ينطلق تجمع "البريكس" في نسخته الـ 15 خلال الفترة من 22 الي 24 من أغسطس الجاري، وتقوم جنوب أفريقيا باستعدادات مكثفة لاستضافة هذه القمة إذ تتوجه الأنظار إلى القمة التي تكتسب زخما شديدا في خضم تغيرات سياسية واقتصادية عالمية تشكل عالما متعدد الأقطاب.
القضاء على الدولار
وبدأت جنوب أفريقيا استعداداتها للقمة المرتقبة التي تعد من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، إذ يمثل التجمع نحو 30% من حجم الاقتصاد العالمي، و26% من مساحة العالم و43% من سكان العالم، وتنتج أكثر من ثلث انتاج الحبوب في العالم.
[[system-code:ad:autoads]]
وتجعل التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة من قمة "بريكس" هذا العام أهمية غير مسبوقة فمنذ بداية الحرب الأوكرانية يتجه العالم بشكل ملحوظ نحو عالم متعدد الأقطاب، ما جعل مجموعة بريكس بمثابة تحالف دبلوماسي، وممول تزداد أهميته للتنمية في دول عديدة.
وتشبه مجموعة بريكس مجموعة العشرين في تمثيلها في تحرك نحو عالم متعدد الأقطاب، والابتعاد عن عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، ما يتجلى ذلك من خلال منظمة مثل مجموعة السبع والبنك الدولي، حيث يوجد عدة مكتسبات اقتصادية تكتسبها الدول التي انضمت إلى البريكس، لعل أبرزها، الفوائد المخفضة على القروض الدولية إذا ما قورنت بصندوق النقد الدولي.
ورغم الامتيازات الاقتصادية، إلا أن المراقبين يرون أن مجموعة دول بريكس تمثل قوة سياسية أكثر منها اقتصادية، خاصة في ظل التكتلات العالمية الكبرى والتي جعلت المشهد السياسي يتشكل من جديد.
سيناقش تحالف دول البريكس استخدام العملات المحلية في المعاملات عبر الحدود في القمة هذا الشهر، وستدرس الكتلة المكونة من خمس دول طرقًا لتقوية اقتصاداتها المحلية من خلال استخدام عملاتها المحلية و تهدف مجموعة البريكس إلى القضاء على الدولار الأمريكي للتجارة العالمية وبدء تحويلات الواردات والصادرات باستخدام المناقصات المحلية.
أكد سفير جنوب إفريقيا أنيل سوكلال أن التحالف سيناقش الأمور المتعلقة بالعملات المحلية، أشار التطور إلى أن دول البريكس جادة في تهميش الدولار الأمريكي وتهدف إلى إبقاء العملات المحلية في مقعد القيادة للنظام المالي العالمي.
أكد سوكلال أن “المناقشة تركز على تعميق استخدام العملات المحلية”، لذلك، ستطرح الكتلة المكونة من خمس دول عملاتها لتسوية التجارة العالمية وليس الدولار الأمريكي.
أمريكا وتعطيل انضمام الدول
ستقرر “مجموعة البريكس” مجتمعة عدد القطاعات التي سيتم فيها استخدام العملات المحلية في المعاملات الدولية، وستعزز هذه الخطوة الاقتصادات المحلية مما يمنح عملاتها المحلية دفعة قوية في أسواق الصرف الأجنبي.
سيؤدي تسوية التجارة داخل الكتلة عن طريق التخلي عن الدولار الأمريكي إلى ازدهار الأعمال في دول البريكس، وسيكون استخدام العملات المحلية داخل دول البريكس أسرع وأكثر سلاسة وفعالية من حيث التكلفة من الدولار الأمريكي.
ستعزز دول البريكس العملات المحلية وتتخلص من الدولار الأمريكي سيوفر تحالف البريكس للدول النامية الأخرى دعماً مالياً لرفع اقتصاداتها في السنوات المقبلة، إن الضغط الأمريكي على العقوبات ضد الدول النامية هو ما جعلها تتكاتف وتنهي الاعتماد على الدولار، قد تميل القوى المالية العالمية قريبًا إلى الشرق، تاركةً الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تفقد قوتها الاقتصادية.
ولم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي فكان موقف الولايات المتحدة من انضمام دول جديدة إلى (البريكس) لا يحتمل التاويل فهي تعمل دائما على تعطيل انضمام الدول إلى هذا التكتل بل وتعمل قبل ذلك على توسيع الفجوة والخلافات بين أعضاء التكتل أنفسهم.
ولا شك أن نجاح مجموعة البريكس خلال الاجتماع المقبل ولو في إنشاء عملة احتياطية جديدة في إطار السعي للتخلص من هيمنة الدولار الأميركي سيكون أفضل بكثير من استخدام إحدى العملات المحلية لتلك الدول في المعاملات التجارية وهو الذي إن حصل سيقضي على نظام (بريتون وودز) الذي أصبحت الولايات المتحدة بموجبه لها اليد العليا في السيطرة على اقتصاد العالم حيث تم فيه اعتماد الدولار كعملة رئيسية في التبادل التجاري والاحتياط النقدي الأجنبي لدول العالم.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور رائد سلامه، الباحث الاقتصادي، إن استبدال الدولار داخل "بريكس" ربما يكون بمثابة بداية فقط على طريق تطوير ولا يعني تغيير النظام المالي العالمي.
