لاشك أنه من الأهمية معرفة فضل سورة الفلق ، ففيها زيادة للحرص ومن ثم الاغتنام، ولأنها من سور القرآن الكريم -كلام الله تعالى - ورغم أنها سورة قصيرة من خمس آيات ، إلا أن كثرة الوصايا النبوية الشريفة والنصوص الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحرص عليها فيها دلالة على عظيم فضل سورة الفلق ، والذي لا ينبغي تفويته بأي حال من الأحوال.
فضل سورة الفلق
ورد في فضل سورة الفلق أنها سورةٌ عظيمةٌ وذلك لِما ترتّب عليها من الفضائل العديدة، ولعلّ من أبرزها حفظ العبد وتحصينه من كلّ شرٍ وحسدٍ، والاستعاذة من الشيطان وشروره أيضاً، ومن الحسد والعين والجنّ، وقد وردت في فضلها العديدُ من الأحاديث النبوية الشريفة يُذكر منها: قال النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- للصحابي عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: (يا عقبةُ أَلا أُعَلِّمُكَ سِوَرًا ما أُنْزِلَتْ في التوراةِ ولا في الزَّبُورِ ولا في الإنْجِيلِ ولا في الفرقانِ مثلهُنَّ، لا يأْتِيَنَّ عليكَ إلَّا قرأْتَهُنَّ فيها، قُلْ هُوَاللهُ أحدٌ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
ورد عن ابن عابس الجهني -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (يا ابنَ عابسٍ أَلَا أُخْبِرُكَ بأَفْضَلِ ما تَعَوَّذَ به المُتَعَوِّذُونَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هاتَيْنِ السورَتَيْنِ). ورد عن عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- أنّه قال: (خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وظُلْمَةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصليَ لنا، فأدركناه، فقال: أصليتم؟ فلم أقلْ شيئًا، فقال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين حينَ تُمسي وحينَ تُصبحُ ثلاثَ مراتٍ تُكفيك مِن كلِّ شيءٍ)، ويُراد بالمعوذتين: سورتي الفلق والناس.
ورد عن الصحابيّ الجليل أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ منَ الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزَلتِ المعوِّذتانِ فلمَّا نزلَتا أخذَ بِهِما وترَكَ ما سواهما)، فقد كان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يعلِّم الصحابة الأدعية والرُقى الحافظة لهم من الشرور والسوء بإذنه -تعالى-، ومن أعظم تلك الرُقى سورة الفلق كما ورد في الحديث الشريف.
سورة الفلق
تعد سورة الفلق من قصار السور، وعدد آياتها هو خمس آياتٍ، وقد اختلف أهل العلم في مكان نزولها، فقال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر إنّها سورة مكيّةٌ، وقال ابن عباس وقتادة إنّها مدنيةٌ، وغالب الروايات على أنَّ نزولها كان مبكّراً؛ أي أنَّه في مكّة، كما أنّ أسلوب السورة يسوِّغ ترجيح مكيّتها وتبكير نزولها.
سورة الفلق مكتوبة
قال الله تعالى في سورة الفلق : (قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5).
مقاصد سورة الفلق
احتوت سورة الفلق على مقاصد وحكمٍ جليلةٍ؛ ففيها تربيةٌ ربانيةٌ ليستعيذ المسلم بالله -تعالى- من أسباب المخاوف والهواجس، والشرور الظاهرة والباطنة، وذلك بالاعتماد على قدرة الله -عزَّ وجلَّ- ونبذ ما سواه، فهو خالق الكون ومدبّره، يقول الله -تعالى- : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ)، والفلق هو: الصُبح، فالله -تعالى- يُعلِّم عبادَه في سورة الفلق اللجوءَ إليه، والاستعانةَ به -عزَّ وجلَّ- من كلّ الشرورِ والمخاوف، وفيها أيضاً استعاذةٌ بالله -تعالى- من ظلمة الغاسق، أي: الليل، وورد في بعض التفاسير أنّ الغاسق إذا وقب هو: القمر إذا دخل في الكسوف، قال -تعالى-: (مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، وفي السورة كذلك استعاذةٌ بالله -عزَّ وجلَّ- من شر السحرة والحسدة، قال -تعالى-: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
تفسير سورة الفلق
الآية الأولى
قال الله -تعالى- في الآية الأولى من سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، والتفسير: أي قل ألتجأ وأحتمي برب الفلق، والاستعاذة بالله ضرباً ونوع من الدعاء، أمّا الرّب فهو المالك، أو السّيد الذي يأمر فيطاع، أو المُصلح، والفَلق فصل الأشياء عن بعضها، وفَطر وخَلق وفَلق كلّها بمعنى واحد. والخلق هو إيجاد الشيء من العدم، وفالق بمعنى خالق وفاطر، قال الله تعالى: ( فالِقُ الإِصباحِ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكَنًا)، فالفلَق جميع مخلوقات الله تعالى، وجميع ما انفلق عنها ونتج منها، وربّ الفلق تعادل ربّ العالمين.
الآية الثانية
ورد في الآية الثانية من السورة قال الله تعالى: (مِن شَرِّ مَا خَلَقَ)، والمُراد الاستعاذة بالله من شرّ كلّ مخلوق فيه شرّ، ويدلّ على هذا المعنى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أعوذ بك من شرِّ كلِّ دابةٍ أنت آخذٌ بناصيتِها)، وليس المقصود الاستعاذة من شرّ كلّ مخلوقات الله تعالى، بل من شرّ كلّ مخلوق فيه شرّ. وبهذا المعنى تشمل الآية الاستعاذة من شرّ ظلمة الليل، وشرّ حسد الحاسدين المذكورين في الآيات التي تلي هذه الآية، ولكنّ الله أراد أن يخصّ هذين النوعين من الشرور بالذكر؛ لخفائهما، فهما يأتيان الإنسان بغتة دون أن يعلم، فعَطفُ الخاص على العام يفيد مزيد الاعتناء بالخاص المذكور.
