الإمارات اليوم هى أوروبا العرب.. ودبي لها عشاق من كل أنحاء العالم .. وهى بلد من أشد البلاد قدرة على استغلال موانيها وقدراتها البشرية أحسن استغلال.. ولا شك أن العلاقة بين مصر وبينها من شأنها أن تصبح مصدر قوة ورخاء للجانبين.
علاقات تاريخية ممتدة
امتازت العلاقة بين مصر والإمارات بالقوة والديمومة منذ الأيام الأولى لتأسيس اتحاد دولة الإمارات وحملت آفاقاً متنوعة ومتعددة واعتمدت العلاقات آنذاك على رؤية الشيخ زايد بن سلطان إلى مصر باعتبارها قلب الأمة العربية النابض والسند والداعم لقضايا العرب على مختلف الأصعدة.
وعلى الناحية الأخرى ظلت نظرة مصر للإمارات الشقيقة ثابتة باعتبارها رمز للأخوة والتسامح بين الأشقاء العرب وأنها جزء لا يتجزأ من الاستقرار والسلام فى منطقتنا العربية وذات دور مؤثر ومحورى فى قضايا الشأن العربي ككل. ولعل من أهم ركائز تلك العلاقة الطويلة المثمرة المحور الاقتصادى.. والمتتبع لهذا المحور ومدى تأثيره على تعميق أواصر العلاقات بين البلدين شعباً وحكومة فلسوف يدرك حجم قوة العلاقة ومتانتها بينهما.
فمنذ بداية اكتشاف النفط فى الإمارات وبداية حركة النهضة والعمران بين ربوعها أصبحت مقصداً لتدفق العمالة المصرية بكثافة، ثم ما لبثت العلاقات أن اتخذت منحى جديداً بدخول الإمارات فى عالم الاستثمار الدولي فى عدة مجالات فتحولت العلاقة الاقتصادية بينها وبين مصر إلى علاقة شراكة استراتيجية كاملة مما خلق فرصاً ضخمة للاستثمار والعمل المتبادل.
لطالما اهتمت الإمارات باستقدام الخبرات المصرية خاصةً فى بدايات قيامها كدولة قوية مؤثرة، وقد بادرت مصر بإرسال بعثات متوالية ضمت المعلمين والمهندسين والأطباء كما استقبلت كثيراً من أبناء الإمارات من الراغبين فى التعلم والتدريب لنقل الخبرات هناك.
اليد البيضاء للإمارات
حفظ الشيخ زايد الجميل لمصر وحرص على رده لها أضعافا.. وظهر ذلك فيما بادر به من مشاركة فى إعادة إعمار لمدن قناة السويس بعد العدوان الثلاثي واستمراره لدعم مصر أثناء حرب الكرامة أكتوبر 73 وتكريمه للسادات بمنحه وشاح آل نهيان، وكان السادات يري فى شخص الشيخ زايد نعم الحليف الصادق الوفاء. وظل عطاء الشيخ زايد متواصلاً على عهد الرئيس مبارك حتى أنك تجد اليوم كثيراً من المشروعات والشوارع الكبري فى القاهرة وما حولها تحمل اسم الشيخ زايد تقديراً لما بذله تجاه مصر.
اليوم نرى كيف يسير الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات على نهج أبيه فيضع مصر فى مقدمة أولويات علاقاته الدولية، ويختصها بأهم وأكبر استثماراته ومشاريعه .. إذ وصل حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين مصر والإمارات خلال النصف الأول من 2022 إلى أكثر من 14 مليار درهم . ولقد حلت دولة الإمارات فى المرتبة الأولى من بين دول العالم المستثمرة في مصر، وسجلت قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر ارتفاعًا لتصل إلى 1.9 مليار دولار خلال العام المالي 2019-2020 مقابل 712.6 مليون دولار خلال العام المالي 2018-2019 بنسبة ارتفاع قدرها 169.1%.
لهذا تمثل دولة الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، فيما تعد مصر خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة غير النفطية، وتستحوذ على 5.2% من إجمالي تجارتها غير النفطية مع الدول العربية..و على صعيد الاستثمارات تعد الإمارات أكبر مستثمر في مصر عربياً، برصيد استثمارات تراكمي يزيد عن 16 مليار دولار (ما يعادل 59 مليار درهم).
