شهدت العلاقات بين مصر فرنسا تطورا كبيرا منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في عام 2014 انطلاقا من إرادة سياسية مشتركة، وحرصا من جانب قيادتي البلدين على تعزيزها والدفع بها إلى آفاق أرحب في ضوء الثقل الذي تتمتع به الدولتان الصديقتان.
زيارة وزيرة خارجية فرنسا
الدبلوماسية المصرية التي وضع الرئيس السيسي خطوطها منذ توليه الحكم نجحت على مدار السنوات التسع الأخيرة في تحقيق انطلاقة جديدة لتعزيز وترسيخ ثقل مصر ودورها المحوري إقليميا ودوليا واستعادة مكانتها ودورها لصالح الشعب المصري.
[[system-code:ad:autoads]]
"إن مصر تدير علاقاتها الخارجية إقليميا ودوليا بثوابت راسخة ومستقرة، قائمة على الاحترام المتبادل والجنوح للسلام وإعلاء قواعد القانون الدولي".. تلك هي محددات السياسة الخارجية التي أكد عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فالسياسة الخارجية المصرية شهدت نشاطا مكثفا خلال هذه الفترة حيث ارتكزت على الحفاظ على المصالح الوطنية وتحقيق التوازن والتنوع في علاقتها مع مختلف دول العالم شرقا وغربا وفتح آفاق جديدة للتعاون من مبادىء السياسة المصرية القائمة على تعزيز السلام والاستقرار في المحيط العربي والإقليمي والدولي، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل وتعزيز التضامن، والتمسك بمبادىء القانون الدولي.
وكانت الروابط بين القاهرة وباريس شاهدا على طفرة كبيرة تحققت على مدار الأعوام التسعة في كافة المجالات انطلاقا من محورية تلك العلاقات وأهميتها والرغبة المتبادلة في المزيد من الارتقاء بآفاق التعاون الثنائي خاصة في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية وفي مواصلة التنسيق المشترك حيال كافة القضايا والملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وبدأت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا فى اليوم الأربعاء زيارة رسمية إلى القاهرة تستغرق يومين، وتلتقي الوزيرة كولونا خلال الزيارة بعدد من المسئولين المصريين من بينهم وزير الخارجية سامح شكرى.
وذكرت الخارجية الفرنسية - فى بيان صحفى وزعته السفارة الفرنسية بالقاهرة - أن المباحثات تتناول تداعيات الحرب الروسية فى أوكرانيا، خاصة على الأمن الغذائي العالمي، بالاضافة الى المبادرات التي اتخذتها فرنسا لمساعدة البلدان الأكثر تضررا من الاضطرابات الناجمة بالأسواق الزراعية.
وتناقش الوزيرة مع المسئولين المصريين سبل توفير حلول سياسية دائمة للأزمات التي تؤثر على المنطقة، خاصة في السودان وليبيا والأراضي الفلسطينية ولبنان.
وفي أعقاب استضافة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27) في شرم الشيخ في نوفمبر 2022 ومشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة ميثاق مالي عالمي جديد في يونيو الماضي في باريس، ستبحث الوزيرة ونظيرها المصرى تعزيز التعاون بين فرنسا ومصر في القضايا العالمية ولا سيما فيما يتعلق بتمويل التحول المناخي.
ومن جانبه، الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن العلاقات المصرية الفرنسية تكتسب كل يوم زخمًا جديدًا في ظل وجود إرادة سياسية من البلدين لتعظيم هذه العلاقات، بالإضافة إلى الاستفادة من الموارد والإمكانيات المتاحة، مضيفاً أن العلاقات المصرية الفرنسية متميزة وتحظى باهتمام كبير، مشيرا إلى أن الروابط التاريخية ممتدة بين مصر وفرنسا.
