تسعى إسرائيل منذ تجدد الصراع داخل قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي،للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس وترسانتها الحربية، حيث وسعت تل أبيب من عملياتها العسكرية ضد الحركة، فيما قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إن بلاده ستطبق "الدروس المستفادة" على مقاتلي حزب الله لاحقا.
سيناريو بيروت 82
وترى إسرائيل أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس تمثل تهديدا حقيقا للإسرائيليين، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تفرض حصاراً على القطاع الذي منعت عنه المياه والكهرباء والطاقة وفي بعض الأوقات الاتصالات والإنترنت.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري، الخميس، "إكمال حصار مدينة غزة"، وأن "وقف إطلاق النار ليس مطروحا الآن".
وقال هاغاري، في مؤتمر صحفي أذاعته هيئة البث الإسرائيلية، أن "القوات تهاجم المواقع التي تستخدمها قيادة حماس، وحيثما تكون هناك معركة، حتى لو كانت صعبة، فإن الجيش الإسرائيلي ستكون له اليد العليا".
ويرى مراقبون أن إنهاء الحصار على قطاع غزة ربما يأتي بعد الوصول إلى اتفاق بين الدول المعنية قد يكرر سيناريو ما جرى في "بيروت 1982"، يقضي بخروج قادة حركة حماس من القطاع إلى دولة أخرى، كما تم ترحيل قادة منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي إلى تونس.
وقامت منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت متجذرة في جنوب لبنان، بشن عدة هجمات عبر الحدود الشمالية لإسرائيل لسنوات، وأطلقت صواريخ كاتيوشا على بلدات وقرى شمال إسرائيل.
وعبرت القوات الإسرائيلية في 6 يونيو 1982، الحدود بدعوى دفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى الوراء لمسافة 25 ميلاً، وبهذا أصبحت صواريخ المنظمة غير قادرة على تهدد أمن إسرائيل، وتوغل الجيش الإسرائيلي شمالا على طول الطريق إلى بيروت وكان يهاجم المدينة من البحر والجو والبر، ويقطع الطعام والماء والطاقة.
وتم التوصل لاتفاق في 18 أغسطس، وبموجبه وصلت القوات الفرنسية إلى بيروت في 21 أغسطس، لتنضم إليها القوات الأميركية والإيطالية، لاحقا وكانت مهمتهم هي ضمان مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبيروت، حيث بدأ الإجلاء في 21 أغسطس، وصعد المئات من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية على متن سفينة متجهة إلى قبرص.
ما حدث في بيروت
وتسارعت وتيرة مغادرة مقاتلي المنظمة بعد أيام قليلة، ليأتي دور زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في 30 أغسطس، وكان يرتدي زيا عسكريا، وصعد على متن سفينة، نقلته من المدينة التي كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية فيها.
تم إرسال حوالي 8000 آلاف ونصف من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس، فيما نقل آلاف آخرين لعدة دول عربية أخرى.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور ماهر صافي، إن قطاع غزة يباد من قبل إسرائيل وأمريكا.
وأوضح صافي ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن بعد مرور شهر على مجا..زر المحتل الإسرائيلي "الوضع صعب للغاية"، فأعداد الشهداء في ارتفاع كبير، تجاوزوا الـ 10000 شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، فيما يزيد عدد الجرحى عن 25000 ألف جريح غالبيتهم جراحهم خطيرة ما بين البتر والحروق من الدرجة الرابعة، وذلك لاستخدام إسرائيل أسلحة فرط صوتية وقنابل محرمة دوليا، بالإضافة لقنابل الفوسفور وغيرها من الأسلحة التي تؤدي لتشوهات وبتر في الأطراف، فما يحدث في غزة سيفوق ما حدث في بيروت 1982.
وأكد أن غزة تشهد حرب إبا.دة شاملة من بيت إلى بيت ومن حارة إلى حارة، من بيت حانون حتى رفح الفلسطينية، فالجيش الإسرائيلي والأمريكي يتشاركان في قصف غزة وقت.ل سكانها وتشريدهم.
وواصل: يُنذر التصعيد المتلاحق بـ "كارثة إنسانية مُحققة ومجاعة متوقعه في ظل انعدام كافة مقومات الحياة لا خبز ولا ماء ولا طعام والمعونات التي تدخل القطاع تعتبر نقطة في بحر لأنه عدد سكان قطاع غزة يعتبر من أعلى الكثافات السكانية في العالم.
وأكد أن الجرحى والشهداء بالآلاف، وأعداد من شردوا من بيوتهم لا حصر لها، كما أن المواد الأساسية من غذاء ومياه ووقود وأدوية نفدت، والمستشفيات والمراكز الصحية خرجت عن الخدمة بسبب نفاد الدواء والوقود وكافة المستلزمات الطبية بالإضافة للقصف المستمر لهذه المستشفيات بالصواريخ والقنابل الفسفورية والذي أوقع الألف من الشهداء والجرحى.
