الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما المقصود بقوله تعالى:«إنه كان ظلوما جهولا».. وهل تكليف الإنسان تخييريا؟

المقصود بقوله تعالى
المقصود بقوله تعالى إنه كان ظلومًا جهولًا

ما المقصود بقوله تعالى:«إنه كان ظلوما جهولا»، سؤال أوضحه الدكتور محمد قاسم المنسي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة خلال حديثه عن الاصطفاء التكليفي في قول الحق تبارك وتعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا". 

المقصود بقوله تعالى: إنه كان ظلوما جهولا

وقال المنسي من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: لم يخل مشهد التكليف العظيم  للإنسان من دلالات مهمة، منها :

1- أن أحد مقاصده إظهار فضل الله على الإنسان وتميزه عن غيره من المخلوقات الثلاثة: السموات والأرض والجبال، وهو فضل نظر الله فيه إلى ضعف الإنسان وقصور علمه وقصر عمره وتعرضه للكثير من الضغوط والنزاعات والصراعات، ولكنه مع هذا سيختار طريقه، ويجاهد ميوله ورغباته، ويقاوم شهواته ويسعي إلى الله بارادته واختياره، موضحا كان من الممكن أن يصدر الأمر الإلهي بتكليف الإنسان  دون حاجة إلى عرض الأمر على مخلوقات أخرى، لاسيما وأن هذه المخلوقات الأخرى أضخم من حيث الحجم والكثافة، وأنها تعرف ربها معرفة كاملة، وأنها تؤدي وظيفتها بحكم خلقتها وطبيعتها، دون إدراك منها أو اختيار، بالمقارنة بالانسان، ومن هنا تكون في الظاهر أحق بمنصب الخلافة والتكليف من الإنسان أو علي الاقل أحق بعرض الأمر عليها قبل عرضه علي الانسان.

2- وتابع: مما يؤيد الدلالة السابقة، وهي دلالة اظهار فضل الله على الإنسان، ما ذكره القرآن الكريم بشأن الإنسان في مواضع مختلفة :

ومن ذلك ما يعرف بمشهد الميثاق أو آية الميثاق، والتي جاء فيها قوله تعالي :
وإذ أخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي  شهدنا...). 

ومن ذلك أيضا ما يعرف بمشهد سجود الملائكة لآدم في قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا...). 

وكذلك مشهد التكريم الإلهي لبني آدم الذي ورد في قوله تعالي :(ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضىلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا )،  فكل هذه الآيات والمشاهد دالة على ما سوف يختص به جنس الإنسان وينفرد به، عن غيره من المخلوقات. 

3- أن اختيار الإنسان لهذه المهمة، لم يكن مرهونا بموافقته، لأن الأمر في النهاية كان مرهونا بإرادة الله الذي خلق الإنسان وسواه،  وأعطاه ما يتناسب مع هذه المهمة من الإرادة والإدراك والمحاولة وحمل التبعة والمسؤولية، ومن هنا كان ابن عاشور موفقا في تفسيره عندما قال: أن جملة (أنه كان ظلومًا جهولًا) ليست تعليلية لأن تحمل الأمانة لم يكن باختيار الانسان فكيف يعلل بأن حمله الامانة من أجل ظلمه وجهله.

ويضيف ابن عاشور إلى ماسبق قوله: فمعني (كان ظلومًا جهولا) أنه قصر في الوفاء بحق ما تحمله  تقصيرا : بعضه عن عمد، وهو المعبر عنه بوصف ظلوم ، وبعضه عن تفريط في الأخذ بأسباب الوفاء وهو المعبر عنه بكونه جهولا...ما لم يعصمه وازع الدين، فكان من ظلمه وجهله أن اضاع كثير من الناس الأمانة التي حملوها. 

أما العقاد فقد فسر الظلم والجهل على النحو الآتي: وما من كائن غير الكائن العاقل يوصف بالظلم أو الجهل ، لأنه لا يعرف الحد الذي يتعداه، وإنما يوصف بالظلم والجهل من يصح أن يوصف بالعدل والمعرفة.

يقول المنسي: ما أجمل وأعمق هذه العبارة من العقاد: (يصح أن يوصف بالظلم والجهل من يصح أن يوصف بالعدل والمعرفة ) لأن الاستعداد موجود بالفطرة للسير في أحد الطريقين لقوله تعالي (وهديناه النجدين)اي الطريقين : الظلم والجهل أو العدل والمعرفة ، فهو الذي يختار ، وهو الذي يتحمل عاقبة اختياره.

أما فعل (كان) في الجملة فهو كما ذكر ابن عاشور، إشارة إلى أن ظلم الانسان وجهله وصفان متأصلان في الانسان لأنهما الغالبان على أفراده، الملازمان لها (الفطرة) كثرة أو قلة، ولأن الكينونة هنا ترجع إلى عنصر الجبلة والطبيعة ولا ترجع إلى عنصر الزمنية، وصيغتا المبالغة (ظلوما جهولا)منظور فيهما إلى الكثرة والشدة في أكثر أفراد النوع الإنساني، والحكم الذي يسلط على الأنواع والأجناس والقبائل يراعي فيه الغالب اي أغلبية الافراد، وخاصة في مقام التحذير والترهيب). 

5-كذلك أن حكمة الله قد اقتضت ان يختص الانسان بحمل الأمانة ليتحمل عاقبة اختياره، وليكون جزاؤه من عمله، وهو يعرف الله بادراكه وشعوره،  ويطيع الله بإرادته، ويجاهد نفسه، ويقاوم انحرافاته ، وهو في كل خطوة من خطواته يتصف بالإرادة والوعي ، يختار طريقه وهو يعلم إلى أين سياخذه هذا الطريق .

6- كما أفادت هذه الآية سنة عظيمة من سنن الله تعالي في تكوين العالم ومافيه، وبخاصة الانسان، وهي سنة العرض، ليراقب الناس في معاملاتهم لبعضهم البعض ربهم، فيعرضوا أعمالهم علي موازين الله واحكامه، ويدركوا سبب تفضيل بعضهم على بعض، واصطفاء بعضهم من بين بعض، رغم أن كثيرا منهم يظلم نفسه ، وأعظم ظلم للنفس أن يمشى الإنسان في طريق الحياة علي غير هدي وبصيرة، فيكون أمره وشأنه فرطا وشقاء وتكون حياته و معيشته ضنكا كما أخبر القرآن الكريم .