وأوضح سلامه ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن الدولار مازال وسيظل مسيطرا بحكم تأثيره كعملة تبادل وبحكم كونه انعكاسا للاقتصاد الاضخم في العالم وبحكم كونه تعبيرا عن تركيبة علاقات سياسية واقتصادية متشابكة مازالت تتحكم في آمور كثيرة في العالم في ظل ظروف دولية استثنائية كأزمة أوكرانيا وأزمة المناخ.
فك ارتباط أمريكا بحلفائها
وتابع: لابد أن نفرق بين تحليل أي خطوة تقوم بها قوة كبرى كدول "البريكس" من خلال فهم وتحليل الواقع وبين الأماني والأحلام حتى وإن كانت مشروعة لكن من المهم ان يكون العمل لتحقيقها مبنى على فهم موضوعي للواقع.
وأضاف: من هنا يجب ان ننظر الي امرين أولا أن المجتمع الأمريكي هو مجتمع ضخم جدا حوالي 335 مليون نسمة ينتج ناتج محلى ضخم يقدر بحوالي 26 تريليون دولار وهو ما يزيد بكثير عن الناتج المحلى للصين مثلا باعتبارها القوة المنافسة لأمريكا حسب وثيقة الامن القومي الأمريكي.
ولفت: وبالتالي فنصيب المواطن الامريكي من الناتج القومي لبلاده اعلى بكثير من المواطن الصيني رغم الديون الهائلة، والمجتمع الامريكي يستهلك من خلال الاستيراد بمبالغ هائلة على خلاف الصين، وهو ما يضعه في علاقة دائمة وحيوية بكل دول العالم تستدعى توفير دولار لإتمامها خصوصا وان شبكة العلاقات الاقتصادية الامريكية تمتد لأنشطة اخرى لابد لها من ان تتم بالدولار كأنشطة الاوفشور بكل ملامحها وهي ممتدة في مراكز حيوية في مختلف مناطق العالم ويوجد بها اموال ضخمة مملوكة لرجال اعمال من روسيا ذاتها.
وأكد: لن يمكن زعزعة مركز قوة الدولار كعملة تبادل عالمية دون فك ارتباط امريكا بحلفائها في العالم وبالأخص في أوروبا واليابان وإسرائيل وهي علاقات ترسخت بفعل الازمة الاوكرانية التي دفعت فيها امريكا دول اوروبا للبحث عن بديل للغاز الروسي وزادت من عمق العلاقة الاوروبية الامريكية كحلفاء سياسيين واقتصاديين.
واختتم: أتمنى ان تنجح خطوات "البريكس" لفك الارتباط بالدولار وهو أمر الجميع ينادي به منذ زمن طويل لكن لابد من أن يكون حراكهم مؤسس على واقع عملي لا على أمنيات تحكمها العاطفة والشعارات وحتى لا يتم استبدال الدولار (وهو امر إن حدث فسيستغرق فترة طويلة جدا) بعملة أخرى لقوة أخرى تمارس نفس ما تمارسه أمريكا الان من هيمنة على العالم.
تقليل التعامل بالدولار
قالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ، ناليدي باندور، إن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، دعا قادة 67 دولة من أفريقيا والجنوب العالمي، بالإضافة إلى 20 ممثلاً عن منظمات دولية، إلى اجتماعات في إطار قمة “بريكس”، وحتى الآن أكدت 34 دولة مشاركتها.
وأكدت الوزيرة في كلمة بُثت على موقع يوتيوب، إلى أنه تمت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة وممثلي المنظمات الأخرى لحضور الفعاليات، وأن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، غير مدعو إلى قمة “بريكس”.
سيحضر قمة بريكس، التي ستعقد في جوهانسبرغ يومي 22 و 24 أغسطس الجاري، قادة الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وسيمثل روسيا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سيشارك في القمة عبر “الفيديو كونفيرونس، ومن جهتها واصلت الجزائر، البلد العضو في منظمة الدول المصدرة النفط ” أوبك”، حشد الدعم والتأييد لانضمامها لتكتل مجموعة ” البريكس”.
يذكر أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أيد انضمام الأرجنتين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا). وقال خلال لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية “أعتبر أنه من المهم للغاية أن تنضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إذا أرادوا ذلك.
والجدير بالذكر، مجموعة "بريكس" هي تكتل يضم روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند، تأسست عام 2006، في قمة استضافتها مدينة يكاترينبورغ الروسية، وتحول اسمها من "بريك" إلى بريكس في 2011، بعد انضمام جنوب أفريقيا إليها، وتهدف هذه المجموعة الدولية إلى زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل التعامل بـ الدولار.