كاتب من طراز فريد، وصاحب رؤية تحليلية جعلته أحد أهم الكتاب والصحفيين العرب، وصحفي عاصر جميع الأحداث التي شهدتها المنطقة على مدار 6 عقود مضت، وشاهد عيان على كثير منها، حمل هموم قضايا الأمة وعبر بكتابته عن آلامها وانتصاراتها.. إنه الكاتب الصحفي الكبير خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية ورئيس هيئة الصحفيين السعوديين ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية، أو كما يطلق عليه تلاميذه –وهم كثر- لقب الأستاذ وشيخ الصحفيين، ورئيس تحرير رؤوساء التحرير.
[[system-code:ad:autoads]]
مسيرة صحفية امتدت لعقود بدأها محررا ثم رئيسا لتحرير صحيفة الجزيرة السعودية والتي يتولى رئاسة تحريرها منذ عام 1972 حتى اليوم، لأكثر من 60 عاما في عالم الصحافة وتخرج من على يديه من يقودون مسيرة العمل الصحفي والإعلامي العربي، وصدر له نحو 17 كتابا بعضها عن الإعلام والبعض الأخر عن المشهد السياسي في المنطقة العربية، حتى صححت كتاباته سياسات وعدلت مواقف، واعتبرت مقالاته مرجعا للكثيرين.. عن تلك الرحلة وتطورات الأوضاع في المنطقة، وما تشهده الأراضي الفلسطينية من عدوان إسرائيلي غاشم، والدعم الأمريكي الغربي لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وعن مستقبل الصحافة في المنطقة العربية، كان لـ صدى البلد هذا الحوار مع الكاتب الصحفي الكبير خالد بن حمد المالك:
كيف ترى حال الصحافة والإعلام العربي في ظل الأزمات والتغيرات التي يشهدها العالم؟
الصحافة العربية تحتاج إلى العديد من الجهود لتصل إلى مستوى المنافسة المطلوبة في مقدمتها البعد عن الموضوعات التي ليس بها عمق معلوماتي، وتحتاج لغة راقية في كتابة المحتوى بدلا من الكتابة بأساليب لا تنسجم مع اللغة العربية الصحيحة، وكذلك تحتاج إلى مهنيين وصحفيين قادرين لتقديم الكتابات الصحفية المميزة، وهو دور كبير يقع على عاتق كليات الإعلام في دولنا العربية، وتوفير دورات تدريبية للصحفيين التى تجعل من الجيل الجديد صحفيين قادرين على المنافسة.
وبالنسبة للصحافة هناك تغير طرأ على الصحافة وهو تغير في الأدوات بمعنى التحول من صحافة ورقية تقليدية إلى الإعلام الجديد والصحافة الرقمية، إلا أن التحول إلى الإعلام الرقمي لازال مجرد تحول شكلي لأنه لا تزال الصحافة الجديدة نسخة من الصحافة الرقمية، فقط استحدث فيها الجانب التقني، لكن هل يؤثر ذلك على مستقبل الصحافة الورقية، فهنا نقطة الخلاف فهناك من يرى أنه لا غنى عن الصحافة الورقية وهم قدامي المتابعين والمتأثرين بالصحافة الورقية، وهناك جيل جديد يولي اهتمامه الكبير بالصحافة الرقمية لكنه لا يقرأ كثيرا ويعتمد على الانتقاء فقط.
كيف ترى ما يجري في غزة والأراضي الفلسطينية وتداعياته على المنطقة بأكملها؟
ما يجري في غزة هو امتداد لما يجري في الأراضي الفلسطينية بأكملها والعالم العربي أجمع من عدم استقرار وتهديد أمنى لكثير من دولة وخلافات وصراعات فيما بين دوله، كل هذا مكن الأجنبي وخاصة إسرائيل تحديدا مدعومة من أمريكا والغرب أن تفعل ما تفعله في الأراضي الفلسطينية، وهو يهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها ولن تقتصر تداعياته على فلسطين وإسرائيل، ولن يفرط الشعب الفلسطيني في أرضه لأنه لن يرضى بحدوث نكبة جديدة.
