إذا كنت تتجول في مدينة قديمة معروفة بتاريخها العريق، فستجد معظم الزوار وهم يمدون هواتفهم وكاميراتهم لالتقاط الصور.وحتى سكان المدينة نفسها يوثقون ذكرياتهم بالتقاط الصور،وهم يعتقدون أنه يمكنهم تثبيت هذه اللحظات في الزمان والمكان، لكنهم غالبًا ما يغفلون عن أن ما تلتقطه الكاميرا قد يتلاشى مع الزمن، فالحروب والنزاعات، والتي تمثل جانبًا من جوانب البشرية، تأتي أحيانًا لتفرق الناس وتهدم منازلهم، فالصور التي التقطوها في الأماكن الجميلة قد تصبح ذكريات مؤلمة لأوقات مضت. فإذا كانت الصور تجمد اللحظات، فإن الحروب تذيب الأماكن . وإذا كانت الصور تحكي قصصًا، فإن الحروب تقطع الصفحات!
الحروب تخلف دمارًا هائلًا في أي منطقة تحل بها، وفي مثل هذه الحالات، يصبح التاريخ والذاكرة هما المعنيان الأساسيان. قد تصبح الصور شاهدًا مؤلمًا على ماض مزدهر ومجتمع نابض بالحياة قبل الحرب. ولكن، كيف تقدم لمنزل فقد سكانه في الحرب جائزة "أفضل منزل مصور"؟ هل تضع صورة للمبنى مع التعليق: هنا كان منزلاً جميلاً قبل الحرب، لكنه الآن في وضع غير جيد'؟ .
إن الأحداث الكارثية لها طريقة مضحكة تجعلك تقدر قاعدة بيانات صور هاتفك!
إنها مأساة حقيقية، ولكن السخرية الصغيرة هي أننا تمركزنا كثيرًا حول الصور ونسينا أن الواقع هو ما يحدث خارج إطار الكاميرا. وإذا كان هناك شيء يمكن أن يثير المشاعر ويبكي القراء، فإنه حقيقة أن الحياة الحقيقية أهم من أي لقطة مثالية.
ومن المؤلم للغاية أن تشهد معاناة الضحايا وتكون عاجزًا عن تقديم المساعدة. فالكوارث والنزاعات تؤثر على حياة الناس، فتصبح المعاناة والألم جزءًا لا يتجزأ من الواقع اليومي، فعندما تسقط القنابل، يسقط معها حلم كل أسرة. وهنا تتعاظم الأوجاع وتتكاثر القصص التي تروى عن دمار وخسائر، لكن في هذا الوقت الصعب، يصعب أن ننسى اللحظات التي تنسجم مع قلق الرحيل وأمل العودة.
الرحيل يأتي بموجة من القلق والترقب،الناس يتركون منازلهم وأماكن عائلاتهم، يغادرون رغماً عنهم بحثًا عن مكان آمن، ولكن رغم هذا القلق، يبقى هناك أملاً قوياً يشع في أعماق النفوس. أمل بالعودة إلى ديارهم وإلى الحياة الطبيعية. هذا الأمل هو ما يجعلهم يتحملون، إنه القوة التي تدفعهم للصمود، حتى وسط أصعب الظروف. فيتجلى الصمود كقوة لا يمكن تجاهلها، إنه الإرادة التي تظهر عندما يواجه الناس الصعاب والمحن. إن الصمود ليس مجرد مفهوم، بل هو نمط حياة. فالحروب قد تدمر المنازل، لكنها لن تدمر الإرادة .
لقد عاشت إحدى مدن وطني أياما تشبه ما يعيشه أخواننا في فلسطين ، فقد تعرضت مدينة بورسعيد الباسلة لهجوم إسرائيلي أثناء الحرب، وتعرضت للقصف والدمار. فالأحياء والمباني التاريخية في المدينة تضررت بشدة، والسكان تعرضوا للنزوح والخسائر البشرية والمادية. لقد كانت هذه الفترة من أصعب الأوقات في تاريخ بورسعيد. لكن على الرغم من هذا الدمار والمعاناة، فقد تميزسكان بورسعيد بروحهم القوية وإصرارهم على إعادة بناء مدينتهم. وبالفعل تم تجديد البنية التحتية وإعادة بناء الأماكن المتضررة بشكل تدريجي. فلقد أثر هذا الحدث بشكل كبير على الوحدة الوطنية وروح الصمود في مصر، وأصبحت بورسعيد رمزًا للإصرار والتحدي، وهي اليوم تعد واحدة من أجمل المدن الساحلية في مصر. إنها تحمل في طياتها ذكريات عظيمة وتاريخًا غنيًا، وتظل مدينة بورسعيد شاهدًا على قوة الإرادة البشرية في مواجهة التحديات والأزمات.
وكما حدث في بورسعيد ، سيأتي النصر قريباً بإذن الله ،وتنعم غزة باستعادة رونقها وجمالها بصمود شعبها وتلاحمهم ، وإذا كانت الحروب تدمر البيوت، إلا أنها لن تستطيع أبدًا تدمير روح الصمود والإيمان.
في النهاية، تظل الحروب تجربة مريرة تترك أثرًا مؤلماً على حياة البشر، لكنها تعلمنا أن قلق الرحيل لن يحجب أمل العودة، إنها تذكرنا بأهمية الإيمان والقدرة على تحمل الصعاب، ومن خلال تذكرنا لقصص الناجين علينا أن نفهم أن الأمل قوي وأن العودة ممكنة، وأن النصر قريب حتى في وجه التحديات الكبيرة.