الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غادة جابر تكتب: بيوت السويس يا بيوت مدينتي

د. غادة جابر
د. غادة جابر

"يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي ، أستشهد تحتك وتعيشي أنتِ ، هيلا هيلا هيلا يلا يا بلدى ، أشمر درعاتك الدنيا أهيه "، أحد أهم وأبرز الأغاني التراثية في محافظة السويس ، ومازالت هي الأغنية الأهم والأبرز ، التي نتغني بها في أحتفالات السويس ، وخاصة العيد القومي لمحافظة السويس في 24 أكتوبر من كل عام ، كتب الأغنية عبد الرحمن الأبنودى ، وغناها محمد حمام ، كانت ومازالت مؤثرة ولدت فكرتها من معاناة شعب السويس ، من تهجير أهل المدينة والقصف المستمر وقتها من العدو الأسرائيلي ، أيام حرب الأستنزاف ، وتستمر بطولة مقاومة شعب السويس للعدو لتسطر الملحمة الأسطورية للمقاومة الشعبية ، وفي الذكرى الخمسين لأنتصارات أكتوبر ، كانت أيضا ًالذكرى الخمسين لملحمة السويس ، بطولة لا تنسي ، سطرها التاريخ من نور النصر في مواجهة نار العدو الغاشم ، أستطاعت مقاومة السويس تحقيق نصر مبين ، و مقاومة العدو الأسرائيلي الذى أراد أن يتسلل للمدينة الباسلة ، محاولاً أن يصنع نصراً مزيفاً بعد هزيمته الساحقة في 6 أكتوبر 1973 .
لكن مقاومة السويس هزمت تحركاتهم الفاشلة وصنعت ملحمة في 24 أكتوبر 1973 ، استطاعت أن تدافع عن مصر بأكملها ليس عن السويس فقط كما صرح الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، رجُل الحرب والسلام ، فكرتُ كثيراً من أين أبدأ الكتابة  في وصف السويس " المدينة " الباسلة ، من  سرد حكايات أبطال السويس " المقاومة الشعبية ومنظمة سيناء العربية " ، أم من النصرالذهبي  الذى حطم خط بارليف ومدعي الزيف من الصهاينة وغيرهم ، أم أكتب عن حصار ال100 يوم التي قضاها أهل السويس عقب المواجهات العنيفة التي دارت بين الجيش المصرى وقوات العدو ، قبل إعلان وقف إطلاق النار ، أنتهي الحصار بهزيمة العدو وأستسلامه ، لكن  الحقيقة التي أعيشها بنفسي ، أن في كُل مرة بنهاية الأسبوع وبداية العطلة الأسبوعية ، يخفق قلبي حُباً يرفرف فرحاً لأنني سأسافر من القاهرة إلي السويس ، حيث مسقط رأسي وبيت عائلتي ، في السويس أمي وأخوتي والمقابر التي دُفن فيها أبي ، هذا الرجل الذى نشأت وترعرعت علي سماع قصصه وهو يحكي لنا ، كيف حارب في حرب أكتوبر 1973 ، وكيف جُند في الجيش 7 سنين ، فنال شرف حرب الأستنزاف ، لا أنسي أبداً صلابته أمام كُل موقف ، ويعود دائماً لجملته المعتادة ، أنا كنت علي خط النار 7 سنين ، عبارة يقشعر لها بدني ويفتخر بها عقلي ويرفرف بها قلبي حُباً لهذا الوطن .
في مدخل السويس تشعُر وكأنها تحتضنك وتطبطب عليك وترحب بك ، يصفو ذهنك لرؤية شوارعها التي تستطيع أن تحفظ طرقها من أول وهلة ، فلا متاهه في السويس ، ولا أكتظاظ  ، مدينة تاريخية حضارية هواؤها برائحة المِسك ، فهذا شارع الشهداء ، وهذا شارع أحمد عرابي ، وهنا ضريح سيدى الغريب ، وهنا ضريح سيدى الأربعين ، وسوق الأنصارى ، والملاحة ، وشارع النمسا والكورنيش القديم " ميناء الخور " قديماً أقدم ميناء بالبحر الأحمر وكان الميناء الوحيد قبل ربع قرن من الزمان ، ليربط بين الشرق و الغرب وأفريقيا بأسيا ، علي ضفته قصر محمد علي وبيت المساجيرى تشاهدهم وكأنك عبرت الزمان وعاد بك ليروى تاريخ عصر أثرى ، والكورنيش الجديد والممشي السياحي ، الممتد  إلي بورتوفيق ، وما أدراك ما بورتوفيق ، عبق التاريخ ورونق الحياة علي شط القناة كانت صبانا وحكاياتنا ولمتنا ، وفي فلل بورتوفيق قصص تروى وتاريخ يوثق ، عمرها أكثر من مائة عام ، بُنيت من حجر القرنيد ، كان يسكنها العمال الأجانب من الفرنسنيين واليونانيين واليهود والأنجليز والأن يعيش فيها عمال هيئة قناة السويس المصريين .
وأنت قادم من القاهرة مروراً بالمثلث حتي شارع الجيش و الأربعين "مدخل السويس الغربي" في كل شبر من الأرض حكاية شهيد وفدائي وبيت كان مخزن سلاح أو شارك بتقديم المساعدة للجنود أو بتقديم شهيد من أبنائه  ، وأنت قادم من الأسماعيلية مروراً بالجناين والهويس مدخل السويس الشمالي ،  يروى كل شبر من الأرض رواية عن شهيد أو عن كمين ضم عدد من الفدائيين كالأسود مستعدين للشهادة بريادة في مواجهة العدو الصهيوني ، وفي مدخلها الجنوبي ميناء الأدبية ، وحي عتاقة وطريق الزيتية إلي مبني المحافظة ،  في السويس كل الوجوه مألوفه ، في كل شارع ترى صديق ،أو جارمن مسكنك القديم ،أو قريب لأحد معارفك ، وأصبح وكأنه قريب لك ، أنا من السويس ، فخورة بمصريتي .