ما دور الإعلام العربي في هذه الفترة وكيف يدعم القضية القضية الفلسطينية؟
الإعلام العربي محدود الإمكانيات في الوصول إلى الطرف الأخر، كما أن الإعلام الغربي يغيب المعلومة التي تخدم القضايا العربية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في حين أن العالم العربي بكل وسائله يقدم المواد المتوازنة بين ما يخص إسرائيل وما يخص العرب، كذلك الإعلام العربي لديه مشكلة وهو أنه بأكمله باللغة العربية وبالتالي فنحن نخاطب أنفسنا ولا نخاطب العدو ومن يناصره، ولا نتحدث عن مستقبلنا وقضايانا بصورة تدفع الأخر ليصدقنا، وكذلك فإن إعلامنا يتلقى أحيانا معلومات غير دقيقة أو مضللة وينشرها كما هي خاصة وأن جميع وكالات الأنباء الكبرى يمتلكها الغرب وعالمنا العربي لا يمتلك وكالات أنباء تستطيع الوصول إليه، ونحن ننشر نقلا عنهم بدون التأكد من صحة هذه المعلومات.
كذلك الإعلام العربي لديه مشكلة وهي عدم وجود تنسيق بين وسائل الإعلام العربية، فهو ضعيف في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، وهو ما يجعلنا نؤكد أن الإعلام العربي يمر بظرف دقيق ويحتاج إلى الدعم نتيجة المداخيل التي انخفضت بشكل حاد، ومالم يتم تقديم هذا الدعم لوسائل الإعلام العربية سيتراجع الإعلام أكثر مما هو عليه، لذا يجب على وزراء الإعلام العرب بإعتبارهم من يمثلون دولهم في ملف الإعلام التحرك والتنسيق وقرأة المشهد بصورة صحيحة تمكنهم من التحرك وإلا وجدنا أنفسنا بلا إعلام وبلا صحافة.
كيف ترى الازدواجية الغربية في التعامل مع المنطقة العربية خاصة في القضية الفلسطينية؟
الغرب موقفه دائما منحاز وظالم وغير عادل، لكن هذه الحرب التي تخوضها إسرائيل على غزة كشفت هذا الانحياز بصورة مكشوفة، وكان ذلك واضحا في زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس أكبر دولة في العالم إلى إسرائيل في اليوم الثاني للمعركة يعاضدهم ويساندهم ويحرك حاملات الطائرات لتكون بجانبهم ويفتح جسر جوي لدعم إسرائيل، أمام منظمة صغيرة ليس لديها إمكانيات، وكذلك يكذب العدد من الضحايا الفلسطينيين في محاولة لعدم تشويه صورة إسرائيل ويشكك في الأرقام، كذلك محاولة الرئيس الأمريكي لنفي الجريمة النكراء التي ارتكبتها إسرائيل في قصف مستشفى الأهلي المعمداني، ويتهم حماس هى من ارتكبت تلك الجريمة وهو مالا يصدقه عقل أو منطق.
الرئيس بايدن أصر على استمرار القتال وعدم توقفه في غزة، ولا يتحدث عن أي موقف غير انساني من إسرائيل في حين يتحدث ويكأنه متحدث رسمي بإسم إسرائيل، فهى صورة مكشوفة فيها من الوقاحة والتعامل غير المتوازن ما لا يطاق، وإلا ما معنى أن يسقط من الشعب الفلسطيني كل هذه الأعداد من الضحايا والمصابين ولا يحرك ذلك ساكنا لدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلا بمزيد من الدعم للإسرائليين، ولا يزال العدوان الغاشم يحصد الأرواح وسط تأييد من الغرب لكل تلك الانتهاكات ولا ينظرون إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني
هل تصاعد الأحداث في الأراضي الفلسطينية من الممكن أن يحرك المجتمع الدولي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني؟
المشكلة أن المجتمع الدولي مقيد، وتعرقل أمريكا موافقة مجلس الأمن على أي مشروع قرار لا يدعم إسرائيل من خلال حق الفيتو، وهو ما استخدمته أمريكا لعرقلة مشروع القرار الروسي لوقف القتال في الأراضي الفلسطينية، وكذلك عرقلت أمريكا مشروع القرار البرازيلي لإدخال المساعدات الإنسانية، في حين تقدمت أمريكا بمشروع قرار لإدانة ما فعلته حماس فقط لكن رفضته كلا من روسيا والصين.
