شهدت مكتبة الفيوم العامة ندوة ثقافية بعنوان ''الحريات الدينية والأفكار المغلوطة''، ضمن البرامج الثقافية للهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة عمرو البسيوني، شارك في الندوة الأديب عصام الزهيري، د. نصر الزغبي، وأدارها الشاعر محمد حسني إبراهيم، بحضور د. ميرفت عبد العظيم عضو مجلس النواب، ونخبة من المثقفين.
في بداية اللقاء أعرب "الزهيري" عن سعادته بموضوع الندوة التي تنعقد بمناسبة يوم 27 أكتوبر الذي حددته الأمم المتحدة يوما عالميا للحريات الدينية، وهو ما يجعل من شهر أكتوبر شهر حرية شاملة بالنسبة لمصر، حرية وطنية، واستقلال حققه انتصار السادس من أكتوبر 73، وحرية دستورية وقانونية تجسدها رمزية احتفال العالم بيوم الحريات الدينية.
وحول تعريف معنى "الحريات الدينية"، استعرض ''الزهيري'' نصوص ومواد الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود والمواثيق الدولية، والتي تحدد تعريف وممارسات الحريات الدينية، وتنص مواد الدستور المصري على كونها بمثابة قوانين سارية المفعول، بالإضافة لنصوص الدستور المعززة والمحددة لمفاهيم الحرية الدينية، والتي تحدد من نفس المنظور المفاهيم والأفكار المغلوطة المرتبطة بالحريات، من بين تلك الأفكار مخاوف تحول الحريات الدينية إلى فوضى دينية ذات عواقب خطيرة، إذا عملت من خارج الأطر والمفاهيم القانونية والدستورية والحقوقية، ومن بينها تحول الحوار الديني إلى جرائم تمييز ضد المختلف دينيا وتحريض كراهيته، ونبذه والتمييز ضده، ومن بينها أيضا ممارسات القولبة السلبية، والتنميط الفكري، والعزل الطائفي، وكلها أفكار وممارسات نددت بها العهود والمواثيق الدولية ونصوص الدستور والقوانين المصرية.
في كلمته، أوضح الباحث والبرلماني السابق د. نصر الزغبي إلى أن الأزمة الحقيقية التي تواجه الحريات القانونية في المجال الديني هي مشكلة ثقافية قائمة على إساءة التفسير والتوجه المغلوط، وعلى رأس هذه المشكلات احتكار المعرفة، وتعطيل العقول باسم العلم والتخصص، لأن التخصص في المهن أمر محمود وصحيح، لكنه في الثقافة والمعارف والأديان يعني مصادرة حقوق وحريات المواطنين في بناء معارفهم، وممارسة اختلافاتهم وحق التعبير عن آرائهم وتداولها عبر النقاش الحر والمتحضر فيها.
وأكد '' الزغبي'' أن أزمة الحريات الدينية في المجتمعات التي تعاني من صعوبات التعاطي معها ليست أزمة دينية، أو تتعلق بطبيعة الدين، لأن الأديان السماوية، ومن بينها الإسلام تؤكد ضرورة الاختلاف وتدعم الحرية الدينية فلا إكراه في الدين، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة كما تقول آيات القرآن الكريم، لكن الأزمة تأتي من الممارسات البشرية التي تجري باسم الدين والعقيدة وتهدف إلى استخدام الأديان، وتأويلها بشكل خاطئ، ليجعلها أداة للتسلط، والاستفادة وتحقيق المنفعة، والوصاية والحجر على حقوق العقل، والمواطنة وحرية الفكر والضمير، من شروط المرويات ألا تخالف القرآن وألا تخالف العقل، وما دون ذلك قابل للخلاف والنقد والمناقشة.
الندوة نظمها قسم الثقافة العامة بفرع ثقافة الفيوم برئاسة سماح كامل، التابع لإقليم القاهرة الكبرى الثقافي برئاسة لاميس الشرنوبي، وأقيمت بالتعاون مع الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر مسعود شومان. وأعقبها مداخلات للحضور، ومنهم الأدباء سامي حنا، نادي جاد، خالد السنراوي، محمد قاياتي.
من جانبها أشادت د. ميرفت عبد العظيم بموضوع الندوة، وأوضحت وجود تداخل سائد بين العرف والمعتقد الديني، وأن الفكر الجمعي للشعب المصري صعب تغيير أفكاره الدينية الراسخة، كما أن الحريات بصفة عامة وليست الدينية فقط، يقابلها رفض شعبي للتغيير، فعلى سبيل المثال ''ختان الإناث''، يقابله مواجهة كبيرة مع العرف والعادات، ولا يتم مواجهة تلك الظاهرة بالقانون فقط، بل بالحوار، كما أكدت أننا بحاجة إلى مخاطبة الجمهور، وتجديد الخطاب الديني الموجه لهم، كما نحتاج إلى إعادة إعداد كوادر دينية جديدة تكون قريبة من الجمهور.
بينما أشار الروائي محمد جمال الدين إلى الفرق بين النص والتأويل، الإسلام والموروث، مشيرا إلى أن أسباب نزول النص له عامل كبير في التأويل، ويبقى النص بقوته ويبقى التأويل اجتهاد، وأكد في ختام كلمته قائلا: إذا لم تستطع أن تستوعب من يخالفك الفكرة، فعليك أن تتعامل معه كإنسان، وعلينا أن نتعايش كبشر.
فيما أشار الشاعر محمد شاكر رئيس نادي الأدب المركزي، إلى المادة 98 من القانون المصري التي تتناول ازدراء الأديان، وفي ختام الندوة أكد ''الزهيري'' أننا نحتاج أنظمة قانونية ثقافية اقتصادية شاملة تواجه التعصب، وشدد ''الزغبي'' على رفض مبدأ الوصاية على العقل والتفكير. كما دعا الحضور لفعالية ثقافية تعبر عن موقف المثقفين في الفيوم من القضية الفلسطينية.