هل من الممكن أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا الضعف، ويمكن أن يتم تهديد حكمه بهذا الشكل الذي ظهر مع تمرديفجيني بريجوزين مؤسسمجموعات فاجنر العسكرية، وهل من السهل تهديد العاصمة موسكو بتلك الفترة الزمنية الوجيزة؟ إنها أسئلة مشروعة عند الحديث عن رئيس أحد أكبر الدول، والقطب الثاني بالعالم، والذي يخوض حربا ضد دول العالم، ولكن عند التعامل مع المعلومات، وخلفية بوتين الاستخباراتية نجد أنه يمكن أن تكون الصورة لها تفسير آخر عما ظهر.
وبالنظر إلى المعلومات المجردة، نجد أن زعيم فاجنر الآن منفى في دولة بيلاروسيا، وأن القضايا الجنائية بحقه لم تغلق نهائيا كما ذكرت الصحف الروسية، وكذلك أصبحت الأراضي الروسية غير مهددة الآن، ولا تزال تمركزات الجيش الروسي بأوكرانيا ثابتة، وبدأ الجيش الروسي في التعاقد مع عناصر فاجنر بعقود ثابتة لتنتهي إزدواجية الأجهزة العسكرية بروسيا، وذلك بخلاف التحليلات التي تشير إلى مكاسب أخرى لبوتين، فحينها قد نجد أنفسنا أمام الثعلب الروسي فلاديمير بوتين.
تمرد عسكري دون قتلى وطرق محطمة وأضرار طفيفة
عند الحديث عن تمرد عسكري في دولة عظمى مثل روسيا، وقوة عسكرية كبيرة حيرت دول العالم مثل فاجنر، فإننا نتوقع أن تكون الـ24 ساعة التي تلت تلك التحركات كافية لإحداث تدمير ليس بالهين بالمناطق التي شهدت تلك التمركزات، ولكن بالنظر إلى ما رصدته الصحف الروسية عن حجم من الواقع على الأرض نجد أن محاولة التمرد انتهت تقريبا دون خسائر تذكر، وذلك بحسب ما نشرته صحيفة كوميرسانت بيزنس الروسية اليومية.
وذكرت الصحيفة الروسية، في تقريرها عن نهاية التمرد، بأنه انتهى دون قتلى، لم تقع أي أضرار تقريبًا، باستثناء الطرق المحطمة والأضرار الطفيفة التي لحقت بالمنازل في أماكن سكن عناصر فاجنر، وانتهى النزاع بسرعة وبأقل الخسائر من خلال المفاوضات بمشاركة رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وكانت ظروف سيطرة عناصر فجنر على مواقع عسكرية للجيش الروسي مثل ظروف عودة سيطرة الجيش على واقعه، بلا دمار أو دماء.
زعيم فاجنر في المنفى
إنه بالمنفى الاختياري، هكذا وصفت الصحف الروسية وضع بريجوزين مؤسسمجموعات فاجنر العسكرية، وذلك بعد أن تم الإعلان عن تفاصيل إنهاء التمرد، والذي تم من خلاله التوصل إلى الاتفاقات الرئيسية: عودة مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة إلى معسكراتهم، ويتم إطلاق سراح مؤسس شركة فاغنر يفغيني بريجوزين على أن يغادر إلى بيلاروسيا.
وبذلك يكون بوتين قد تخلص من الصراع الذي نشأ بين مؤسس شركة فاغنر وقيادة وزارة الدفاع منذ فترة طويلة، خصوصا بعد أن أصبح علنيًا خلال الهجوم الذي دام شهورًا على باخموت (أرتيموفسك)، والذي لعب فيه أتباع فاجنر دورًا حاسمًا بحسب ما جاء بالصحيفة الروسية، ووصل الأمر أن قال بريجوزين مرارًا وتكرارًا أنه غير راض شخصيًا عن وزير الدفاع سيرجي شويغو ورئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف.
