لاشك أن أسرار الآية الثانية من سورة الطلاق تعد من أهم ما ينبغي للإنسان معرفته، شأنها شأن كل ما يتعلق بالفرج وسعة الرزق والبركة، والذي لا ينقطع أحد عن طلبه مادامت الحياة الدنيا، بلا استثناء فالجميع بحاجة إلى الرزق ويسعي إليه، بل ويلتمس كل سُبل الفوز به ، ولعل ما يزيد أهمية أسرار الآية الثانية من سورة الطلاق كذلك هو علاقتها بالفرج العاجل ، وحيث إن الدنيا دار بلاء وابتلاء وهم وغم أثقل قلوب الناس وجعلهم يتلفهون لكل وسيلة للفرج وإزاحة الغمة، وهو ما يجعل البحث عن أسرار الآية الثانية من سورة الطلاق للرزق والفرج ضرورة ومفتاح للخيرات والرحمات.
[[system-code:ad:autoads]]
أسرار الآية الثانية من سورة الطلاق
قال الشيخ خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن سورة الطلاق تحتوى على عشرة مفاتيح للفرج والعطاء ، وعلى المسلم أن يحافظ على تلاوتها عند وقوع أى هم أو غم والكرب والبلاء، مضيفا هذه السورة بها مفاتيح خاصة للنيل والأكرام من الله سبحانه وتعالى وكلها بركة، وعدد آياتها 12 آية".
وأوضح "الجندى" عن أسرار الآية الثانية من سورة الطلاق ، أن الشيء العجيب في سورة الطلاق أن بها مفاتيح فرج لا تحملة أية سورة آخرى فى القرآن الكريم، لا فى الفاتحة ولا البقرة ولا آل عمران ..وهذه السورة تسمى سورة النساء القصيرة"، منوهًا بأن المفتاح الأول هو قوله تعالى لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، والثانى وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، والثالث وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، والرابع وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، والخامس إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، والسادس قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والسابع وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا، والثامن وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ،والتاسع وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا، والعاشر سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
ورد من أسرار الآية الثانية من سورة الطلاق ، بقوله تعالى : ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) ) ، أنه جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) أي : ومن يتق الله فيما أمره به ، وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، أي : من جهة لا تخطر بباله .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا كهمس بن الحسن ، حدثنا أبو السليل ، عن أبي ذر قال : جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو علي هذه الآية : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) حتى فرغ من الآية ، ثم قال : " يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها كفتهم " . وقال : فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست ، ثم قال : " يا أبا ذر ، كيف تصنع إن أخرجت من المدينة ؟ . " قلت : إلى السعة والدعة أنطلق ، فأكون حمامة من حمام مكة . قال : " كيف تصنع إن أخرجت من مكة ؟ " . قال : قلت : إلى السعة والدعة ، وإلى الشام ، والأرض المقدسة . قال : " وكيف تصنع إن أخرجت من الشام ؟ " . قلت : إذا - والذي بعثك بالحق - أضع سيفي على عاتقي . قال : " أوخير من ذلك ؟ " . قلت : أوخير من ذلك ؟ قال : " تسمع وتطيع ، وإن كان عبدا حبشيا ".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا زكريا ، عن عامر ، عن شتير بن شكل قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : إن أجمع آية في القرآن : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) [ النحل : 90 ] وإن أكثر آية في القرآن فرجا : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا )، وفي المسند : حدثني مهدي بن جعفر ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الحكم بن مصعب ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب "
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) يقول : ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة ، ( ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
وقال الربيع بن خثيم : ( يجعل له مخرجا ) أي : من كل شيء ضاق على الناس ، وقال عكرمة : من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجا . وكذا روي عن ابن عباس ، والضحاك ، وقال ابن مسعود ، ومسروق : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) يعلم أن الله إن شاء منع ، وإن شاء أعطى ( من حيث لا يحتسب ) أي من حيث لا يدري، وقال قتادة : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) أي : من شبهات الأمور والكرب عند الموت ، ( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ومن حيث لا يرجو أو لا يأمل.
وقال السدي : ( ومن يتق الله ) يطلق للسنة ، ويراجع للسنة ، وزعم أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له : " عوف بن مالك الأشجعي " كان له ابن ، وأن المشركين أسروه ، فكان فيهم ، وكان أبوه يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره بالصبر ، ويقول له : " إن الله سيجعل لك فرجا " ، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا أن انفلت ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من أغنام العدو ، فاستاقها فجاء بها إلى أبيه ، وجاء معه بغنى قد أصابه من الغنم ، فنزلت فيه هذه الآية : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) رواه ابن جرير ، وروي أيضا من طريق سالم بن أبي الجعد ، مرسلا نحوه.
وقال الإمام أحمد ، حدثنا ، وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " ، ورواه النسائي ، وابن ماجه من حديث سفيان - وهو الثوري - به.
وقال محمد بن إسحاق : جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : له أسر ابني عوف . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله " . وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه ، فخرج ، فإذا هو بناقة لهم فركبها ، وأقبل فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم ، فاتبع أولها آخرها ، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب ، فقال أبوه : عوف ورب الكعبة . فقالت أمه : واسوأتاه . وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد - فاستبقا الباب والخادم ، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا فقص على أبيه أمره ، وأمر الإبل ، فقال أبوه : قفا حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله عنها . فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بخبر عوف ، وخبر الإبل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اصنع بها ما أحببت ، وما كنت صانعا بمالك " . ونزل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن هشام بن حسان ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من انقطع إلى الله كفاه الله كل مئونة ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها ".