سيناريو بيروت وارد
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور طارق فهمي، إن سيناريو بيروت وارد جدا وفي تقدير الإسرائيليين أنه يمكن أن يتم، ولكن هم وقتها تحدثوا عن نزع سلاح حزب الله ووقف المواجهة وعدم إتمامها بصورة كبيرة، والأمر أثار وقتها مواجهة كبيرة ولكن بطبيعة الحال الحزب موجود واستمرت مقاومته حتى الآن.
وأوضح فهمي ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن غزة مسالة عصية عن الحل والبنية الأساسية لها أمر صعب للغاية ولكن كل السيناريوهات مختلفة، ربما بطبيعة الحال في الشكل العام يتشابه السيناريو ولكن في المضمون الشكل مختلف هذه المرة وقواعد الاشتباك بالنسبة لحماس مع إسرائيل تغيرت، والأمر الآخر أن حماس ستظل طرف في المقاومة الفلسطينية بصرف النظر عن تقيمنا لأدائها حتى الآن، بجانب أن هناك اجماع في قطاع الشعب الفلسطيني على فكرة المقاومة وليس من يدير فكرة المقاومة إذا كان حماس أو حركة فتح.
وتابع: إسرائيل لم ترتب بعد حساباتها في قطاع غزة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وتبادل رهائن وعودة الأجانب، مشيرا إلى أن الأفكار الخاصة بوضع القطاع تحت الحماية الدولية أو المراقبة الدولية تبقى نظرية في إطارها ولا تحمل جديدا.
وواصل: وقف إطلاق النار وتحقيق كل طرف للحد الأدنى من أهدافه من هذه العملية هو الذي يرسم مسار السيناريو القادم في قطاع غزة، سيناريو قد يكون متداخل فيه عدة أمور لكن في النهاية لن يكون سيناريو واحد وسيكون مرتبط بحسابات ومصالح أطراف متعددة.
ولفت إلى أن غزة أصبحت حالة دولية ويجب التعامل معها بحذر في ظل الدعم الكبير لإسرائيل وحربها في قطاع غزة.
واختتم: الداخل الإسرائيلي وحالة الاحتجاجات والتظاهر في العواصم الأوروبية ربما ستدفع حكومة هذه الدول بل وحكومة إسرائيل باتهام نتنياهو بسوء إدارة الأزمة وهذا سيكون مبرر مطروح في إطار السيناريو القادم في قطاع غزة.
وكانت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبريةكشفت عن نية طرح جملة من المقترحات بخصوص قطاع غزة ومنها مغادرة قادة حركة "حماس" للقطاع فيما يشبه تطبيق نموذج بيروت على القيادات الفلسطينية سنة 1982.
نتنياهو وسوء الإدارة
وقالت الصحيفة في مقال لها حول هذا الأمر إن هذه "الصفقة" ستكون مقابل الحفاظ على حياة قيادات حماس وإطلاق سراح الرهائن.
وجاء في مقال الصحيفة إنه في إسرائيل وخلف الكواليس أضحت الإطاحة بحماس هدفا استراتيجيا سيستمر لسنوات وفي الوقت نفسه، بدأت فكرة "نموذج بيروت" لخروج الحركة من قطاع غزة تنتشر.
واعتبرت الصحيفة أنه في حرب الـ 7 من أكتوبر لا يُمكن لإسرائيل الاكتفاء بصورة النصر، موضحة أنها بحاجة إلى "نصر حقيقي".
وأشار المقال إلى أن "هزيمة حماس تتحول من هدف تكتيكي مباشر إلى استراتيجية طويلة الأمد بالنسبة لإسرائيل، وهي الاستراتيجية التي ستعمل من خلال منطقة أمنية، مع زرع الألغام على طول حدود غزة، وفرض ضغوط مستمرة، وهذا يبدو مؤسفا ونموذجا آخر من جنوب لبنان".
وتابعت "يديعوت احرونوت" بأن "الفكرة المهمة هي النظر في إمكانية خروج عناصر الجناح العسكري لحركة حماس من القطاع بموافقة إسرائيل، بمن فيهم قادتها، مقابل حياتهم والإفراج عن جميع المختطفين وهذا هو نموذج بيروت عام 1982، حين غادر ياسر عرفات إلى تونس عقب احتلال الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية".
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى المؤامرة على المواطن الفلسطيني الوحيد والأعزل في لبنان بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية و"الفدائيين" في أغسطس 1982، إلى دول مجاورة كالأردن والعراق وتونس واليمن وسوريا والجزائر وقبرص واليونان.
ورغم وجود ضمانات أمريكية آنذاك واتفاق "فيليب حبيب"، بعدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، وضمانة حماية المدنيين الفلسطينيين وعوائل الفدائيين الذين خرجوا من بيروت، حاصرت القوات الإسرائيلية يوم 15 سبتمبر حي صبرا ومخيم شاتيلا، وفجر اليوم التالي، باشرت القوات الإسرائيلية التي تمركزت في بناية على مدخل شاتيلا تراقب المخيم وتعطي الأوامر للقتلة، بينما راحت طائراتها وجيشها بإلقاء القنابل الضوئية، لينيروا عتمة المكان الآمن أمام أعين قتلة الأطفال والنساء والشيوخ.