لم تكن ثورة 30 يونيو حدثًا عاديًا في مسيرة الوطن، بل كانت أحد أبرز المحطات الفاصلة والتحولات الفارقة في تاريخ مصر المعاصر، فلم تغير مسار الدولة المصرية فحسب، وإنما أنتجت مجموعة من التحولات واسعة النطاق على المستوى العربي والإقليمي.
تنظيم الإخوان الإرهابي
ولقد ثار المصريون في 30 يونيو على نظام تنظيم الإخوان الإرهابي انطلاقا من مجموعة من المسببات الموضوعية التي عكست في مجملها أزمة متراكمة عاشتها مصر على مختلف المستويات خلال عام حكم التنظيم، وإدراكا لطبيعة الخطر الذي يحدق بالدولة المصرية بأركانها ومؤسساتها وهويتها وطبيعتها بسبب حكم الجماعة.
وأحسن المصريون بفطرتهم وعقلهم الجمعي الواعي ورؤيتهم الثاقبة قراءة مؤشرات ونذر الخطر التي استشعروها خلال عام واحد فقط، وأدركوا أن استمرار الحكم الإخواني لمصر سيرتب لا محالة تداعيات بالغة السوء والكارثية على مستقبل الدولة المصرية بل ووجودها في حد ذاته.
وظهرت خلال هذا العام قبل ثورة 30 يونيو مساوئ الجماعة وإخفاقاتها المستمرة ونهجها ومشروعها الرامي إلى اختطاف الدولة بكل مؤسساتها، حيث ارتفع منسوب الغضب والرفض لدى جموع الشعب المصري، وذلك بعدما أصبح الانفصال. عن المواطنين، وعدم تلبية الاحتياجات الأساسية لهم، والترسيخ للاستقطاب المجتمعي، والاستمرار في السيطرة على مؤسسات الدولة، وتقلص دور مصر الخارجي، وتهديد مصالحها على كافة المستويات: هي السمات العامة الرئيسة لهذا العام.
وكانت مشاهد التوقيع على استمارة تمرد كاشفة لعمق هذا السخط الشعبي العارم، ومنبئة بتحول جذري أحدثه المصريون بخروجهم في كافة الميادين في ثورة 30 يونيو 2023، ثم انحياز القوات المسلحة لإرادتهم ونزولها على رغبتهم واستجابتها لمطالبهم باسقاط حكم الجماعة الإرهابية في خطوة أكدت سيادة القرار الوطني واستقلاله بمعزل عن كل المؤثرات سوى رغبة الشعب وإرادته.
الطريق إلى ثورة 30 يونيو
وكانت ثورة 25 يناير فرصة استثمرتها جماعة الإخـوان عـلـى النحو الأمثل لتحقيق أهدافها بالسيطرة على مقدرات الدولة والوصول إلى ما عملت قوى إقليمية ودولية على تحقيقه في مصر من خلاله كأداة وظيفية أساسية لهدم الدول الوطنية والسيطرة على مقدراتها والاستئثار بقرارها.
فلم تكن الجماعة القوة الأكثر تنظيقا في هذه الأثناء من الفراغ، وإنما بدعم وارتباط خارجيين وتحركات داخلية روجت بها الجماعة لنفسها خارجيًا بأنها الطرف الأكثر تنظيمًا وقدرة والأجدر بحكم مصر، بما راكم من الرصيد التنظيمي للجماعة استعدادًا للحظة المناسبة التي سنحت مع أحداث 28 يناير 2011 وما بعدها، بما مكنها من تأمين حضورها في ترتيبات المشهد السياسي الجديد.
فقد عملت جماعة الإخوان الإرهابية على استغلال الوازع الديني لدى المصريين في خلق استقطاب ديني يجعل منه في منظور المصريين ركنا من أركان النظام السياسي الجديد بما ضمن تحقيق الجماعة مكاسب كبيرة خلال الاستحقاقات الانتخابية التي أعقبت الثورة، وذلك وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرشح الجماعة محمد مرسي، وتحقق بذلك للجماعة السيطرة الكاملة على المشهد السياسي في البلاد.
كان الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 اولا الاستحقاقات بعد الثورة، وشهد استقطابا حادا بدعاوى دينية؛ إذ كانت مصلحة جماعة الإخوان في هذه الأثناء الموافقة على الاستفتاء، فحشدت قواعدها في كل المحافظات واستغلت كل الأساليب التي تكفل تحقيق هذه النتيجة، ومنها الوسائل والأساليب الدينية وتقسيم المجتمع على هذا الأساس، وكذلك بالاعتماد على التيارات الإسلامية المختلفة التي التفت وراء الجماعة في هذا التوقيت.
