أيام تفصلني عن يوم ميلادي الثلاثين ، بوابة لمرحلة جديدة من شبابي وعقد جديد من عمري وعهد جديد يبدأ في حياتي ومعه كل جديد ... عمر الثلاثين يعني استمرارية لمرحلة الشباب ولكن بفكر أكثر نضجا وعقل أكثر حكمة ... نعم العمر مجرد رقم ولكن لكل رقم حكايات ، تجارب ومغامرات تحفر في ذاكرتنا وتسطر في سجل حياتنا ... لذلك علينا أن نحب الحياة ونتصالح مع أنفسنا لنسجل ونسطر أجمل المغامرات والحكايات.
كلما يكبر الإنسان ينضج أكثر ويتعلم أكثر من الحياة ، ومن المعروف حسب القرآن الكريم أن سن إكتمال النضج العقلي والجسدي والفكري هو سن الأربعين ، حيث يبلغ الإنسان فيه أشده : "..حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ.." {الأحقاف : ١٥} ... نرى أن نزول الوحي والنبوة لمعظم الأنبياء تكون في سن الأربعين ، قال تعالى عن يوسف عليه السلام : "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" {يوسف : ٢٢} ... وعن موسى عليه السلام : "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" {القصص : ١٤} ... بلوغ الأشد هو بلوغ شدة البدن وقواه التي من بعدها يبدأ في الضعف تدريجيا مع مرور الوقت ... يكون الإنسان مر بتجارب لا حصر لها في العشرينيات والثلاثينيات حتى يصل بنضجه العقلي والفكري إلى المنتهى في عمر الأربعين الذي فيه يرى الحياة بشكل أكثر عمقا وحكمة.
بالرغم من أن الإنسان يبلغ أشده في سن الأربعين إلا أنه كلما يكبر عام واحد قبل بلوغه الأربعين ينضج أكثر وتختلف نظرته للحياة من حوله ... في سن الثلاثين يكون الإنسان قد نضج على الصعيد النفسي والفكري أكثر من سن العشرينيات بشكل يجعله يستطيع الاختيار بحكمة وعناية أكثر من السابق ، سواء اختياراته لشريك الحياة لو لم يتزوج بعد أو حتى إختياراته العامة ... الإنسان في الثلاثين لا يريد العلاقات العابرة الطائشة كالماضي وأن يبحث عن العلاقات العميقة ، المستمرة التي تجلب له الإستقرار النفسي والتي تضيف له لا تأخذ منه ومن طاقته ... كما أننا في عمر الثلاثين نرى النسخة المتطورة من ذاتنا التي بنيناها على مدار سنوات وتخبطنا في الحياة وسقطتنا وقمنا عدة مرات لنصل لما وصلنا إليه الآن من نضج وحكمة ودراية وقوة.
في النهاية العمر مجرد رقم ... حافظوا على قلوبكم بريئة ولا تسمحوا لتجارب الحياة القاسية ولا لغدر بعض البشر أن يغيروا قلوبكم فتتلوث بالقسوة أو الشر ... حافظوا على علاقتكم بالله لأن العمر فرصة وهدية منه يجب أن تستثمر وتستغل لتجديد العهد معه ولإصلاح ما تم إفساده في الماضي.