حكم الاحتفال بالمولد النبوي مسألة وإن كانت خلافية، إلا أنها ليست في أصل الاحتفال بالمولد النبوي قدر اعتراض البعض على تخصيص يوم من أيام شهر ربيع الأول، وفي السطور التالية نوضح حكم الاحتفال بالمولد النبوي، وكيف يكون؟
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو الاحتفاء به، والاحتفاء به صلى الله عليه وسلم أمر مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد علم الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فعرَّف الوجود بأسره باسمه، وبمبعثه، وبمقامه، وبمكانته، فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله، وفرجه، ونعمته على العالمين، وحجته.
وتابع علي جمعة قد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله ﷺ، كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين: ابن الجوزي، وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى.
وألف في استحباب الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف جماعة من العلماء والفقهاء بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وقد أطال ابن الحاج في [المدخل] في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلامًا مفيدًا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه المدخل في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي.
قال خاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي في كتابه «حسن المقصد في عمل المولد» بعد سؤال رفع إليه عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول: ما حكمه من حيث الشرع، وهل هو محمود أو مذموم، وهل يثاب فاعله؟ قال: « والجواب عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ﷺ وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه و ينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؛ لما فيه من تعظيم قدر النبي ﷺ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
وقد رد السيوطي على من قال : « لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة » بقوله: « نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود » مبينًا أن إمام الحفاظ أبا الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى قد استخرج له أصلا من السنة، واستخرج له هو - يعني السيوطي- أصلا ثانيا موضحا أن البدعة المذمومة هي التي لا تدخل تحت دليل شرعي في مدحها أما إذا تناولها دليل المدح فليست مذمومة»
روى البيهقي عن الشافعي رضى الله عنه قال :« المحدثات من الأمور ضربان؛ أحدهما : أحدث مما يخالف كتابا، أو سنة، أو أثرًا، أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في قيام شهر رمضان نعم البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى. هذا آخر كلام الشافعي.
قال السيوطي: « وعمل المولد ليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي، وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان، فهو إذن من البدع المندوبة كما عبر عنه بذلك سلطان العلماء العز ابن عبد السلام ».
وأصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة؛ لأن ولادته أعظم النعم علينا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، وهذا ما رجحه ابن الحاج في المدخل حيث قال : « لأن في هذا الشهر مَنَّ الله تعالى علينا بسيد الأولين والآخرين، فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير وشكر المولى على ما أولانا به من النعم العظيمة ».
والأصل الذي خرج عليه الحافظ ابن حجر عمل المولد النبوي هو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هذا يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله تعالى، قال الحافظ: « فيستفاد منه فعل شكر الله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر يحصل بأنواع العبادات كالسجود، والصيام، والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ؟ »
ويؤكد الحافظ ابن حجر على مظاهر ذلك الاحتفال، فيقول : «فينبغي أن نقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة، والإطعام، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وما كان مباحًا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به ».
ونقل السيوطي عن إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري من كتابه «عرف التعريف بالمولد الشريف» قوله : «إنه صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في النار كل ليلة اثنين لإعتاقه ثويبة عندما بشرته بولادة النبي ﷺ، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي ﷺ، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي ﷺ يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنة النعيم.