تعطل شركة جوجل Google الأمريكية حاليًا بيانات حالة حركة المرور المباشرة في إسرائيل وغزة على تطبيقاتها Maps و Waze، حسبما أفاد المتحدث باسم الشركة يوم الثلاثاء ويأتي هذا الإجراء نظرًا للتوقعات الكبيرة بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيبدأ غزوا بريا في قطاع غزة.
شركة جوجل الأمريكية تعطل خدمات الخرائط من أجل الاحتلال الإسرائيلي
قال المتحدث باسم شركة جوجل الأمريكية في بيان: "كما فعلنا في السابق في حالات النزاع واستجابةً للتطورات في المنطقة، قمنا بتعطيل القدرة على رؤية حالة حركة المرور المباشرة ومعلومات الازدحام مؤقتًا تضامنًا مع سلامة المجتمعات المحلية". وأضاف: "سيستمر الأشخاص الذين يتجهون إلى مكان معين في الحصول على مسارات وتقديرات زمن الوصول تأخذ في الاعتبار الحالة الحالية لحركة المرور".
قال المتحدث إن جوجل تعمل بالتعاون مع السلطات المحلية الإسرائيلية ضمن إطار الحرب المستمرة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس.
ووفقًا لوكالة رويترز، قامت جوجل بتعطيل بيانات حالة حركة المرور المباشرة في أوكرانيا في العام الماضي بدايةً من حرب روسيا-أوكرانيا.
وكان جيش الاحتلال للدفاع الإسرائيلي قد طلب من جوجل تعطيل ميزة حركة المرور المباشرة، مشددًا على أن ذلك قد يكشف حركات قوات العدوان الإسرائيلي لحماس، حيث يتم تصنيفها جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
شركة آبل تمتثل لأوامر جيش العدوان الإسرائيلي
وقال موقع التكنولوجيا الذي يملكه الاحتلال الإسرائيلي GeekTime، الذي أبلغ عن هذا التطور لأول مرة، إن تطبيق الخرائط التابع لشركة آبل الأمريكية Apple أيضا امتثل أيضًا لطلب الجيش الإسرائيلي.
جدير بالذكر إنه في خطوات مماثلة استدعت إسرائيل أكثر من 300 ألف جندي احتياطي بعدما ادعوا أن هجمات المقاومة الفلسطينية أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص في جنوب إسرائيل واحتجاز أكثر من 200 رهينة.
وقد ألمح الجيش الإسرائيلي إلى غزو بري لغزة، الأمر الذي أثار انتقادات من زعماء العالم بشأن خطر وقوع خسائر في صفوف المدنيين.
كيف تؤثر خرائط جوجل في تشكيل خطة الحرب؟
تعد خرائط جوجل ليست مجرد أداة محايدة توفر معلومات جغرافية، وهي أيضًا منصة قوية يمكنها تشكيل التصور العام والتأثير على القرارات السياسية، فطالما تم اتهام خرائط جوجل بالتحيز والرقابة والتلاعب والمعلومات المضللة من قبل مختلف الجهات الفاعلة المشاركة في الصراع.
على سبيل المثال، يزعم بعض الفلسطينيين أن خرائط جوجل تمحو وجودهم وهويتهم باستخدام أسماء إسرائيلية لأماكن في الأراضي المحتلة، و يزعم بعض الإسرائيليين المحتلين للأراضي الفلسطينية أن خرائط جوجل تؤيد "الإرهاب" من خلال إظهار المناطق التي تسيطر عليها حماس كجزء من فلسطين.
ويزعم بعض الناشطين أن خرائط جوجل تخفي حقيقة الاحتلال ومعاناة الأهالي في غزة من خلال طمس أو حذف بعض التفاصيل.
وسوف نوضح في السطور القادمة كيفية تأثير خرائط جوجل على الصراع بين العدوان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية التي تدافع عن أراضيها المحتلة بثلاث طرق: من خلال طمس المنطقة على صور الأقمار الصناعية؛ وعن طريق تعطيل بيانات حركة المرور المباشرة بناءً على طلب الجيش الإسرائيلي؛ ومن خلال استخدامها لتوثيق الدمار في غزة من قبل الباحثين والصحفيين.