ثورة 30 يونيو تنقذ مصر
واستطاعت تحقيق هذا الهدف بالفعل، إلى الحد الذي وصف فيه الداعية محمد حسين يعقوب الاستفتاء بـ "غزوة الصناديق" ، ووصف الموافقة على التعديلات بأنها "انتصار للدين"، قائلا: "كان السلف يقولون بيننا وبينكم الجنائز، واليوم يقولون لنا بيننا وبينكم الصناديق وقالت الصناديق المدين (نعم)، ومن قالوا لا عرفوا قدرهم ومقامهم وعرفوا قدر الدين".
ودائما ما كان التهديد والتلويح بالفوضى واستخدام العنف أداة أساسية من أدوات جماعة الإخوان في التعامل مع كافة الأحداث السياسية، ولطالما هددت بقية القوى السياسية إما التجاوب مع مطالبها أو الفوضى ونزول أنصارها والمتعاطفين معها إلى الشوارع، كأداة من أدوات الضغط لتحقيق مآربها.
وكان هناك اتفاق في 29 يوليو 2011، بين التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية والمدنية على عقد لقاء "لم الشمل" في ميدان التحرير بهدف تجاوز الخلافات والخروج من حالة الاستقطاب التي سادت من بعد 2011، ولكن مثل هذا اليوم نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين الطرفين، وأثار الخوف في نفوس ملايين المصريين غير المنخرطين في هذا الصراع السياسي.
فقد تحول الميدان إلى ملتقى الآلاف من عناصر جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية المتشددة والجماعات الإرهابية ومن يحملون أفكار تنظيم القاعدة، وحتى العائدين من أفغانستان الذين خرجوا من تحول الميدان إلى ملتقى السجون، فرفعوا الرايات السوداء الآلاف من عناصر جماعة ورددوا الهتافات التي تطالب الإخوان والتيارات المتشددة بتطبيق الشريعة، في مسعى والجماعات الإرهابية، وحتى منهم إلى تصوير الأمر على أنه العائدين من أفغانستان الذين دفاع عن الهوية الإسلامية لمصر، خرجوا من السجون، فرفعوا ولكن حقيقة الأمر كان الهدف هو الرايات السوداء، والهدف هو القضاء على أي أصوات مناوئة لهم القضاء على أي أصوات مناولة أو قد تعوق تنفيذ مخططاتهم لهم أو قد تعوق تنفيذ مخططاتهم تحت ستار الدين تحت ستار الدين.
أكاذيب جماعة الإخوان
وعلى الرغم من أن هدف جماعة الإخوان منذ 2011 هو الاستفراد بالحكم المطلق لمصر فإنها تبنت شعارًا في هذه المرحلة للترويج لنفسها بأنها منفتحة على كافة التيارات وأنها لا تهدف إلى الحكم المطلق وإنما إلى المشاركة مع بقية التيارات والقوى السياسية، وهو شعار «مشاركة لا مغالبة الذي اتضح بعد ذلك كونه أكذوبة.
وقد أجريت أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير في الفترة من 28 نوفمبر 2011 وحتى 11 يناير 2012، وأسفرت عن حصول جماعة الإخوان من خلال ذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة على 235 مقعدًا في مجلس الشعب من أصل 498 مقعدًا بنسبة 47% وحصد الإخوان كذلك أكثر من نصف مقاعد مجلس الشورى الذي أعلنت نتائج انتخاباته في 25 فبراير 2012؛ إذ حصلوا على 106 مقاعد من أصل 180 مقعدًا منتخبا بنسبة 58.3%.
وأعلن مجلس شورى جماعة الإخوان في اجتماعه يوم 30 أبريل 2011، أنه قرر عدم خوض انتخابات الجمهورية، وعدم تأييد أحد من أعضاء الجماعة إذا قام بترشيح نفسه، ورغم ذلك، أعلن المرشد العام للجماعة محمد بديع في 31 مارس 2012 قرار اجتماع مكتب الإرشاد الذي انعقد في اليوم ذاته باختيار نائب المرشد العام للجماعة خيرت الشاطر مرشحًا لانتخابات الرئاسة.
وأعلنت الجماعة في 7 أبريل 2012، قبل يوم واحد من إغلاق باب الترشح لانتخابات الرئاسة، ترشيح رئيس حزب الحرية والعدالة وعضو مكتب الإرشاد محمد مرسي للرئاسة كمرشح احتياطي تحسبا لاستبعاد خيرت الشاطر، وهو ما جرى بالفعل، وفاز مرسي بالانتخابات التي أُعلنت نتائجها في 24 يونيو 2012 بنسبة 51% من الأصوات.