الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نجاة عبد الرحمن تكتب: لبنان والدين العام

نجاة عبد الرحمن
نجاة عبد الرحمن

نتيجة لعدم تغليب المصلحة العليا للبلاد على المصالح الشخصية، ونتيجة للصراعات الداخلية تعرض لبنان على مدار ثلاث سنوات لأزمة متعددة الأبعاد هي الأكثر إيلاماً وتأثيراً في تاريخه الحديث. إذ تفاقمت الأزمة الاقتصادية والمالية المتواصلة التي بدأت في أكتوبر 2019 بفعل التداعيات الاقتصادية المزدوجة لتفشي فيروس كورونا كوفيد -19 والانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس 2020.
ومن بين هذه الأزمات الثلاث، كان للأزمة الاقتصادية الأثر السلبي الأكبر والأطول أمداً

الأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها لبنان تأتي ضمن الأزمات الاقتصادية الأسوأ على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث هوى إجمالي الناتج المحلي الاسمي من قرابة 52 مليار دولار في 2019 إلى ما يقدر بنحو 23.1 مليار دولار في 2021. وقد أدى استمرار الانكماش الاقتصادي إلى تراجعٍ ملحوظٍ في الدخل المتاح للإنفاق. وانخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 36.5% بين عامي 2019 و2021، وأعاد البنك الدولي في يوليو 2022 تصنيف لبنان ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، نزولاً من وضع الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، نتيجة للصراعات الداخلية والحروب .

وتوقف القطاع المصرفي الذي فَرض بشكل غير رسمي قيوداً صارمة على حركة رأس المال عن تقديم القروض أو اجتذاب الودائع. ولكنه يواصل عمله في نظام سداد مُجزَّأ يُميِّز بين الودائع الدولارية الأقدم (قبل أكتوبر 2019)، والحد الأدنى للتدفقات الوافدة الجديدة من "الدولارات الجديدة". ويتعرض أصحاب الودائع الدولارية القديمة لانخفاض حاد في قيمة ودائعهم من خلال عمليات "الليرنة" والاقتطاعات القسرية الفعلية من الديون "haircuts" (التي تصل إلى 85% على الودائع الدولارية). وتُعد أعباء الإجراءات الجارية للضبط المالي وخفض المديونية ذات طبيعة تنازلية للغاية، حيث تؤثر على صغار المودعين ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة بدرجة أكبر. ويؤدي تراجع متوسط الدخل، مقترناً بمعدل تضخم من ثلاث خانات وانخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية، إلى تقلص شديد في القوة الشرائية. وتُمثِّل التأثيرات التضخمية عوامل تنازلية شديدة تؤثر على الفقراء والطبقة المتوسطة أكثر من غيرهم، ويمكن أن يصبح التأثير الاجتماعي للأزمة كارثياً، وهو وضع متردي بالفعل؛ إذ من المرجّح أن يكون أكثر من نصف سكان البلاد بالفعل تحت خط الفقر. وارتفع معدل البطالة من 11.4% في 2018-2019 إلى 29.6% في 2022.

 ويشهد لبنان انهياراً شديداً في الخدمات الأساسية مدفوعاً باستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي منذ بداية الأزمة المتفاقمة. وأدى النقص الحاد في مواد الوقود إلى تكرار انقطاع الكهرباء بشكل كامل لأكثر من ثماني مرات في الشبكة الوطنية للكهرباء، ويبلغ متوسط إمدادات الكهرباء العامة ساعة إلى ساعتين يوميا. كما شكل نقص الوقود عائقاً أمام إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية والمياه النظيفة، في حين تواجه محلات المواد الغذائية، ومقدمو خدمات النقل، ومشغلو شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية اضطرابات شديدة في سلاسل الإمداد الخاصة بهم. وكان لبنان قد اضطر خلال تعامله مع تفشي جائحة كورونا إلى فرض إغلاقات متقطعة وغيرها من التدابير للتخفيف من تأثير تفشي الفيروس على المواطنين وعلى النظام الصحي الضعيف أصلاً. ومضت حملة التلقيح، التي انطلقت في فبراير/شباط 2021 بتمويل من البنك الدولي، وفقاً لخطة التوزيع والتلقيح الوطنية اللبنانية الخاصة بفيروس كورونا والتي تهدف إلى تلقيح 70% من إجمالي السكان من المواطنين وغير المواطنين، وذلك على عدة مراحل بنهاية عام 2022.

