ينبغي الانتباه إلى أن انقضاء عشوراء لا يعني انتهاء موسم الخير ، حيث لا يزال شهر المحرم جاريًا ولم ينقض منه سوى ثلثه ، ومن ثم فليس من الحكمة التهاون فيه والتقصير خلاله في الطاعات والعبادات وصالح الأعمال، ولعل معرفة لماذا حذر الرسول من فعل الذنوب في محرم خاصة ؟، يدفعنا إلى مزيد من الحذر والحرص ، فلا نضيع ما تبقى من هذا الشهر المبارك ونغتنم فضائله ونفحاته وننجو من خلال اجتناب المعاصي فيه على وجه الخصوص ، والذي يزيد مع معرفة لماذا حذر الرسول من فعل الذنوب في محرم خاصة ؟.
لماذا حذر الرسول من فعل الذنوب في محرم خاصة
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى، إنه فيما ورد بالكتاب والسُنة النبوية الشريفة، أن للأشهر الحرم ومن بينها المحرم، خصائص كثيرة ميَّزتها عن بقية الأشهر الأخرى، لهذا أوصى النبي –صلى الله عليه وسلم بالإكثار من العمل الصالح فيها.
وأوضح «مركز الأزهر» خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في تحديده لماذا حذر الرسول من فعل الذنوب في محرم خاصة ؟، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أوصى بالإكثار من العمل الصالح والطاعات والعبادات مع اجتناب المحرمات في هذه الشهور لثلاثة أسباب، أولها أن فيها الفضلُ الكبير، فاللهُ يُضاعِفُ لعباده الأجرَ والثواب، كما يُضاعف الإثمَ والذنبَ، لعظمةِ هذهِ الأشهر.
وأضاف أن ثانيها حرمة القتال فيها مشددة، فقال الله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ» الآية 217 من سورة البقرة، وثالثها تشديدُ حرمةِ الظلم فيها، لقوله تعالى: «فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم» الآية 36 من سورة التوبة.
أعمال شهر المحرم
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى، إن هناك ستة أعمال من الطاعات والعبادات ينبغي على المسلم الحرص والمداومة عليها خلال الأشهر الحرم، والتي يعد هذا الشهر (محرم) أحدها .
وحدّد «مركز الأزهر» أفضل أعمال شهر المحرم ، موضحًا أن أول هذه الأعمال، الإكثار من العمل الصالح، والاجتهاد في الطاعات، وثانيها المبادرة إليها والمواظبة عليها ليكون ذلك داعيًا لفعل الطاعات في باقي الشهور، وثالثًا على المؤمنُ أن يغتنمَ العبادة في هذه الأشهر التي فيها العديد من العبادات الموسمية كالحج، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء.
و أضاف: "ورابعًا أن يترك الظلم في هذه الأشهر لعظم منزلتها عند الله، خاصة ظلم الإنسان لنفسه بحرمانها من نفحات الأيام الفاضلة، وحتى يكُفَّ عن الظلم في باقي الشهور، وخامسًا الإكثار من إخراج الصدقات، وسادسًا الإكثار من الصيام".
فضل شهر محرم
ورد فيه أن شهرُ المُحَرَّمِ هو من الشُّهورِ الحُرُمِ التي عظَّمها الله تعالى وذكَرَها في كتابِه، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهور عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}(التوبة - 36)، وشَرَّف اللهُ تعالى هذا الشَّهرَ من بين سائرِ الشُّهورِ، فسُمِّي بشهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فأضافه إلى نفسِه؛ تشريفًا له، وإشارةً إلى أنَّه حرَّمه بنفسه، وليس لأحدٍ من الخلقِ تحليلُه.
وجاء أنه بيَّن رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تحريمَ الله تعالى لهذه الأشهُرِ الحُرُمِ، ومِن بينِها شهرُ المُحَرَّمِ؛ لِما رواه أَبو بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قَالَ: ((إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ))، وقد رجَّح طائفةٌ من العُلَماءِ أنَّ مُحَّرمًا أفضَلُ الأشهُرِ الحُرُمِ؛ قال ابنُ رجب: وقد اختلف العلماءُ في: أيُّ الأشهُرِ الحُرُمِ أفضَلُ؟ فقال الحسَنُ وغيرُه: أفضلُها شهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، ورجَّحه طائفةٌ من المتأخِّرين.
ويدُلُّ على هذا ما أخرجه النَّسائيُّ وغيرُه عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: (سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ اللَّيلِ خيرٌ، وأيُّ الأشهُرِ أفضَلُ؟ فقال: خيرُ اللَّيلِ جَوفُه، وأفضَلُ الأشهُرِ شَهرُ اللهِ الذي تَدْعونَه المُحَرَّمَ) قال ابنُ رجب رحمه الله: "وإطلاقُه في هذا الحديثِ (أفضل الأشهر) محمولٌ على ما بعد رمضانَ، كما في روايةِ الحسَنِ المرسَلةِ".