الآية الثالثة
ورد في الآية الثالثة قال الله تعالى: (وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، والغسق هو ظلمة الليل، ومنه قوله: (أقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)، و قوله: وقب؛ بمعنى دخل. وقد أشار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- مرّةً إلى القمر، ومعه السيدة عائشة فقال لها: (استعيذي باللهِ من شرِّ هذا فإنَّ هذا هو الغاسقُ إذا وقبَ)، وذلك أنّ ظهور القمر دليل على دخول الليل، وذكر الغاسق نكرة في الآية للتبعيض، فهو ليس شرّاً في كلّ أوقاته بل بعضها، وإلّا فإنّ الأصل في الليل وفي القمر أنّهما نعمة ينعمها الله -عزّ وجلّ- على عباده.
الآية الرابعة
وجاء في الآية الرابعة من السورة قال الله تعالى: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، يكون النّفث أكثر من النفخ، وأقلّ من التّفل، فالتفلُ يكون مع شيءٍ من الريق، أمّا النفث فلا يكون بريق، وقد يكون أحياناً بشيء قليل من الريق فيكون بذلك مختلفاً عن النفخ، ويكون النفث من الأنفس الخيّرة، وكذلك من الأنفس الشريرة. ومثال الأنفس الخيّرة ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها: (أنّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان إذا اشتكى نَفَثَ على نَفْسِهِ بالمُعَوِّذاتِ، ومسحَ عنهُ بيَدِهِ)، ومثال النفث من الأنفس الخبيثة أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يتعوذ من شرّ الشيطان، من همزه، ونفخه ونفثه، والخلاصة في الآية الكريمة أنّ النفاثات الواردة فيها يُراد بها نفث الأرواح الخبيثة من الجنّ والإنس وليس فقط نفث الساحرات.
الآية الخامسة
ورد في الآية الخامسة والأخيرة قال الله تعالى: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، والمقصود بالحسد؛ تمنّي زوال النعمة عن الآخرين، وهو طبع في الإنسان لأنّه يحبّ أن يترفّع عن جنسه، وهو حرام، وقد يُراد به الغِبطة؛ وهي تمنّي النعمة دون زوالها عن الآخرين. والغبطة حُكمها في أمور الدنيا الإباحة، وفي أمور العبادات والطاعات مستحبّة، وفيها قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا حسد إلا في اثنتيْنِ: رجلٌ آتاه اللهُ مالاً، فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحقِّ، وآخرُ آتاه اللهُ حكمةً، فهو يَقضي بها ويُعلِّمُها).
وردت كلمة حاسد في الآية الكريمة نكرة؛ لأنّ ليس كلّ حاسد يكون ضارّاً، فإذا لم يظهر حسده ويعمل بمقتضاه، لم يكن حسده ذلك ضاراً للإنسان، بل ينحصر حينها أثر حسده على نفسه بما يصيبه من الهمّ لعدم تمكّنه وتملّكه للنعمة التي يحسد الآخرين عليها، والضرر يكون فقد إذا أظهر حسده وعمل به، ومِن أخفى ذلك الحسد العين، فقد يكون للحاسد تأثير كبير يصيب من خلاله الآخرين بالعين، ففي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (العينُ حقٌّ).
سبب نزول سورة الفلق
قيل في سبب نزول سورة الفلق إن لُبيد بن الأعصم سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فنزلت هذه السورة؛ ليتعوذ الرسول بالله -تعالى- من شر ذلك السحر، وقيل أيضًا إن قريشاّ قد ندبوا واختاروا من بينهم من كان مشهورًا بإصابته النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بعينه، فأنزل الله -تعالى- المعوذتين ليتعوذ الرسول بهما من شر ذلك.
سبب تسمية سورة الفلق
ورد عن سبب تسمية سورة الفلق بهذا الاسم أنها سميت سورة الفلق بهذا الاسم لابتدائها بقول الله - سبحانه وتعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ»، ويُقصد بالفلق الصبح؛ وذلك لأن الليل يتفلق عنه، وتناولت سورة الفلق في ثناياها الالتجاء إلى الله - سبحانه وتعالى-، والتحصن بقدرته من شر المخلوقات، ومن شر الظلام إذا انتشر، ومن شر النساء الساحرات، ومن شر أهل الفتن، ومن شر أهل الغيبة والنميمة، ومن شر الحسود.
قصة سورة الفلق
ورد أنّ سورة الفلق نزلت بعد أن سُحِر النبيّ، ويستفاد من سورة الفلق لجوء المسلم إلى الله -تعالى- والاستعاذة به من كلِّ شيٍ من شأنه أن يضرَّ بالإنسان، بالإضافة إلى الابتعاد قدر الإمكان عمَّا يمكن أن يكون سببًا لاكتساب صفة الحسد، أو النميمة، لئلّا يدخل الإنسان ضمن فئة الناس المستعاذ منهم.
مكان نزول سورة الفلق
تعدّدت الآراء في مكان ووقت نزول سورة الفلق، فقيل إنَّها سورةٌ مدنيَّةٌ نزلت في المدينة المنوَّرة بعد هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا القول على حسب رأي ابن كثير، وفي قولٍ عن الحسن بأنَّها سورةٌ مكيَّةٌ، وقيل: الأظهر أنَّها سورةٌ مدنيَّةٌ، وذلك نظرًا لسبب النزول.