ورد إلى الدكتور مجدي عاشور المستشار السابق لمفتي الجمهورية سؤال عن حكم الزواج بمن أرضعته أمها، حيث يقول السائل: أريد الزواج من ابنة عمتي، ولكن أمها تقول إنها أرضعتني أكثر من مرة، فما حكم الزواج منها؟
حكم الزواج بمن أرضعتني أمها
وقال عاشور: القاعدة الشرعية على أنه: «يَحرُمُ مِن الرضاع ما يَحرُمُ مِن النَّسَبِ»، فمَتَى وقع الرضاع في مُدَّتِهِ الشرعية وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة؛ تَصير المرضِعةُ أُمًّا مِن الرضاع لِمَن أرضعَته، ويصير جميعُ أولادها -سواء منهم مَن رضع معه أو مَن هُم قبله أو بعده- إخوةً وأخواتٍ لِمَن أرضعَته .
وتابع: اختلف الفقهاء في عدد الرضعات التي يثبت بها التحريم :
فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والإمام أحمد في رواية إلى أنَّ قليل الرضاع وكثيره في التحريم سواء ، وإن كان مَصَّةً واحدةً ، والشرط في التحريم أن يصل اللبن إلى جوف الطفل مهما كان قَدرُه ، لعموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرضَعنَكُم}[النساء:23].
وذهب الشافعية والحنابلة في القول الصحيح عندهم إلى أن أقل من خمس رضعات لا يؤثر في التحريم ؛ واستدلوا على ذلك بحديث السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : « كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ : عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ».
وشدد المستشار السابق لمفتي الجمهورية: أن المختار للفتوى هو أن العدد المُحَرِّم من الرضاع في الزواج هو خمس رضعات متفرقات كما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في الصحيح، وننصح بأنه ما دام الزواج لم يحدث وليس هناك حاجة داعية لإتمامه، فيُستحب عدم الدخول فيه عملًا بالقاعدة الفقهية: «الخروج من الخلاف مستحبٌّ».
التحريم بالرضاع
حليب المرضعة يثبت به التحريم ولو تغير حاله أو حُفِظَ بطرق معينة؛ إذ لا يُشترط لثبوت التحريم لدى فقهائنا بقاء اللبن على هيئته المعروفة؛ لأن العلة واحدة، وهي حصول التغذي به، فيبقى الحكم مع بقاء العلة.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "لو حَلَبَتْ [أي المرأة] لَبَنَها قبل موتها، فأُوجِر طفلٌ بعد موتها حَرَّمَ في الأصح؛ لانفصاله منها وهو حلال محترم... ولا يُشترط بقاء اسمه لَبَناً. ولو جُبِّنَ، أو جُعِلَ منه أَقِط، أو نُزِع منه زبد، أو عُجِن به دقيق وأُطعم الطفلُ من ذلك حَرَّم؛ لحصول التغذي به" انتهى باختصار من "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (5/ 125). ومعنى "فأُوجِر طفل": أي صُبَّ في حلقه اللبن. ينظر: "تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (8/ 287).
وتثبت الحرمة بالرضاع إذا لم يتجاوز الطفل العامين من عمره، ولم يقلَّ عدد الرضعات عن خمسٍ متفرقات، فإذا أُخذ حليب المُرضع في إناء ثم سقي للطفل؛ ثبت بذلك التحريم أيضاً، ولكن بشرط أن يُحلَب الحليب من المرضعة على خمس رضعات متفرقات، ويشربها الطفل على خمس دفعات متفرقات أيضاً، ولا حرج أن تكون الدفعة الواحدة بمقدار يسير، وفي هذا يقول الخطيب الشربيني: "لو حُلِبَ منها خمس دفعات وأُوجِره في خمس دفعات من غير خلط؛ فهو خمسٌ قطعاً" "مغني المحتاج" (5/ 136).