أعلن مؤخرًا الدكتور محمد سليم شوشة، من خلال صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عن كتابه الجديد «ما وراء القصيدة.. مقاربة لحفريات خطاب شعر العامية المصرية»، الصادر عن دار سما للنشر.
حفريات الثقافة
وعن كتابه الجديد قال الدكتور محمد سليم شوشة: “لهذه الأسباب كان ميلنا في هذه الدراسة إلى مقاربة ما يمكن تسميته بما وراء القصيدة، أي حفريات الثقافة التي كانت فاعلة في سياقات إنتاج الخطاب الشعري". موضحًا أن، هذه الدراسة تبحث في صورة الجماهير وموقفها وحالتها النفسية وسياقات القول الشعري التاريخية والاجتماعية والدينية، وقدر ما يكون بين هذه البنية الجماعية وبين الخطاب الشعري من التفاعل والجدل والالتحام، وهو ما يجعل الدراسة مشغولة بالخطاب الشعري الحيوي أو الملتحم بالناس والمعبر عن آلامهم، وبخاصة في المراحل المفصلية أو في أوقات ومراحل تاريخية معينة لها أهميتها واختلافها أو خصوصيتها الكبيرة.
الخطاب الشعري وحفريات الثقافة
وأضاف الكاتب، أن الخطاب الشعري بوصفه مرآة حقيقية وطبيعية للمجتمع، ويتجلى كذلك بوصفه مدونة إنسانية تتسم بالعمق والثراء الكبير والقدرة على عكس وتمثيل مستويات مختلفة من طبقات الوعي المجتمعي والوعي واللاوعي الجمعي والذاكرة الجماعية، بين أن يكون مُعبّرا عن اللَّحظي أو العابر ومنفعلا بالأحداث اليومية وبين أن يكون معبرا وممثلا لحفريات الثقافة الغائرة أو بعيدة العمق من الأمثال والسير الشعبية والحكمة الجماعية وطبقات الوعي الديني أو العاطفة الدينية وأنساق اليقين أو الثقة في الذات أو حالة الوعي الجماعي والتخييل الشعبي، وجدل الذاتي مع الفردي والعام مع الخاص، ومراحل الإرادة الشعبية العامة أو الوجع الشعبي العام أو مراحل القلق والخوف أو الثورة والغضب الذي يهيمن على الناس في مرحلة بعينها.
مابين النكسة والنصر
وأشار الكاتب، إلى تعبير أحمد فؤاد نجم عن الشعب المصري في مرحلتي نكسة 67 وانتصار أكتوبر، وكذلك تعبير مسعود شومان عن حال اللجوء إلى الأولياء أو العاطفة الدينية الصوفية في مراحل اليأس والألم الجماعي والظلم أو مراحل انحسار النور والاحتقان العام في أوقات معينة أو فترات تاريخية بعينها.
وتناول محمد سليم شوشة في الفصل الثالث ذكر بعض الأصوات اللاحقة لهذين الشاعرين من التعبير عن حالات واسعة من الألم أو المجابهة الفردية للفساد أو حالات التهدم الحضاري أو سلبيات المجتمع على نحو ما نرى لدى كل من عبد الناصر علام وعبير الراوي وخضر إسماعيل. موضحًا أن، تركيز هذه الدراسة على البحث فيما وراء القصيدة لا يعني غفلتها عن جماليات الشكل الفني أو بنية القصيدة نفسها، بل ننطلق في هذه المقاربة من قناعة بأن الشكل الفني ولغة القصيدة جزء من أفكارها ومعانيها، وأنه لا يمكن الفصل بين الشكل والمضمون، أو لا يمكن الفصل بين جسد القصيدة أي تمثلها الظاهر أو بنيتها وبين ما وراء هذا الجسد أو ما يتوارى خلفه من الأفكار والأنساق المحركة والفاعلة في إنتاج الخطاب أو ما قد يشكِّل روحها أو جوهرها إن جاز التعبير.
استعارة مضللة
وأوضح الكاتب، اتفاقه مع تيري إيجلتون في قوله: "إن الناس أحيانا يتحدثون عن التنقيب عن الأفكار وراء لغة القصيدة، ولكن هذه الاستعارة المكانية مضللة. لذلك ليست اللغة نوعا من السلوفان الذي لا غنى عنه الذي تأتي الأفكار مغلفة فيه بشكل جاهز. وعلى النقيض من ذلك فإن لغة قصيدة ما هي مشكل أفكارها".
وأضاف محمد سليم شوشة: اللغة أو المظهر الشعري أو البنية هى مشكّلٌ لأفكار القصيدة وأعماقها من مستويات المعاني وطبقات الدلالة المتوارية تحت طبقات الشكل. مشيرًا إلى، أن دراسة شعر العامية أو الشعر الشفاهي عموما ربما دائما ما تحتاج إلى أن تكون بَيْنِيِّة التخصصات، أو معتمدة على تخصصات متعددة ، و"هذا ما يبدو في الوقت الراهن مُقَدَّرا ومعتبرا بتزايد، والسنوات الماضية قد أوضحت الصعود الجماعي لعدد من المعايير المختلفة والمقاربات أو القراءات النقدية بأفكار نشأت أو تغذت على تعدد التخصصات، فأصبحت الفجوة تقل بين ما كان يستخدم في الفصل بين المقاربات للفلكلور أو الفنون الشعبية وبين دراسة اللغويات أو فقه اللغة والنظرية الأدبية، والأنثروبولوجيا والمقاربات العلمية الاجتماعية بشكل عام. مثال واحد على ذلك هو الطريقة التي أصبح الباحثون يولون بها اهتماما كبيرا للقوى الاجتماعية والسياسية في دراستهم للأدب، بينما كثير من علماء الاجتماع في انعطافهم قد ذهبوا بعيدا عن الهيكلية النمطية أو المعتادة أو بشكل أساسي معرفي تأسست على رؤى قائمة على التقدير الكبير لقيمة وأهمية التعبير الفردي والفني".
التخصصات المتعددة
ونوه محمد سليم شوشة إلى أن الدراسات الأدبية في كثير من مداخلها أو نظرياتها أصبحت تنطلق من تعدد التخصصات، فتدخل إلى الخطاب الشعري أو ربما السردي من باب الأنثروبولوجيا أو من زاوية الأساطير وعلوم الاجتماع أو من زاوية الطب النفسي أو من زاوية تاريخية بحتة أو دينية خالصة أو تستعين بكل هذا معا في الوقت نفسه أو في التجربة النقدية الواحدة.
شعر العامية النشط
واختتم تقديمه للكتاب: "الشعر العامي يتميز عن كثير من الفنون الشعرية الأخرى بحيويته واتصاله المباشر بالحياة وقضايا البشر ونبضهم وحركتهم، "بل هو يتأسس على متعة تعرُّف شكل من الشعر النشط الذي يمكن أن يعدّ شيئين، الأول هو أنه جانب تعبيري واجتماعي مهم من السلوك أو التصرف البشري، والثاني أنه شكل يستخدمه البشر ويطورونه بشكل ملحوظ فنيا للتوافق على صياغة والتلاعب والخلق الفعال لذواتهم أو وجودهم وللعالم المحيط بهم".
وهذا ما يحتم على الدراسة المنشغلة بنص قصيدة العامية أن تنشغل كذلك بالواقع الاجتماعي وسيكولوجيا الجماهير وسياقاتهم التاريخية والاجتماعية والدينية وحفريات الثقافة أو التراث لديهم.