأمن والأمان خارجها؟!
إذا لم تكن لدينا سجلات لأحوال الهجرة خلال فترات هذه الحروب،  فلنسأل العالم:
هل توجد دولة واحدة فى هذا العالم تستطيع أن تدعى أنها استقبلت مهاجرين مصريين هاربين من الحرب، أى حرب من تلك الحروب الأربعة؟.

الإجابة بدون حاجة إلى سجلات محلية أو أجنبية هى النفى المؤكد.
هذا جزء من تكوين المصريين ينفردون به، ولا ينازعهم فيه أحد غيرهم من شعوب الأرض وأجناس العالم، لأن الله سبحانه وتعالى خلقنا كذلك.
يخرج المصريون فى أوقات السلم ، فرادى أو جماعات إلى دول عربية أو أجنبية سعيا وراء الرزق، وطلبا لفرصة عمل أفضل يستفيدون من دخلهم بها ويفيدون وطنهم بما يحولونه من هذا الدخل لعملات خارجية، لكن لا يخرج مصرى من بلده أبدا وهى فى حالة حرب ، بل ويبقى فيها لو كانت لديه قبلها نية السفر.

سيقول قائل: المقارنة ستكون غير منصفة لو قارنا بين الحروب التى خاضتها مصر أو تعرضت لها وبين حربى غزة وأوكرانيا الآن والحروب التى جرت قبل ذلك فى سوريا والعراق واليمن والسودان.

لكنى أقول إن حرب 1956 كانت عدوانا أجنبيا على مصر ،  وكان هدفها الأول إعادة احتلال مصر بالكامل، وليس مجرد استعادة قناة السويس أو ترهيب جمال عبد الناصر، وكانت سيناء ومدن القناة الثلاث هى خط الدفاع الأول عن مصر فيها، وشارك أبناؤها رجالا ونساء ، شيوخا وشبابا فى التصدى للقوات المعادية بكل ما يملكون من وسائل الدفاع وفيما يقرب من حرب الشوارع، وكانت طائرات العدو المقاتلة تصل إلى سماء القاهرة لضرب أهداف استراتيجية فيها مثل حى العباسية الذى كان يضم منطقة عسكرية ، وكانت تلك الطائرات تحاول الإفلات من طلقات المدفعية الأرضية فى هذه المنطقة.
والمعروف تاريخيا أنه لولا المقاومة المصرية من الجيش والشعب للعدوان والمعارضة الدولية الواسعة له لربما استطاع تحقيق هدفه.

وأثناء حرب 1967 دمرت إسرائيل سلاح الطيران المصرى بالكامل تقريبا،واحتلت سيناء بالكامل، ومع ذلك لم تهتز ثقة المصريين، ولم يفكر أحد منهم فى ترك بلده فى هذه الحالة والهجرة إلى الخارج.
وفى حرب الاستنزاف، وعندما وجه الاسرائيليون مدفعيتهم لقصف مدن القناة الثلاث بصفة يومية كان القرار هو الهجرة إلى الداخل وليس الخارج, وتم نقل السكان المدنيين إلى محافظات الدلتا والقاهرة الكبرى، ومنهم من أصر على البقاء فيها وتحدى ظروف الحرب.

الخلاصة أن المصرى لا يتخلى أبدا عن أرضه وبلده فى حالة الحرب ويهجرها للخارج، وحين تضطره الظروف للرحيل فى حالة الحرب، فإنه يهاجر إلى الداخل.
أكثر من ذلك كانت مصر دائما ومنذ عشرات السنين مستقبلة للمهاجرين من بلدانهم، فى البداية هربا من ملاحقة الاستعمار لهم فى سنوات كفاح بلادهم الوطنى من أجل التحرر والاستقلال، والآن هربا من الحروب التى دمرت بلادهم ولم تتوقف بعد، وأصبحنا نفخر باستضافة نحو تسعة ملايين مهاجر يعيشون بيننا كما نعيش، وينتشرون فى كل المحافظات وليس فى ملاجئ أو مخيمات خاصة.