لماذا تظهر المنطقة في غزة وأماكن الاحتلال الإسرائيلية ضبابية وغير واضحة على خرائط جوجل؟
إذا حاولت تكبير الصورة في خرائط جوجل لإسرائيل وغزة، ربما لاحظت أن المنطقة غير واضحة بالمقارنة مع أجزاء أخرى من العالم، وهذا ليس بسبب خلل تقني أو نقص في البيانات، بل بسبب قانون أمريكي يقيّد جودة الصور الفضائية التي يمكن للشركات الأمريكية توفيرها تجاريًا.
تم تقديم هذا القانون في عام 1997 لمعالجة مخاوف الأمان الإسرائيلية حيث أنه أكد أن الشركات الأمريكية لا يمكنها بيع أو توزيع صور فضائية بدقة تزيد عن 2 أمتار لكل بكسل لإسرائيل أو أي بلد أو منطقة قريبة منها، وهذا يعني أن خرائط جوجل كانت تستخدم صورًا ذات دقة منخفضة لإسرائيل وغزة من مزودي الأقمار الصناعية في الولايات المتحدة مثل DigitalGlobe.
ومع ذلك، تم إلغاء هذا القانون في عام 2020 من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فالقاعدة الجديدة تسمح للشركات الأمريكية ببيع أو توزيع صور فضائية بدقة تصل إلى 0.4 أمتار لكل بكسل لأي بلد أو منطقة وهذا يعني أن الصور عالية الدقة لإسرائيل وغزة متاحة الآن من شركات الأقمار الصناعية مثل Planet Labs.
وتقول جوجل إنها تعمل على تحديث صورها باستخدام أحدث البيانات. وقال المتحدث باسم الشركة الأمريكية: "نعمل دائمًا على تحديث خرائط جوجل بصور جديدة من جميع أنحاء العالم. نحن على علم بالتغييرات الأخيرة في اللوائح الأمريكية ونسعى لتحديث صورنا بناءً على ذلك".
ومع ذلك، يعتبر بعض النقاد أن جوجل يماطل عمدًا في التحديث لسكان فلسطين وأراضي الاحتلال الإسرائيلي لإسكاتها أو تجنب الجدل ويشيرون إلى أن جوجل قد قامت بتحديث صورها لمناطق أخرى، مثل سوريا والعراق، حيث تجري أيضًا صراعات، كما يدعون أن جوجل تنتهك سياساتها الخاصة بتوفير أفضل الخرائط الممكنة لمستخدميها.
كيف تقوم خرائط جوجل بتعطيل بيانات حركة المرور المباشرة في إسرائيل وغزة؟
إحدى الميزات التي تقدمها خرائط جوجل هي بيانات حركة المرور المباشرة. تعرض هذه الميزة مستويات الازدحام في الطرق في الوقت الحقيقي بناءً على البيانات من أجهزة تحديد المواقع العالمية (GPS) والهواتف الذكية والمستشعرات المختلفة، التي يمكن أن تساعد المستخدمين في تخطيط مساراتهم وتجنب أزمات المرور وتوفير الوقت والبنزين.
ومع ذلك، تقوم خرائط جوجل بتعطيل بيانات حركة المرور المباشرة في إسرائيل وغزة بناءً على طلب من الجيش الإسرائيلي، استعدادًا لاحتمالية غزو بري لقطاع غزة.
يقول الجيش الإسرائيلي إن هذا إجراء ضروري لمنع عناصر حماس من استخدام معلومات حركة المرور لتخطيط هجمات أو تفادي الكشف.
وصرحت جوجل إنها تلتزم بالقوانين واللوائح المحلية عند تلقيها طلبات قانونية صحيحة. وقال المتحدث باسم جوجل: "لدينا سياسة طويلة المدى للامتثال للقانون المحلي عندما نتلقى طلبات قانونية صحيحة لتقييد أو إزالة المحتوى. نستعرض كل طلب بعناية ونضيق نطاقه قدر الإمكان".
