لن يرحم التاريخ أحدًا كان سببا في المأساة التي يعيشها أبناء السودان، بعد أن وصلت المأساة الإنسانية إلى مرحلة غاية في الصعوبة، فالمشارح امتلأت بالجثث، فتركت آلاف الجثث الأخرى بالشوارع حتى تعفنت وتحللت، فيما يعاني أكثر من 14 مليون طفل حالات إنسانية كارثية، وأكبر مؤسسة معنية بحقوق الإنسان تعلن عن حالة العجز التي تعاني منها في محاولة تقديم يد العون لهؤلاء الأطفال، كل ذلك يتم، وآلة الحرب لا تتوقف، وتستعر شرارة المعارك بكل أراضي السودان.
ومع اقتراب الحرب في السودان من أربعة أشهر من القتال العنيف، وصلت المشارح في العاصمة الخرطوم إلى كامل طاقتها، كما يقول عمال الإغاثة، تاركة آلاف الجثث تتعفن في الشوارع بينما يحذر الأطباء ومنظمات الإغاثة من تفشي وباء الكوليرا الذي يلوح في الأفق، فيما قالت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية إن مشرحة الخرطوم وصلت إلى " نقطة الانهيار"، والقتال لا يتوقف، وهنا نرصد تلك الأوضاع الكارثية، كما جاء بتقرير صحيفةcnn الأمريكية.
سواء بالشوارع أو بالمشارح .. كافة الجثث تتحل قبل دفنها
وبحسب ما جاء بالصحيفة الأمريكية، فإن جميع الجثث تتعفن وتحلل بالسودان قبل دفنها، حيث إن الجثث في المشرحة تتحلل أيضًا بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وتركها بدون تبريد، كما لم يبقَ أي طاقم طبي، تاركين الجثث مكشوفة وغير معالجة،وتعد تلك الكارثة الأحدث والأخطر بعد أشهر من الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي اندلعت في منتصف أبريل، ومعركة الطرفان للسيطرة على العاصمة الخرطوم.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الشهر الماضي، نقلاً عن بيانات من وزارة الصحة الفيدرالية، أن أعمال العنف أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1105 أشخاص وإصابة 12115 حتى 11 يوليو، فيما قالت إن الأرقام الفعلية من المرجح أن تكون أعلى من ذلك بكثير، فيما قالت اليونيسيف إن 435 طفلاً على الأقل قتلوا وأصيب 2025 آخرون على الأقل، وفي المتوسط ، يُقتل طفل أو يُصاب كل ساعة ، حسب تقديرات هيئة الأمم المتحدة.
أنقذوا الأطفال فهم أمل المستقبل .. والكوليرا قادمة
ودائما ما يكون الأمل في المستقبل للأطفال، لذلك أطلقت منظمة اليونيسف، بإطلاق حملة تحت شعار "أنقذوا الأطفال بالسودان"، وقالت في بيان لها: "مزيج مرعب من أعداد متزايدة من الجثث ونقص حاد في المياه وعدم عمل خدمات النظافة والصرف الصحي ونقص خيارات معالجة المياه ، تثير مخاوف من تفشي وباء الكوليرا في المدينة، فغالبًا ما ينتشر المرض في مناطق الحرب وينتشر بسرعة من خلال المياه الملوثة"، وذكرت منظمة الإغاثة، أن السودان يشهد عادة ارتفاعًا في حالات الكوليرا خلال موسم الأمطار السنوي، الذي بدأ في يونيو، لكن الغياب الحالي لمختبرات الصحة العامة العاملة يجعل من "الصعب تقييم حالة الأزمة".
وأوضحت المنظمة، أنه يمكن للكوليرا أن تقتل في غضون ساعات إذا تركت دون علاج، فمعظم المستشفيات في العاصمة والولايات الأخرى خارج الخدمة، لذلك يدق العاملون الطبيون السودانيون ناقوس الخطر بشأن تفشي المرض الذي يلوح في الأفق، فيما حذر عبد الله عطية عضو نقابة الأطباء السودانيين في مقابلة مع قناة العربية الإخبارية الأسبوع الماضي من "أمراض وكوارث وبائية" وسط اكتظاظ المشارح، وقال مدير صحة وتغذية الأطفال، في بيان أمس الثلاثاء: "إن عدم القدرة على دفن الموتى بكرامة هو عنصر آخر من معاناة الأسر في الخرطوم، فنحن نشهد أزمة صحية في طور التكوين، بالإضافة إلى أزمة حزن وخوف وألم".
14مليون طفل يعانون و20 مليون على مشارف الجوع
من جانبها حذرت وكالة الأطفال التابعة للأمم المتحدة من أن 14 مليون طفل في "حاجة ماسة" للدعم الإنساني في السودان، حيث يؤدي الصراع الدامي في البلاد إلى تفاقم أزمة الجوع، وبحسب ماقال نائب المدير التنفيذي لليونيسف، تيد شيبان، فإن ما يقرب من 14 مليون طفل - وهو رقم يعادل تقريبًا كل طفل في كولومبيا أو فرنسا أو ألمانيا أو تايلاند - في حاجة ماسة إلى الدعم الإنساني، وتلك تعد أرقاما صادمة.
وأوضح أن أكثر من 1.7 مليون طفل في السودان أجبروا على ترك منازلهم وهم يواجهون مخاطر الجوع والمرض والعنف والانفصال الأسري، وهذا بالإضافة إلى 1.9 مليون طفل نزحوا بالفعل في السودان قبل الأزمة الأخيرة، فيما يعاني ثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية، ويتعرض 700000 طفل لخطر سوء التغذية الحاد والوفيات، وأضاف شيبان أن 1.7 مليون طفل دون سن الواحدة معرضون لخطر فقدان التطعيمات المهمة ، مما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض.
ومنذ اندلاع الصراع في السودان في منتصف أبريل ، قُتل ما لا يقل عن 435 طفلاً وأصيب أكثر من 2025 آخرين ، وفقًا لليونيسف، فيماحذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 20 مليون شخص في السودان يواجهون جوعًا حادًا، وهو رقم تضاعف تقريبًا منذ العام الماضي.
كل تلك المعاناة والقتال يتصاعد
ولم تكن المعاناة كافية لتؤثر على قادة الحرب بالسودان، وقد تصاعد الصراع مرة أخرى هذا الأسبوع، حيث ادعت كلتا القوتين المتنافستين أنها ألحقت أضرارًا جسيمة بالآخر، ولا تلوح في الأفق اختراقات حاسمة أو محادثات سلام، وقال سكان أم درمان، شمال الخرطوم، إن القتال اشتد أمس الثلاثاء، قائلين إنهم سمعوا نيران المدفعية الثقيلة والقصف خلال الليل، حيث بدأ الجيش السوداني بقصف محطات الدعم السريع المنتشرة في أحياء مختلفة، فيما ردت عليها قوات الدعم السريع بقصف منازل المدنيين ومناطق بالصواريخ المضادة للطائرات، وذلك بحسب الصحيفة الأمريكية.
فيما ترك القتال الخرطوم في حالة خراب، حيث فر أكثر من 4 ملايين شخص من العنف في جميع أنحاء السودان منذ اندلاع القتال، وفرّ أكثر من نصفهم من العاصمة وحدها، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، كما تم دفع حوالي 20.3 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد - أكثر من 42٪ من سكانها - إلى مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقًا للتصنيف المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، ويُنظر إلى الاشتباكات على أنها صراع على السلطة بين الحاكم العسكري للسودان، رئيس القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، والجنرال محمد حمدان دقلو (المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي) ، نائب البلاد ورئيس الدعم السريع.