على مدى أسابيع طويلة، قبل انطلاق الحوار الوطني وفور الدعوة له في العام الماضي من جانب الرئيس السيسي، كان الهجوم من جانب المنصات الخارجية والإخوانية على الحوار الوطني الذي لم يكن قد ظهر بعد، ضاريًا. وكان ذلك شيئا غريبًا لأننا لم نكن آنذاك قد رأينا شيئا لنهاجمه أو لنعترض عليه.
واليوم وبعد انطلاق الحوار الوطني وانتظامه، على مدى الشهور الماضية، فإن الهجوم من جانب هؤلاء الأشرار أصبح أشد ضراوة. صحيح أن برامجهم لا تدخل من قريب أو بعيد في باب العمل الإعلامي، ولكنها بذاءات وسفالات تملأ الفضاء ضد الدولة المصرية في العموم، وضد الحوار الوطني في هذه المرحلة بالخصوص. والهدف لهؤلاء الأوغاد بالطبع معروف، فهؤلاء لايريدون توحدا وطنيا على قضية بعينها. والحوار الوطني بكل هذه القوى السياسية والوطنية والحزبية والأكاديميين والخبراء والمختصين يحرجهم ويُعري مواقف "جماعتهم الإرهابية الظلامية". فهم لا يريدون وطنا، يتناقش حول قضايا حاضره ويخطط لمستقبله، وبحضور كل تياراته السياسية والوطنية ونخبته – وهؤلاء لم نخترعهم.
والحقيقة أن الدعوة للحوار الوطني، جاءت في وقتها تمامًا من جانب الرئيس السيسي. فبعد 9 سنوات في الحكم، ووسط أزمات داخلية وخارجية وعواصف لا تخفي على أحد تطالنا وتطال الآخرين، حان للوطن أن يجتمع في حوارشامل عما يشغله اليوم في حاضره، وما يجهز له في المستقبل. وهذه حالة وطنية وفكرية ناضجة، ليس عليها أي غبار سوى من منصات الخبثاء والمأجورين والمرضى.
وإذا كان علينا أن نتوقف أمام بعض ما يناقشه الحوار الوطني، فلنحكم بتجرد على مجريات جلساته ومناقشاتها ويمكن تلخيص ذلك في نقاط معدودة:-
-الحوار الوطني يناقش 113 قضية مختلفة بحضور كامل القوى الوطنية السياسية والحزبية المصرية، في ثلاثة محاور رئيسية هى المحور السياسي والاقتصادي والمجتمعي.
-الحوار الوطني يقترب من قضايا خطيرة وساخنة مثل الوضع الاقتصادي والديون وبيئة الاستثمار بصراحة واضحة، ولايمكن أن أنسى ما تكشف خلال الأسبوع الماضي من نقاشات في منتهى القوة والجرأة في المحور الاقتصادي، عما يواجه مصر، وطريقة تعامل الوطن في قضية الديون، وتم نشر ذلك علانية، وسترفع توصية بخصوصه الفترة المقبلة. كما لا يمكن أن نتجاهل نقاشات أكثر سخونة وجدية حول النظام الانتخابي والقائمة النسبية والمغلقة والأفضل للوطن في الفترة المقبلة وانتخابات المحليات، والحديث عن فتح قانون الأحوال الشخصية للنقاش العام وغيرها من القضايا الخطيرة.
-بصراحة الحوار الوطني محطة شديدة الأهمية كان ولا يزال يحتاجها الوطن، وللذين يثيرون الغبار حول جدية جلساته أو يشككون فيها "عمال على بطّال"، كما يقولون، لايعلمون كأغبياء أو يتعامون، عن أن توصيات هذا الحوار الوطني ترفع للقيادة السياسية مباشرة، أى ترفع لصانع القرار، أي أن ما تتفق عليه هذه القوى السياسية والوطنية والحزبية والأكاديمية، التي لا تعجبهم أو يعترضون عليها أو يشككون فيها، بنظرتهم الخببيثة ورؤاهم المريضة والتأمرية، وحربهم المستعرّة، ستتحول إلى قرارات وسياسات تصيغ المستقبل.
-فالحوار الوطني ليس ثرثرة كما يتوهمون ويكذبون، ولكنه نقاش وطني رفيع على أعلى مستوى وستدخل توصياته إلى دائرة صنع القرار.
- وفي هذا أسجل إعجابي بكثير من تصريحات المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان ومنها قوله، إنه ليس هناك خطوط حمراء، وهذا تبين صدقه تماما وكل القضايا والانتقادات توجه للحكومة وسياساتها بكل جرأة، كما توجه للعديد من قراراتها الإشادة والتحية.
-الحوار الوطني ليس منصة للمعارضة، كما يتوهم المتأمرون، ولكنه دائرة واسعة للتوافق الوطني ومن مئات المشاركين فيه حول أزمات الوطن ومشاكله وأحلامه. ولا يمكن لمغرض أو متأمر أو لحاقد أن ينسى أو ينكر، ما يراه الكثيرون تحقق بالفعل على أرض الواقع من مشاريع وخطوات بناء وإنجازات. فالبلد لم تقف مكانها السنوات الماضية، ولكنها تحركت في اتجاهات عدة للبناء ومواجهة التحديات. كما أن الحوار الوطني سيظل حوارا شاملا ومهما ومحطة سياسية ليس لها بديل في المجال العام، ولها كثير من التقدير. ولا يعيب الحوار الوطني أبدا، أنه لا يتواجد فيه "إخوان إرهابيون"، لأنه لم يعرف أبدا عن بلد أن دعا أعداؤه لحضور نقاشات ورؤى حول حاضره ومستقبله على مائدته.
-والسؤال الموضوعي.. هل كان يتصور هؤلاء الموهومون أن تتم دعوة أعداء لم يتراجعوا ولم يراجعوا أنفسهم ولم تخرج منهم أي دعوة للصفح والغفران والاعتذار للمصريين أو لتصحيح مسارهم!!،هم للأسف على مرضهم وحقدهم وعداءهم، ولم يتغيروا طيلة هذه السنوات.
-الحوار الوطني خطوة ضخمة في المجال العام، شاء من شاء وأبى من أبى لأنه واقع وليس خيال. توصيات ستترجم لسياسات، وليس سفالات وبذاءات للهدم والإساءة.
وأخيرا.. ليكن الحفاظ على استقرار الوطن أسمى الغايات، ولنتذكر جميعا وبحيادية تامة ما حدث لأوطان عربية دمرها ما سمى بالربيع العربي، وآخرى عصف بها الخريف في أوقات لاحقة، ولم تكن في الدفعة الأولى عام 2011، ولكنها جاءت بعد ذلك وهى أمامنا جميعا مثل لبنان والسودان.
دامت مصر وطنا آمنا لأهله... والسلام.