وأضاف في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هناك تاريخ طويل من التعاون المصري الفرنسي في كل المجالات وبلغ حجم الاستثمار الفرنسي في مصر 5 مليار يورو، فضلا عن أن التعاون التجاري كبير وبلغ 3 مليار دولار في 2020 ، مشيرًا إلى أن فرنسا تحتل المرتبة 12 في قائمة الشركاء التجاريين المصريين.
وتابع أن هناك 168 شركة فرنسية تعمل في مصر يعمل بها 40 ألف مصري، موضحاً أن أسباب التعاون الكبير نرصد من خلالها أن مصر تصدر لفرنسا الكثير من السلع والمنتجات وأشهرها أسمدة وزيوت عطرية ومصر تستورد من فرنسا منتجات مميزة من معدات صيدلية وحبوب وآلات ومنتجات الالبان.
واختتم قائلاً إن هناك تعاون متنوع وحديث في مجالات عدة ومصر تستفيد من الخبرة الفرنسية في كثير من المشروعات، مؤكدًا أن فرنسا من الدول المساندة لمصر في كافة المؤسسات الدولية.
ويحرص الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تكثيف الاتصالات واللقاءات والقمم بغية الارتقاء بالعلاقات المتميزة واستمرار التنسيق المشترك وتبادل الرؤى حيال الأزمات التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق ومستقبل القضية الفلسطينية بخلاف ملف الإرهاب أو تلك الأزمات المستجدة وعلى رأسها الغذاء والطاقة.
تنسيق وثيق على كافة المستويات بين القاهرة وباريس حيال كافة القضايا محل الاهتمام المشترك والزيارات المتبادلة والاتصالات المستمرة بين الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي، وكان آخرها المباحثات التي عقدها الزعيمان على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة والذي عقد بالأردن نهاية العام الماضي.
العلاقات المصرية الفرنسية
كما استقبل الرئيس السيسي في شهر نوفمبر 2022، الرئيس الفرنسى على هامش انعقاد قمة المناخ بشرم الشيخ، حيث أشاد الرئيس السيسي، خلال اللقاء، بتطور العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة المجالات، معربا عن تطلع مصر لتعزيز التنسيق السياسي وتبادل وجهات النظر مع فرنسا إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً ما يتعلق بقضايا أمن الغذاء وأمن الطاقة، والقطاعات التي تتمتع فيها فرنسا بتميز مثل النقل وصناعة السيارات الكهربائية.
من جانبه، أعرب الرئيس الفرنسي عن تقدير بلاده لمصر، مثمناً في هذا الإطار الروابط الوثيقة بين مصر وفرنسا وعمق أواصر الصداقة التي تجمع بين البلدين، مشيداً بالزخم غير المسبوق الذي تشهده العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ مؤخراً في مختلف المجالات، لاسيما على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية.
كما أشاد الرئيس الفرنسي بالنجاح اللافت لمصر في تنظيم حدث عالمي ضخم بحجم قمة المناخ، مؤكداً حرص بلاده على التنسيق والتشاور المكثف مع مصر كأحد أهم شركائها في المنطقة، ومثمناً دورها في إرساء دعائم الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط والقارة الإفريقية.
وشهدت التسع سنوات الماضية زيارات رئاسية متبادلة ومتعددة بين زعيمي البلدين، حيث قام الرئيس السيسي في نوفمبر 2014 بزيارة رسمية إلى فرنسا، حيث عقد لقاء مع رئيس الجمهورية الفرنسية ووزير الخارجية انذاك لوران فابيوس ووزير الدفاع انذاك جان إيف لودريان ورئيسي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.. كما قام الرئيس السيسي في أكتوبر 2017 بزيارة إلى باريس على رأس وفد رفيع المستوى، واستقبله خلالها الرئيس ماكرون وبحث الجانبان القضايا ذات الاهتمام المشترك لاسيما الأزمات الإقليمية ومكافحة الإرهاب والملفات الثنائية وسبل تعزيز العلاقات في مجالات الثقافة والتعليم.
