لا أحب المبالغة في الحرب الوحشية الدائرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، فما يتردد أن بإمكان جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يقضي تمامًا على حركة حماس، هذا مبالغ فيه وأوهام يرددها رئيس الوزراء الإسرائيلي المهزوم، نتنياهو. فحماس حركة مقاومة فلسطينية، وسواء اتفقت أو اختلفت معها، فإذا اختفى المدفع أو القنبلة، فإن الفلسطينيون بإمكانهم أن يقاوموا الاحتلال الاسرائيلي بالعودة للحجارة ويهزمونه. وكلنا يتذكر انتفاضة أطفال الحجارة، التي أخرجت إسرائيل سابقًا من قطاع غزة في أوائل التسعينيات.
والكلام من الناحية الثانية أن قطاع غزة، سيكون مقبرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فهذا أيضا مبالغ فيه ولايمكن تصديقه، وإن كانت حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية سيلقنونه درسًا قاسيا وسينزف عدد من جنوده وضباطه وبالعشرات، إذن السؤال من سينتصر في النهاية؟!
الإجابة للأسف أن من سيدفع الفاتورة الأفدح للحرب الراهنة، هو الشعب الفلسطيني المسكين الذي كتبت عليه أبشع هجرة تحت الرصاص والقصف والدمار والإبادة الجماعية من شمال قطاع غزة إلى جنوبه. ودفع من حياته حتى الآن أكثر من 11 ألف شهيد، وتدمير كامل وحشي ممنهج لربع المنازل، في قطاع غزة بما يفوق الـ100 ألف منزل ودفع أكثر من 30 ألف مصاب حتى اللحظة.
حركة حماس، ستجد في ظهرها إيران وحزب الله ومن يقوم بتمويلها والإنفاق على عناصرها من القوى الداعمة وهى لا تنكر ذلك.
ومن جهة ثانية، فإسرائيل تجد الغرب كلها بجانبها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والحلف الصليبي المعلن لدعمها وبشكل سافر، أما الفلسطينيون فلن يجدوا أحدا.
المهم الآن لكل ذي عينين، أن طرد وتهجير أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، ينطوي على خسائر فادحة وحسابات شديدة التعقيد يمكن تلخيصها في الآتي:-
-حركة حماس فقدت السيطرة على شمال القطاع، وفق إعلان جيش الاحتلال أو تفقد السيطرة عليه، وعملياتها أو خطوط تمركزها ستكون بمنطقة الوسط. وهذا طبيعي، حال حدث ذلك. ولكن إذا تحركت حماس للجنوب وبدأت في إطلاق الصواريخ من جنوب قطاع غزة، وواصلت مقاومتها من هناك، بعد نزوح عشرات الآلاف اليه، وبعد ساعات الهدنة المحددة للنزوح يوميا، فهنا ستتفجر كارثة أكبر وأفدح وأبشع، وهذا هو الفخ الذي نصبه جيش الاحتلال وحكومة نتنياهو المتطرفة المهزومة، فساعتها سيقوم جيش الاحتلال بالرد بعنف ووحشية على مصدر إطلاق الصواريخ والمقاومة الموجودة في جنوب القطاع والسؤال؟ أين سيتجه ملايين الفلسطينيون بعدها؟ الذين تمركزوا جميعهم في الجنوب؟؟!
- حشر أكثر من 2 مليون فلسطيني في الجنوب وإجبارهم على ذلك، والجميع يرى بعينيه جريمة غير مسبوقة، والولايات المتحدة وإدارة بايدن المتواطئة مسؤولة عنها، وهذا ضغط على حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين صحيا وإنسانيا وعلى كافة المستويات، فهل سيكون هنا في الجنوب بمثل هذه الأعداد تعليم أو صحة أو عمل؟!!
-نزوح آلاف الفلسطينيين من شمال القطاع لجنوبه سيتيج لجيش الاحتلال الاسرائيلي، حرية مطلقة في تسوية ألاف مؤلفة من منازل الفلسطينيين ومرافقهم والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس بالأرض وسينفذ عميلة إجرامية وحقد أسود، بدعوى البحث عن عناصر حماس، ووزير الدفاع يوآف جالانت قال هذا بوضوح: نريد أن يتحرك المدنيون إلى جنوب غزة حتي يعمل الجيش بحرية؟!!
-هجرة الآلاف من شمال قطاع غزة لجنوبه سيجعل الشمال، "صحراء خالية" بعد تسويتها بالأرض من قبل عصابة تحكم تل أبيب، أما مسآلة عودة الفلسطينيين من جنوب القطاع لشماله مرة أخرى، بعد انتهاء الحرب، فهذه كذبة إسرائلية والجميع يعلمون ذلك، ولايمكن أن يفرط الاحتلال ثانية في شمال القطاع، الذي سيتح له منطقة عازلة آمنة مع قطاع غزة، وبعد عن غلاف المستوطنات، ثم ان ذلك سيكون مرتبطا دوما بمقولة إسرائيلية ونغمة تتردد كثيرا، وهو الاطمئان تمامًا إلى القضاء على حركة حماس، بمعنى عندما نقضي عليهم نهائيا يمكنكم أن تعودوا لمنازلكم!!
-الحسابات السياسية والسيناريوهات مخيفة للغاية، ولابد من وقف إطلاق النار عند هذه المرحلة والتوصل لاتفاق سياسي، بخصوص الأسرى على الجانبين بما يُحجم خطط نتنياهو المشبوهة والإجرامية في قطاع غزة.