شهدت الدولة المصرية عددا من التحولات الفارقة والمحورية منذ ثورة 30 يونيو، التي تمكنت خلالها أن تصبح رقما فاعلًا في معادلة الإقليم والعالم.
ولم يكن باستطاعة مصر امتلاك أدوات التأثير والفاعلية من خلال أدواتها الدبلوماسية النشطة دون أن يكون هناك بناء داخلي قوي، حيث ارتكزت إدارة الدولة خلال العقد الماضي على إحداث تغيرات كبرى في الداخل كأحد الأدوات للانطلاق بقوة نحو الخارج.
ثورة 30 يونيو والغاز الطبيعي
وبدأت مسيرة التنمية والإنجاز والتطوير الشامل التي امتدت لكافة المجالات التي تمس المواطن بصورة مباشرة، والتي أفضت إلى تحول جذري غير مسبوق في كافة القطاعات.
ولم يكن قطاع الطاقة في مصر بعيدا عن تلك النقلة النوعية، لا سيما الطفرة الكبيرة والتحول الذي طرأ على قطاع الغاز الطبيعي، والذي جاء نتيجة إصلاحات حكومية قادت إلى توفير بيئة ملائمة للشركات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي، ما أسفر عن اكتشاف حقل ظهر في منطقة شرق المتوسط عام 2015، وهو الاكتشاف الذي أسهم في وضع مصر في مكانة مميزة في المنطقة والإقليم.
كانت أزمة الطاقة وما نجم عنها من انقطاع متكرر للكهرباء أحد أبرز التحديات التي واجهت الدولة المصرية في أعقاب ثورة 30 يونيو؛ في ظل تراجع معدلات توليد الكهرباء، وتهالك محطات توليد الكهرباء، لغياب عملية الصيانة والتحديث والتطوير المستمرة، بجانب تعرضها لعمليات إرهابية وتخريبية، فضلًا عن تراجع إنتاج الغاز الطبيعي، خاصة في أعقاب 2011 وتوقف عمليات التصدير في ظل تزايد الاحتياج المحلي.
وأدركت الدولة المصرية مبكرا في أعقاب يونيو 2014 حجم هذه الأزمة، والتي وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنها "صعبة ومتراكمة، وأن مصر أمامها وقت طويل لإيجاد حل للأزمات التي تواجهها في منظومة المرافق وتحقيق الاستقرار"، وقد نظر الرئيس "السيسي إلى الطاقة بوصفها أمنًا قوميا، خاصة أن استمرار الأوضاع على ما كانت عليه من شأنه أن يعيق أية جهود للتنمية والبناء. ووفقا لتلك الاعتبارات كان ملف الطاقة والتعاطي الجاد مع أزمة الكهرباء ضمن أولويات الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو.
30 يونيو وتغير دفة الإنتاج
يمكننا استعراض مسيرة التحول التي شهدها قطاع الغاز الطبيعي خلال السنوات الماضية؛ بهدف الوقوف على حجم الإنجاز والتقدم في هذا المجال، وقياس مدى نجاعة الاستراتيجية المصرية والإجراءات التي اتخذتها مصر في هذا المجال، بما يعزز مصلحة المواطن بالدرجة الأولى ويعيد مصر إلى ريادتها في الإقليم.
إنتاج واستهلاك مصر من الغاز الطبيعي
تعد مصر أول دول منطقة شرق المتوسط في اكتشاف الغاز الطبيعي؛ فخلال عام 1967 اكتشفت شركة "بلاعيم للبترول" في منطقة أبو ماضي في دلتا النيل أول تلك الحقول، وبعدها بعامين اكتشف أول غاز بحري في البحر المتوسط في منطقة أبو قير عام 1969، وأعقبه عدد من الاكتشافات في: القرعة، وقنطرة 1، وناف، وبور فؤاد، وقار، وقرش، ثم حقل أبو الغراديق في الصحراء الغربية عام 1971.
واكتشفت عدة حقول أخرى في منطقة البحر الأبيض المتوسط مثل: رشيد، وسافرون، وسيميان، وكنج مريوط، علاوة على اكتشافات أخرى في الصحراء الغربية ومن أبرزها: القصر، الأبيض، ومطروح.
ومر إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بمراحل متباينة من حيث ارتفاع الإنتاج في بعض السنوات وانخفاضه في سنوات أخرى، منذ أحداث 2011 وحتى الآن؛ فخلال عام 2011 وصل نحو 59.1 مليار متر مكعب، قبل أن ينخفض الإنتاج عام 2012 ليصل إلى 58.6 مليار متر مكعب، قبل أن ينخفض إلى 54 مليار متر مكعب في عام 2013.
ووصل الإنتاج إلى 47 مليار متر مكعب عام 2014، و42 مليار متر مكعب عام 2015، ليصل إلى أقل مستوياته عام 2016 بمعدل إنتاج 40.3 مليار متر مكعب، قبل أن يعاود الارتفاع خلال عام 2017 ليصل إلى 48.8 مليار متر مكعب، وصولا إلى 58.6 مليار متر مكعب عام 2018، إلى أن وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق خلال نحو 10 أعوام عام 2019 بعدما وصل معدل الإنتاج إلى 64.9 مليار متر مكعب.
إنتاج مصر من الغاز الطبيعي
ومن ناحية أخرى وقياسًا على السنوات ذاتها، وصل استهلاك مصر من الغاز الطبيعي إلى 47.8 مليار متر مكعب عام 2011، و50.6 مليار متر مكعب عام 2012، و49.5 مليار متر مكعب عام 2013، وصولًا إلى 46.2 و46 مليار متر مكعب عامي 2014 و2015 على التوالي. وزاد الاستهلاك ليصل إلى 49.4 مليار متر مكعب عام 2016، قبل أن يصل إلى 55.9 مليار متر مكعب عام 2017، ثم وصل إلى 59.6 و58.9 مليار متر مكعب خلال عامي 2018 و2019، ووصل حجم الاستهلاك إلى 57.8 مليار متر مكعب عام 2020، قبل أن يرتفع إلى 61.9 مليار متر مكعب عام 2021.