وفي يناير 2019..زار الرئيس الفرنسي مصر.. وتركزت المباحثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي على مجمل العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا وسبل الارتقاء بها وتطوير ركائزها في مختلف المجالات ذات الأولوية، وفي مقدمتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية والتنموية والسياحية، بما يتوافق مع مستوى طموحات وتطلعات البلدين، وذلك عن طريق نقل التكنولوجيا والخبرات، والتعاون التمويلي والإنمائي، إلى جانب الاستفادة من الآفاق المتنوعة على صعيد الاستثمار والتجارة.
وتتسم العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا بالقوة وهو ما يعكسه حجم التبادل التجاري، إذ تبلغ الصادرات الفرنسية لمصر ما يقرب من 2 مليار يورو، فيما تقدر الصادرات المصرية إلى فرنسا بـ 800 مليون يورو، في الوقت الذي يسعى فيه الجانبان إلى تعظيم التعاون التجاري فيما بينهما في ضوء الإمكانات الهائلة التي تزخر بها مصر وفرنسا.
وحرص الجانبين على تعزيز التعاون فيما بينهما توج بتوقيع الاتفاق الحكومي في 13 يونيو 2021 والذي يرمي إلى تمويل فرنسا والوكالة الفرنسية للتنمية مشاريع بقيمة 8ر3 مليار يورو في الفترة ما بين 2021 و2025.
وفي إطار الروابط العميقة بين القاهرة وباريس..أطلقت الوكالة الفرنسية للتنمية في مايو 2022 استراتيجيتها الجديدة للتعاون مع مصر والتي تصل قيمتها إلى 25ر1 مليار يورو حتى عام 2025.
وتصل قيمة الالتزامات التراكمية للوكالة الفرنسية للتنمية في مصر منذ عام 2006 إلى أكثر من 1ر3 مليار يورو، كما تستند الاستراتيجية الجديدة إلى الشراكة المعززة بين الوكالة ومصر، مما يؤدي إلى حشد 25ر1 مليار يورو أخرى في السنوات القادمة.
كما شهد عام 2022 خطوة هامة في مسيرة العلاقات المصرية الفرنسية، حيث وقعت الوكالة الفرنسية للتنمية مع البنوك المصرية الرئيسية الثلاثة، وهي البنك الأهلي المصري، وبنك مصر وبنك القاهرة، اتفاقيات قروض ومنح بقيمة 150 مليون يورو لتسريع أهداف التنمية المستدامة في مصر، وذلك بدعم من الاتحاد الأوروبي.
وتتميز العلاقات المصرية الفرنسية التاريخية على المستوى الثقافي بشكل كبير حيث يعرف المواطن الفرنسي بولعه بالحضارة المصرية العريقة التي يقوم بالاطلاع عليها في إحدى مراحل الدراسة وهو ما تعكسه معدلات رحلات السياح الفرنسيين إلى مصر والتي تركز على المزارات الثقافية والتاريخية..كما يلعب المعهد الفرنسي في مصر دورا كبيرا بالأساس في تنشيط التعاون بين البلدين.
أما في مجال علم الآثار، فتتبوأ فرنسا الصدارة في هذا المجال في مصر عبر المعهد الفرنسي لعلم الآثار الشرقية (IFAO)، والمركز الفرنسي المصري لدراسات معابد الكرنك، ومركز الدراسات الإسكندرانية، والبعثات الأثرية الفرنسية في مصر.
وشائج تاريخية وجسور تواصل ممتدة وحرص من القيادتين على مواصلة ترسيخ الشراكة الاستراتيجية والتعاون القائم بينهما بما يحقق مصالح الشعبين والبلدين.. وآفاق رحبة في انتظار العلاقات بين القاهرة وباريس خاصة في ضوء النهضة السياسية والاقتصادية التي تشهدها مصر حاليا والمشروعات الضخمة غير المسبوقة التي تشيدها في عصر الجمهورية الجديدة.