إن عدد الشركات الإماراتية التي تعمل داخل مصر اليوم يزيد عن 1300 شركة فى مختلف القطاعات والأنشطة التجارية كقطاعات الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي.
هذا ويتصدر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الاستثمارات الإماراتية في مصر بنحو 55 شركة واستثمارات تبلغ 2 مليار دولار، وتليها القطاع التمويل التي تبلغ استثماراته 1.700 مليار دولار بـ 49 شركة مؤسسة، ويأتي القطاع الإنشائي في المرتبة الثالثة باستثمارات 814 مليون دولار بعدد شركات مؤسسة 118 شركة، وحلت الاستثمارات الصناعية رابعاً بعدد شركات مؤسسة 131 شركة واستثمارات 544 مليون دولار.
وجاءت الاستثمارات في القطاع الخدمي المرتبة الخامسة بإجمالي 343 مليون دولار و275 شركة. وحلت الاستثمارات السياحية سادساً بعدد شركات 48 شركة باستثمارات 260 مليون دولار.
مستقبل العلاقات مع الإمارات
الفرص الضخمة التى تولدت من جراء توطيد العلاقات المصرية الإمارتية يمكن لها أن تدخل مرحلة جديدة من التنامى والتطور أضعاف ما هى عليه الآن ..دعونا أولاً نفهم لمحة من طبيعة الاقتصاد الإماراتي حتى ندرك أهمية علاقة مصر معها اقتصاديا.
تعداد سكان الإمارات يبلغ نحو نصف سكان العاصمة المصرية أقل من ثلثهم إماراتيون أصليون بينما باقى السكان الدائمون هم من جنسيات آسيوية وأوروبية مختلفة ونسبة قليلة من المصريين والعرب.
هؤلاء يعيشون على مساحة من الأرض تبلغ حوالى 85 ألف كم2 وينعمون بمستوى معيشي مرتفع؛ إذ تحتل الإمارات المرتبة 40 عالمياً فى مستوى دخل الفرد. والمستوى 22 فى أسعار صرف العملة وهى ثانى أكبر دولة فى القوة الشرائية للفرد الواحد. والإمارات عضو مؤسس لمجلس التعاون الخليجى وهى عضو فى منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة أوبك ومنظمة التجارة العالمية، ومؤخرا انضمت لمجموعة البريكس.
فى بدايات نشأة دولة الإمارات كان اعتمادها الأكبر على عائدات النفط ومن قبلها عائدات استخراج اللؤلؤ. لكن نهضتها السريعة الأخيرة اعتمدت على طرق واستراتيجيات أخرى أهمها تشجيع الاستثمار الحر وإتاحة الفرصة لرجال الأعمال وللأموال لحرية التحرك فيما يعرف بالاقتصاد المفتوح المرتكز على تنويع الموارد وتنشيط القطاع الخاص وتطوير البنية التحتية باستمرار على طراز عالمي يجتذب رؤوس الأموال من كل مكان بالعالم. لهذا وصلت معدلات النمو الاقتصادي بالإمارات إلى نسبة تزيد عن 4% . تلك المؤشرات المتفوقة فى مجال الاقتصاد أهلت الإمارات لتلعب أدواراً لا يستهان بها فى مجال السياسة الدولية بل وفى مجالات أخرى عديدة رياضية وثقافية وإعلامية . إنها تجربة فريدة قامت بها الإمارات. ولاشك أن توحدها مع مصر فى الأهداف والاتجاهات يوحد طريقهما ورؤيتهما للمستقبل.
مستقبل طموح
الاستثمارات المشتركة بين الجانبين المصري والإماراتي وصلت إلى نحو 300 مليار دولار، طبقا لبعض التقديرات وهو حجم هائل يضع الإمارات على قمة قائمة أهم المستثمرين فى مصر، تلك الأرقام مرشحة للزيادة والتضاعف خلال الفترة القادمة، لا سيما وأن رؤية 2030 لكلا البلدين، تتماس وتتقاطع فى كثير من محاورها، كما أن مسارات السياسة واستراتيجيات التنمية لدى البلدين متطابقة إلى حد بعيد.