لماذا نزلت الآية الثانية من سورة الطلاق
ذكر بعض المفسّرين وأصحاب السير أن نزول آيات: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
جاء في عوف بن مالك الأشجعي، وقد كان صاحب فاقة، حيث جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وشكى له قلّة حيلته في فداء ابنه الذي أسره المشركين، إضافة لحزن والدته على فراقه وجزعها، فأمره الرسول بالصبر والتقوى والإكثار من قول لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فما كان منهما سوى اتباع قول الرسول، حتى غفل العدو عن ابنهما وخرج من بين أيديهم وقد ساق غنمهم وهي أربعة آلاف شاة، وجاء بها إلى والده فنزلت الآية.
و يُجدر بالذكر أن أغلب الأحاديث الواردة في هذه الرواية ضعيفة، ومن المحدّثين من جعلها موضوعة، إلّا أنّ منهم من رفع من قوّة الأحاديث إلى الحسن أو ما يُشبه الحسن، واستندوا في ذلك إلى مجموع طُرقه وشواهده، وقد جاءت بألفاظ مختلفة منها الإبل ومنها الغنم.
قصة الآية الثانية من سورة الطلاق
ثبت عند علماء التفسير أن هذا الجزء من الآية الكريمة (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) [الطلاق: 2] أنّها نزلت في عوف بن مالك الأشجعيّ عندما حزن على أسر ولده؛ فأوصاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتقوى فردّه الله -تعالى- إليه، كما ورد في المقال تفسير الآية الكريمة؛ وهو أنّ الله تعالى وعد المتقين الذين يلتزمون أوامره بأن يجعل لهم منفذاً من الضيق والشدة، وأن يتفضّل عليهم بالرزق، ووردت الآية في سياق الحديث عن الطلاق؛ وهو أنّ من يطلّق كما أمره الله يجعل الله له سبيلاً لمراجعة زوجته.
وروى الطبري وغيره عن عبد الله بن مسعود، قال: أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -أراه: عَوْف بن مالك-، فقال: يا رسول الله، إنّ بني فلان أغاروا عَلَيَّ، فذهبوا بابني وإبلي. فقال: “اسأل الله”. فرجع إلى امرأته، فقالتْ له: ما ردّ عليك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم -؟ فأخبَرها، فلم يلبث الرجلُ أن ردّ الله إبلَه وابنه أوفر ما كان، فأتى النبيَّ – صلى الله عليه وسلم -، فأخبَره، فقام على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وأمرهم بمسألة الله، والرّغبة له، وقرأ عليهم: (ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
سبب نزول الآية الثانية من سورة الطلاق
يظهر من سبب نزول هذا الجزء من الآية الكريمة أن الجملة معترضة تصلح لموضوع الآية وهو الطلاق ومراعاة أحكام الله تعالى المنزلة منه، وتصلح لحادثة عوف بن مالك الأشجعي، إذا كان سبب نزول الآية كما ذكر صحيحا، ومن هنا ذهب ابن عاشور فقال: يجوز أن يكون نزولها في أثناء نزول هذه السورة فصادفت الغرضين، ويكون ذلك من قبيل معجزات القرآن.
المقصود أن سورة الطلاق لها سبب نزول عام، وللجزء المذكور من الآية الثانية (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) سبب نزول خاص وهو فصة عوف الأشجعي، ولا تعارض بينهما واعتبر هذا الأمر من إعجاز القرآن الكريم.
أما سبب نزول سورة الطلاق فهو ما رواه مسلم عن طريق أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضا؟ فقال: طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ليراجعها، فردها وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. قال ابن عمر وقرأ النبي: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن). قال ابن عاشور: وظاهر قوله: “وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم..إلخ. إنها نزلت عليه ساعتئذ، وقال الواحدي عن السدي: أنها نزلت في قضية طلاق ابن عمر
فضل الآية الثانية من سورة الطلاق
ما يستفاد من قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا هناك العديد من العبر والدروس التي قد نستفيدها من هذه الآية الكريم، نورد بعضها فيما يأتي:
- أنّ تقوى الله -تعالى- سببٌ في حصول الرزق، قال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
- أنّه من يتّقِ الله يجعل له خروجاً من الشدائد والمصائب والصعاب.
- أنّ من يأخذ بهذه الآية الكريمة، ويعمل بها، ويطبّقها في أمور حياته لكفى ذلك المؤمن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا ذَرٍّ، إني لَأَعْرِفُ آيةً لو أنَّ الناسَ كُلَّهم أَخَذُوا بها لَكَفَتْهُم: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)).
- تقوى الله تُخرج العبد من مهمات الدنيا وسكرات الموت وأهوال يوم القيامة.
- التقوى في أداء الفرائض تجعل هناك مخرج من العقوبات.
- الوقوف عند الحدود واجتناب المعاصي يُخرج من الحرام إلى الحلال ومن النار إلى الجنة.
- من يتبرأ من قوّته ويوكل نفسه إلى الله -تعالى- كفله بذلك وأعانه على حوائج الدنيا وأمور الآخرة.