بذلت مصر جهودا دولية كبيرة في الأسابيع الماضية، منذ بدء العدوان على قطاع غزة، تجلت فى العديد من المسارات، أولها على نطاق عالمى، عبر الدعوة إلى انعقاد قمة "القاهرة للسلام"، والتى حققت توافقا دوليا حول الثوابت الفلسطينية، بينما كان النطاق الآخر إقليميا، عبر حشد حماية للاستقرار النسبى الذى تحقق فى منطقة الشرق الأوسط، بالرفض المطلق والحاسم لدعوات التهجير التى أطلقها الاحتلال الإسرائيلى، بينما كان المسار الثالث متجسدا فى دائرة "الجوار" الفلسطينى، عبر تعزيز المواقف، والمساهمة الكبيرة فى تقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، رغم التعنت الشديد الذى أبدته السلطات الإسرائيلية فى إطار محاولتها لإحكام الحصار على غزة، وإجبار سكانها على الرحيل من مناطقهم.
الدفعة الـ 21 من المساعدات
وأرسلت مصر، الاثنين، الدفعة الـ 21 من المساعدات الفلسطينية إلى معبر العوجا التجاري بوسط سيناء، تمهيداً لإعادة إدخالها لقطاع غزة عبر معبر رفح الفلسطيني بواقع 89 شاحنة مساعدات طبية وحليب أطفال ومياه معدنية وخيام وأغذية.
واستقبلت مصر، سفينة المساعدات التركية عبر ميناء العريش البحري، والتي تحمل علي متنها 8 مستشفيات ميدانية متكاملة مجهزة بغرف العمليات ووحدات العناية المركزة، بجانب 20 سيارة إسعاف مجهزة، و15 مولد طاقة، وكميات من الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بتشغيل المستشفيات الميدانية.
وشهد معبر رفح البري، الأحد، عبور 826 شخصاً من حاملي الجنسيات المزدوجة، منهم مصريين، فضلاً عن دخول 4 جرحى فلسطينيين للجانب المصري لعلاجهم بالمستشفيات المصرية يرافقهم مرافقان اثنان فلسطينيان و9 مرضى يرافقهم 9 مرافقين فلسطينيين، وجرى توجيههم إلى مستشفى العريش العام للعلاج.
وجددت مصر تأكيدها أن معبر رفح مفتوح، ولم يتم إغلاقه فى أى مرحلة من المراحل منذ بداية الأزمة فى قطاع غزة، وأن من يعيق دخول المساعدات إلى قطاع غزة هو الجانب الإسرائيلى من خلال الإجراءات والشروط المعيقة والمبررات الواهية، بحسب ما أكده السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية في بيان صحفي.
وأعرب السفير أبو زيد عن الاستنكار الشديد لكل الادعاءات التى يتم الترويج لها بخلاف ذلك، معرباً عن رفض مصر وعدم قبولها للمزايدة على مواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية والمتضامنة بكل السبل مع الشعب الفسلطينى فى قطاع غزة.
ودعا المتحدث باسم الخارجية من يروج أو يدعى بغلق المعبر، إلى الرجوع إلى البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومسئولى الإغاثة الدولية الذين قاموا بزيارة المعبر، والتى أكدت جميعها أن الجانب المصرى قام بكل الاجراءات التى تكفل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بأسرع وقت وبشكل مستدام، وأن الإجراءات الإسرائيلية المعيقة هى السبب فى تأخر وصول المساعدات إلى مستحقيها من أبناء الشعب الفلسطينى الشقيق فى قطاع غزة.
فيما أكدت مصادر مصرية استمرار فتح منفذ رفح البري بين مصر وقطاع غزة، مشيرة لإدخال 161 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة وخروج 600 من المصريين ورعايا الدول الأجنبية من القطاع إلى مصر.
بذلت مصر جهودا على الصعيدين الدبلوماسي والإنسانى، لحقن الدماء الفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة والذى دخل شهره الثانى، حيث نجحت من خلاله خوض معارك دبلوماسية، تمكنت من خلالها فى إثناء الغرب عن مواقفه الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق، عقب انتهاكات وجرائم وحشية بحق المدنيين لاسيما النساء والأطفال، فضلا عن مسار إنساني تمكنت من خلالها رفع المعاناة عن شعب غزة، فضلا عن الدعوة الجادة بفتح تحقيق دولى فى جرائم الاحتلال لضمان حقوق الشعب الفلسطينى.
على الصعيد السياسى أسفرت المحادثات الدبلوماسية التى أجرتها مصر مع كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والجانب الفلسطينى، إلى اتفاق نجحت القاهرة فى انتزاعه بعد مشاورات مكثفة ولقاءات، من أجل حقن دماء الفلسطينيين وأهالى غزة فى خضم عدوان إسرائيلى غاشم دخل شهره الثانى، وادخال مساعدات إنسانية لرفع معاناتهم بعد انقطاع المياه والغاز والكهرباء والاتصالات ونفاذ الوقود من المستشفيات.
وتخللت الجهود الكبيرة التى بذلتها الدولة المصرية، العديد من المشاهد، ربما أبرزها تحول القاهرة إلى "قبلة" العالم، فى ظل الزيارات المتواترة للقادة والزعماء من كل حد وصوب، للتنسيق والتشاور مع مصر، سواء فيما يتعلق بالعدوان أو تداعياته، فى القلب منها عبور العالقين الأجانب ومزدوجى الجنسية من القطاع، وهو الملف الذى يمثل أولوية قصوى، بينما تقوم فيه مصر بدور بارز، ناهيك عن مناقشة مستقبل القضية برمتها فى ظل حرص مصر على عدم تصفيتها، ودحض المخططات الرامية لذلك من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلى.
