يصادف اليوم ذكرى وفاة البطل أحمد إدريس، ابن النوبة، الذي جاء بفكرة مبتكرة لجعل اللغة النوبية وسيلة للتواصل بين القوات العسكرية المصرية.
تمثلت الفكرة في استخدام اللغة النوبية كشفرة للاتصالات، حيث أن اللغة النوبية تنطق فقط ولا تكتب، وبالتالي لا يمكن لأي شخص فك الشفرة بسبب غياب الأبجدية في اللغة.
وأثناء تحرك 100000 جندي مصري نحو قناة السويس في أكتوبر 1973، سمع الضباط الإسرائيليون أوامر تصدر من لغة غريبة لم يسمعوا بها من قبل، فقد تفاجئوا واستغربوا من سماعهم أوامر مثل "أوشريا" و "ساي أوي"، ولم يكن لديهم أي طريقة لفهم هذه الأوامر، حيث كانت تعتبر رموزًا جديدة وغير معروفة يستخدمها الجيش المصري. وبذلك، لم يكن بإمكان العدو الإسرائيلي فك شفرة اللغة النوبية وفهم معاني الأوامر المرسلة.
[[system-code:ad:autoads]]
أحمد إدريس، الذي كان من أبناء النوبة، وُلد في قرية "توماس وعافية" بمحافظة أسوان في عام 1938.
قد حصل على شهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1952، وتطوع في قوات حرس الحدود منذ عام 1954 وحتى عام 1994.
شارك في جميع الحروب، بما في ذلك حرب العدوان الثلاثي وحرب 1967 وحرب أكتوبر 1973. كان له دور بارز في تطبيق فكرة شفرة النصر، وتوفي في منزله بمنطقة "كينج مريوط" في مدينة الإسكندرية، يوم الثلاثاء الماضي، في عمر يناهز 84 عامًا.
اللغة النوبية هي لغة يتحدث بها حوالي مليون شخص من أهل النوبة في جنوب مصر وشمال السودان. تنحدر اللغة من اللغات الفرعونية المرَّوية التي استخدمها الفراعنة على مر العصور. تنقسم اللغة إلى لهجتين رئيسيتين: اللهجة الكنزية المستخدمة في دنقلا في شمال السودان، واللهجة الفاديكية التي كانت تستخدمها قبيلة محس في شمال السودان وجنوب مصر. تُعتبر اللغة النوبية لغة شفهية وغير مكتوبة، وتعتمد بشكل كبير على التحدث والاستماع.
تعد فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة في القوات المصرية خلال حرب أكتوبر 1973 مبتكرة وذكية, وقد أسهمت هذه الشفرة في حفظ سرية الاتصالات ومصداقية الأوامر والتعليمات المرسلة بين القوات المصرية. إن استخدام لغة غير معروفة للعدو يعزز فعالية الاتصالات العسكرية ويحول دون فهم الأعداء للتحركات والاستراتيجيات المصرية. وبهذه الطريقة، تم تعزيز فرص النجاح والتفوق في المعارك.
شفرة النصر
بدأت مبادرة شفرة النصر عندما علم إدريس الصول، من خلال محادثاته مع ضباط القيادة، أن القادة المصريين الكبار يسعون لتطوير رمز أو كود جديد لنقل الأوامر والتعليمات والقرارات بين القيادة العسكرية والضباط والوحدات العسكرية، دون أن يتم اكتشافه من قبل الجيش الإسرائيلي، بناءً على ذلك، اقترح إدريس استخدام اللغة النوبية القديمة كرمز، وتم تصعيد الفكرة إلى القيادة العليا في الجيش المصري، وصلت الفكرة أخيرًا إلى القائد العام للقوات المسلحة، الرئيس السادات، الذي أيد الفكرة واتخذت الإجراءات اللازمة على الفور لتنفيذها.
تم تجنيد 344 جنديًا مصريًا من أصل نوبي، وكانوا يجيدون اللغة النوبية بشكل كامل، من هؤلاء، 172 جنديًا من فاديجا و172 جنديًا من الكنوز. أصبحت اللغة النوبية غير الموثقة والمنقولة عن طريق التوارث الشفهي السر الرئيسي في تخطيط حرب أكتوبر. تم تدريب 35 من هؤلاء الجنود في سلاح الإشارة لاستخدام جهاز إشارة صغير وإصلاحه في حالة حدوث أي خلل تقني أثناء إرسال أو استقبال الإشارات. تم أيضًا تجنيد 70 من حرس الحدود لنقل الرموز عبر الخطوط.
يقوم سلاح الإشارة، المعروف الآن باسم إدارة إشارة القوات المسلحة، بتوفير وتأمين الاتصالات داخل القوات المسلحة وتطوير نظم وشبكات الاتصالات الإشارية وتأمين المعلومات والبيانات المنقولة عبر الوسائل الإشارية.
وقت تنفيذ وبدء استخدام شفرة النوبة
في وقت التنفيذ، عبر الجنود النوبيون القناة باستخدام قوارب مطاطية وبدأوا مهامهم وراء خطوط الجيش الإسرائيلي. كان يتمركز الجنود في أبار "صهاريج المياه" لمراقبة حركات العدو وتقديم التقارير إلى القيادة العسكرية. كانت مهمتهم الرئيسية تتمثل في رصد تحركات الجنود الإسرائيليين وتحديد عددهم وعدد الدبابات والمركبات الإسرائيلية، ومشاركة هذه المعلومات مع القيادة. كانالهدف الرئيسي لمبادرة شفرة النصر هو توفير وسيلة آمنة وسرية لنقل الأوامر والتعليمات بين القيادة العسكرية والوحدات العسكرية المصرية خلال حرب أكتوبر. تم استخدام اللغة النوبية القديمة كرمز لتحقيق ذلك، وتم تدريب جنود مصريين من أصل نوبي لاستخدام هذا الرمز وتبادل المعلومات بشكل سري.
سلاح الإشارة، الذي يعرف الآن باسم إدارة إشارة القوات المسلحة، كان المسؤول عن تأمين وتطوير نظم الاتصالات الإشارية وضمان تدفق المعلومات بشكل آمن خلال الحرب.
جنود مبادرة شفرة النصر كانوا يقومون بمهام المراقبة وتجميع المعلومات حول تحركات الجيش الإسرائيلي ونقلها إلى القيادة المصرية. كانوا يستخدمون قوارب مطاطية لعبور القناة والتحرك خلف خطوط العدو.
بالإضافة إلى ذلك، تم تدريب بعض الجنود على استخدام أجهزة إشارة صغيرة وإصلاحها في حالة وجود أي مشكلات تقنية. تم أيضًا تجنيد جنود آخرين من حرس الحدود لنقل الرموز السرية عبر الخطوط.
بالتالي، مبادرة شفرة النصر كانت تهدف إلى تحقيق التواصل السري والآمن وتوفير المعلومات الحيوية للقيادة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973.