ومع ذلك، يعتبر بعض النقاد أن جوجل ينتهك مبادئه الخاصة بالشفافية والمساءلة عند تعطيل بيانات حركة المرور المباشرة في أراضي الاحتلال الإسرائيلي وغزة. ويشيرون إلى أن جوجل لا يكشف عن عدد الطلبات التي يتلقونها من الحكومات أو كيفية قرارهم بالامتثال لها، كما يدعون أن جوجل يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال مساعدتها لجيش الاحتلال الإسرائيلي في هجماته على الأبرياء والأطفال والنساء لغزة مما أدى لاستشهاد الآلاف هناك.
كيف يتم استخدام خرائط جوجل لتوثيق الدمار في غزة؟
لا تعد خرائط جوجل مصدرًا للمعلومات فحسب، ولكنها أيضًا أداة للتحقيق والتوثيق، ويستخدم الباحثون والصحفيون خرائط جوجل لتوثيق الدمار الذي لحق بأراضي غزة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.
ويستخدمون معلومات مفتوحة المصدر ومتاحة للعامة، مثل صور الأقمار الصناعية وبيانات تحديد الموقع الجغرافي ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، لتحديد مواقع الهجمات والضحايا والتحقق منها، ويستخدمون أيضًا أدوات مثل Google Earth Engine لمقارنة الصور من تواريخ مختلفة وقياس مدى الضرر.
إحدى المنظمات التي تستخدم خرائط جوجل لتوثيق الدمار في غزة هي Forensic Architecture، وهي وكالة أبحاث مقرها في جولدسميث، جامعة لندن، وتستخدم هندسة الطب الشرعي التحليل المكاني والوسائط الرقمية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم البيئية.
أنشأت شركة Forensic Architecture خريطة تفاعلية توضح مواقع وتفاصيل الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة في الفترة ما بين 10 مايو و21 مايو 2023. وتتضمن الخريطة صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو والصور والشهادات والتقارير من مصادر مختلفة، مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، بتسيلم، مركز الميزان لحقوق الإنسان، الحق، الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال وغيرها.
وتظهر الخريطة أن الغارات الجوية الإسرائيلية استهدفت المباني السكنية والمرافق الصحية ومكاتب الإعلام والمدارس والمساجد والطرق والجسور وخطوط الكهرباء وأنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي والأراضي الزراعية في غزة.
وتظهر الخريطة أيضًا أن الغارات الجوية أدت إلى مقتل -بحسب ما ورد- ما لا يقل عن 248 فلسطينيًا، من بينهم 66 طفلاً و39 امرأة. وتظهر الخريطة أيضًا أن الغارات الجوية أدت إلى إصابة أكثر من 1900 فلسطيني وتشريد أكثر من 100 ألف شخص.
وتقول شركة Forensic Architecture إن خريطتها ليست مجرد سجل للدمار في غزة، ولكنها أيضًا أداة للمساءلة والعدالة.
خاتمة
تعد خرائط جوجل أكثر من مجرد خدمة خرائط، فهي أيضًا جهة فاعلة قوية يمكنها التأثير على الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وأهل غزة بطرق مختلفة، حيث يمكن لخرائط جوجل أن تقوم بطمس أو الكشف عن تفاصيل صور الأقمار الصناعية؛ تعطيل أو تمكين بيانات حركة المرور المباشرة؛ وتوثيق أو تجاهل الدمار في غزة.
تتحمل خرائط جوجل مسؤولية توفير معلومات دقيقة وغير متحيزة وشفافة لمستخدميها، كما أنها تتحمل مسؤولية احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي في عملياتها.
ولا يجوز استخدام خرائط جوجل كسلاح أو درع من قبل أي طرف مشارك في النزاع. ينبغي استخدام خرائط جوجل كأداة للسلام والعدالة.