وبالإضافة إلى المأساة الإنسانية، كان لتأثير انفجار مرفأ بيروت تداعيات على المستوى الوطني، على الرغم من تركزه الجغرافي. ويُضاف ذلك إلى مواطن الضعف الهيكلية طويلة الأجل التي تشمل سوء حالة البنية التحتية -عدم قدرة قطاع الكهرباء على القيام بمهامه، ونقص إمدادات المياه، وعدم كفاية إدارة خدمات النفايات الصلبة والصرف الصحي - وسوء الإدارة المالية العامة، والاختلالات الكبيرة في الاقتصاد الكلي، وتدهور المؤشرات الاجتماعية..

وقال صندوق النقد الدولي إن «المصالح الشخصية في لبنان تعيق الإصلاحات المطلوبة»، و أن «الوضع الاقتصادي في لبنان سيتفاقم بسبب مقاومة تلك الإصلاحات».

والتوقعات تشير إلى أن الدين العام اللبناني قد يصل إلى ما يقرب من 550% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، إذا استمر الوضع القائم».

بالاصافة الى أن «المودعين في لبنان خسروا 10 مليارات دولار منذ 2020».

وأظهرت مسودة خطة حكومية، أن لبنان يحتاج تمويلا خارجيا من عشرة مليارات إلى 15 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة؛ لمساعدته على اجتياز أزمته المالية.

مسودة الخطة التي يعكف مجلس الوزراء على مناقشتها مؤرخة في السادس من أبريل، وهي أكثر الخطط شمولا فيما يتعلق بمواجهة الأزمة حتى الآن. والخطة موصوفة في المسودة بأنها «أساس جيد» لمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

والخطة، التي قال مصدر إن مستشار لبنان المالي لازارد هو الذي وضع مسودتها، لا تذكر صراحة أن البلاد ستلجأ إلى صندوق النقد الدولي، وهو تحرك يتطلب دعما سياسيا واسعا. لكنها تشير إلى مستثمرين يتوقعون أن تسعي بيروت إلى دعم من صندوق النقد وهو ما سيتيح مزيدا من التمويل.

وبينما ترصد خسائر في الاقتصاد بقيمة 83.2 مليار دولار، أشارت الخطة إلى أن «صفقة إنقاذ كاملة للقطاع المالي ليست خيارا».

وتتضمن تفاصيل إعادة هيكلة للمصرف المركزي والبنوك التجارية لتشمل مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين، وتحدد الخطوط العريضة لصندوق خاص؛ لتعويض خسائر المودعين الناجمة عن إعادة الهيكلة.

وقال رئيس البرلمان نبيه بري، لمحافظ البنك المركزي رياض سلامة، إن ودائع الناس في البنوك «من المقدسات» ويجب عدم المساس بها.

وعقدت الحكومة جلسة يوم الأربعاء؛ لمواصلة المناقشات حول إصلاح القطاع المالي.

ومنذ بداية الأزمة، تخلف لبنان لأول مرة عن سداد ديونه الضخمة بالعملة الأجنبية، وبدأ في مارس خطوات نحو إعادة هيكلة الديون.

وفاقمت إجراءات العزل العام بسبب فيروس كورونا المشكلات الاقتصادية؛ التي تشمل تصاعد التضخم وهبوط قيمة العملة وقيود على رؤوس الأموال تحظر على المودعين سحب مدخراتهم بالعملة الصعبة.

وتشير الخطة إلى تراجع سعر الصرف إلى 2607 ليرة للدولار في 2021، وإلى 2979 في 2024. وسعر الربط الرسمي للدولار محدد عند 1507.5 ليرة منذ 1997. وفقدت العملة اللبنانية أكثر من أربعين بالمئة من قيمتها منذ أكتوبر الماضي.

وقالت الخطة إن الدين العام سيتقلص إلى تسعين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، مقارنة مع أكثر من 170 بالمئة في نهاية 2019.

وتفترض الخطة أن يستفيد لبنان بشكل فوري من دعم مالي خارجي وأن يطبق الإصلاحات بنجاح.

والخسائر البالغة 83.2 مليار دولار ناجمة عن انخفاض قيمة الأصول التي في حيازة المصرف المركزي، وانخفاض قيمة محفظة القروض المصرفية، وإعادة هيكلة الدين الحكومي.