المواقف المصرية البارزة، لاقت إشادة كبيرة على المستوى الدولى، وهو ما بدا فى التصريحات التى أدلى بها الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، والذى أشاد بشجاعة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وموقفه وجهوده من أجل الشعب الفلسطينى فى غزة، مؤكدا أنه وكافة أفراد الشعب الفنزويلى يقدمون له كل الدعم، من أجل نصرة العدل وإنقاذ الشعب الفلسطينى من الإبادة الجماعية.
جاءت تصريحات مادورو خلال تفقده جناح مصر فى الدورة الحالية لمعرض فنزويلا الدولى للكتاب 2023، حيث تفقد الرئيس ترافقه السيدة الأولى ووزير الثقافة الفنزويلى، المعروضات المصرية من كتب مترجمة ومستنسخات فرعونية، متذكرا زيارته إلى مصر العام الماضى، ومشيدا بكنوز الحضارة المصرية.
جهود مصر العابرة للقارات
إشادة مادورو تمثل انعكاسا لنجاعة الدبلوماسية المصرية، وقدرتها الكبيرة على التأثير، والذى بات يتجاوز الجغرافيا التقليدية، وهو ما يمثل نتيجة مباشرة للتوافق "العابر للثقافات" والذى تحقق خلال قمة "القاهرة للسلام"، والتى انعقدت فى أكتوبر الماضى.
بينما لم تكن إشادة مادورو هى الأولى من نوعها، فقد سبقه العديد من الزعماء، أبرزهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والذى ثمن التزام مصر بالجهود التى تبذلها من أجل السكان فى غزّة، موضحا أنه يجب أن نبذل جميعًا ما بوسعنا من أجل تفادى التصعيد وإعداد مبادرة السلام والأمن والتصدّى لأسباب المشكلات التى نعيشها.
فى حين أشاد رئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل، بالجهود الكبيرة التى تبذلها الدولة المصرية فى قطاع غزة، خاصة فيما يتعلق بتوصيل المساعدات لسكانه، حيث أكد على أنه تحدث إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى وأكد دعمه لمصر وما تقوم به، كما أكد دعمه للأردن أيضا ولكل دول المنطقة بشكل عام لتلبية احتياجات السكان المدنيين فى غزة.
وأضاف "يجب أن نحشد جهودنا من أجل التوصل إلى حل الدولتين، يجب أن نعمل معا حتى تكون هناك خطة سلام حقيقية فى المنطقة وهذا هو هدفنا" مشددا على وجود دولة إسرائيلية آمنة تتمتع بحقوق أمنية إلى جانب دولة فلسطينية تلبى تطلعات الشعب الفلسطينى.
الإشادات لم تقتصر فى نطاقها الجغرافى على أوروبا وأمريكا اللاتينية، وإنما امتدت إلى آسيا، حيث أشاد مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة تشانج جيون، بالجهود المصرية المبذولة لفتح ممر إنسانى إلى قطاع غزة.. مؤكدا تقدير بلاده لهذا الدور، وهو الأمر نفسه الذى ذهبت إليه وزيرة الخارجية اليابانية، حيث أكدت فى تصريحات لها أن "مصر كان لها دور عظيم الشأن لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة".
وكان الهلال الأحمر المصرى أعلنحجم المساعدات الانسانية العاجلة من التى تم إرسالها لقطاع غزة من العديد من الدول حتى يوم 10 نوفمبر الجار، موضحا أن مصر تتصدر حجم المساعدات ب 6944.29 طن من مواد غذائية وأدوية ومستلزمات طبية ومياه وخيام وغيرها من المساعدات الأخرى.
وعَلى جانب آخر يواصل مطار العريش بشمال سيناء استقبال تدفق المساعدات الدولية لقطاع غزة، حيث تهبط بالمطار يوميا طائرات تحمل مساعدات ومواد إغاثة إنسانية عاجلة يتسلمها فرع الهلال الأحمر المصرى ويعيد نقلها مشحونة على قاطرات إلى بوابة معبر رفح حيث تعبر للجانب الفلسطينى.
وجدير بالذكر أن الهلال الأحمر المصرى كان قد سلم الهلال الأحمر الفلسطيني دفعة جديدة من المساعدات الإنسانية العاجلة لعدد 81 شاحنة تحتوى على مواد غذائية ومياه ومساعدات إغاثية وأدوية ومستلزمات طبية.
ومن جانبه، قال خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات، الدكتور أحمد سيد أحمد، إن الجرائم التي تحدث في فلسطين لم تحدث في كبرى الحروب، وما يحدث في غزة جرائم حرب من الدرجة الأولى، موضحا أن مصر تبذل الجهود على مختلف المسارات في ظل تفاقم الأزمة وسياسية العقاب الجماعي.
وأضاف في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن مصر حريصة على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، في محاولة للتخفيف من المأساة التي يعيشها سكان غزة، مشيرًا إلى أن مصر أيضًا تدعم جهود التهدئة ومنع التصعيد بالتعاون مع الدول العربية، في محاولة لإفشاء السلام في المنطقة.
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن مصر وضعت خارطة طريق في قمة القاهرة أهم ملامحها التسوية السياسية في بيئة تعاونية قائمة على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أن ما تفعله إسرائيل من اندفاع سيكون له عواقب وخيمة في المنطقة.
وأشار إلى أن مصر وجهت رسالة مهمة للشرق الأوسط، بأن القضية الفلسطينية على رأس أولويات مصر والدول العربية، في ظل تصعيد غير مسبوق لم نشهده من قبل من الجانب الإسرائيلي.