وسط الانحياز الغربي الأمريكي الواضح لإسرائيل.. من يمكنه الضغط على دولة الاحتلال لوقف هذا العدوان على الشعب الفلسطيني؟
إسرائيل تتعامل بتبجح مستندة على الدعم الغربي والأمريكي، والمعلن صراحة من قيادة تلك الدول، وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني خلال زيارتهم لإسرائيل لمساندتها وتأييد عدوانها على غزة، كذلك لم يقبل وزير الخارجية الإسرائيلي كلمة الحق التي قالها الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع الصعب في الأراضي الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وأطلقت عليه إسرائيل وابلا من الانتقادات والاتهامات وطالبته بالاستقالة والتخلي عن منصبه، من يفعل هذا غير إسرائيل ومن يتبجح غير إسرائيل ومن يخرج عن التقاليد الدبلوماسية سواها، فهي عبارة عن مجموعة احتلت أرض وأرادت أوروبا التخلص منهم فدعمتهم لاحتلال هذه الأرض وبعد عام 1967 أرادوا أن يلتهموا باقي تلك الأرض.
هل هناك أمل لإحياء المبادرة العربية للسلام التي قدمتها المملكة العربية السعودية؟
المبادرة العربية للسلام قدمتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، وتقوم على دولتين: إسرائيل على الأراضي التي احتلها قبل حدود 1967، ودولة فلسطين على حدود 1967 ووافق عليها القادة العرب ووافق عليها الفلسطينيون مقابل أن تعيش إسرائيل بسلام وتقيم علاقات مع الدول العربية لكن إسرائيل رفضت تلك المبادرة، كما أن المملكة في علاقاتها مع إسرائيل تعمل وفق رؤية واضحة أعلنها الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة، وهي حماية متطلبات الفلسطينيين والعمل لإقامة دولة وعاصمتها القدس الشريف، في محاولة لحل هذا الصراع الدامي.
التاريخ بأكمله يتحدث عن أن تلك هى أراضي فلسطين وما كان يوجد دولة إسمها إسرائيل، فهي ولدت عام 1948، فالمبادرة الحالية أن يعيشوا على الأرض التي احتلوها قبل عام 1967 بسلام مقابل أن يقيم الشعب الفلسطيني دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس، والكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأكبر لإسرائيل .
لماذا الانحياز الأمريكي الكبير لإسرائيل رغم أنه كان يعول عليها أن الراعي لعملية السلام؟
أمريكا بها ما يعرف باسم اللوبي الصهيوني وهو مسيطر قوي على المال والإعلام والاقتصاد، وله تأثيره القوي في الانتخابات الأمريكية التي تجرى بالنسبة للرئيس ومجلس الشيوخ، فهؤلاء يحتاجون إلى دعم اللوبي الصهيوني في انتخاباتهم لذلك من الممكن أن نشاهد تغييرا في الوجوه وليس تغيرا في التوجهات، وهي الورقة التي تلعب عليها إسرائيل في أمريكا، حتى أصبحت إسرائيل بمثابة ولاية أمريكية إضافية في المنطقة العربية.
الدول الغربية دائما ما تتدخل في شؤون الدول العربية بحجة حقوق الإنسان إلا أنهم يقمعون المظاهرات المنددة بدعم دولهم للعدوان.. كيف تنظر إلى هذه الازدواجية الغربية؟
أمريكا والغرب يتعاملون بمعايير مزدوجة، ويمارسون ضغوطا بحجة حقوق الإنسان إلا أننا نشاهد فيهما مثالا صارخا لانتهاك حقوق الإنسان في قمع الاحتجاجات المنددة بدعم حكوماتهم للاحتلال الإسرائيلي، ويفصلون أي شخص يكتب أو يرسم ضد اليهود أو ضد الحكومة الإسرائيلية، في حين أنهم يسمحون أن يهاجم الرسول وترسم صور مسيئة، ويسمحون أن تشوه صورة العالم العربي، فهذا هو الإعلام المسيس والمنحاز، وأمريكا ودول الغرب تحاول أن تبتز الأنظمة وتؤثر عليها من خلال ورقة حقوق الإنسان لتمرير مخططاتها من شرق أوسط جديد وتجزئة العالم العربي.