والملفت للنظر فيما جاء بصحيفة كومرسانت الروسية، أن الرئيس فلاديمير بوتين اضطر في وقت سابق إلى التدخل في تسوية هذا الصراع في أوائل يونيو، وأصدرت وزارة الدفاع أمرًا بموجبه تكون جميع الشركات العسكرية الخاصة المشاركة في عمليات العمليات الخاصة (SVO) جزءًا من الإدارة، وإبرام عقد معها، وقد يكون هذا أحد أسباب تمرد فاجنر، ووفقا لتلك الأنباء، فإنه في أقل من شهر تخلص بوتين من الأزمة بعد عدم الاستجابة لتدخله في بداية الشهر.
لا يزال قائد فاجنر قيد التحقيق فيما يتعلق بالتمرد
وعلى عكس ما تم تداوله من إسقاط كافة التهم والقضايا بحق قائد فاجنر، ضمن صفقة إنهاء التمرد، فقد كشفت صحيفةKommersant الروسية، في صباح اليوم 26 يونيو، بأن القضية الجنائية المتعلقة بتنظيم تمرد مسلح (المادة 279 من القانون الجنائي)، وهي بموجبها يكون الشخص الرئيسي المتورط فيها مؤسس فاجنر مازالت قائمة، ويستمر التحقيق معه من قبل محقق من قسم التحقيق فيFSB في روسيا.
وبذلك تكون هناك إمكانية لصدور حكم بحق قائد فاجنر، كورقة بيد بوتين يمكن استخدامها لكافة الخيارات، سواء تحجيم تحركاته عبر صدور حكم يمنع خروجه من منفاه داخل بيلاروسيا، أو ورقة تفاوض تعيد استخدامه مرة أخرى إذا ما كان هناك حاجة لذلك، وبحسب بعد التحليلات الأمنية، فهناك من يقول أن هناك إمكانية لتوظيف بريجوزين مرة أخرى ليقود قوة عسكرية جديدة تتحرك من الأراضي البيلاروسية.
فاجنر باقية كقوة عسكرية تابعة للجيش
والحقيقة المجردة أيضا في تلك الأحداث، هي أن جنود فاجنر باقية كقوة عسكرية مهمة لدولة روسيا، ولكن ستكون بعد ذلك تحت قيادة الجيش الروسي، وذلك بموجب القرار الذي أصدرته وزارة الدفاع، والذي بموجبه تكون جميع الشركات العسكرية الخاصة المشاركة في عمليات العمليات الخاصة (SVO) جزءًا من الإدارة، وإبرام عقد معها، وهو ما ذكرته الصحف الروسية، والبدء في توقيع عناصر فاجنر على عقود عمل مع الجيش الروسي بشكل مباشر.
والمتابع لتفاصيل الحرب داخل أوكرانيا، نجد أنه برغم أهمية مشاركة قوات فاجنر في المعارك، إلا أنها لم تكن تتولى إدارة أي مناطق داخل أوكرانيا، حيث كان الجيش الروسي حريص على استلام أي منطقة يتم الظفر بها من الجانب الأوكراني، ويتم تولية قوة من الجيش إدارة تلك المنطقة، حتى ولو كانت عناصر فاجنر هي من قامت بالاستيلاء عليها، وهو ما يفسر عدم وجود أي اضطراب داخل أوكرانيا نتيجة ما حدث داخل روسيا.
لماذا لم تدك قوات الجيش الروسي عناصر فاجنر؟
ومن اتجه لفكرة أن ما حدث هو أمر مدبر من قبل بوتين للتخلص من قائد فاجنر دون القضاء عليه نهائيا، والحفاظ على القوة العسكرية التي معه، وأن ما حدث ربما يكون مخطط من ثعلب ماكر مثل بوتين، قد تؤكده الأنباء التي جاءت بالصحف الروسية، والتي بدأت تروج لأسباب عدم المواجهة العسكرية ضد تحركات فاجنر لأسباب إنسانية، فبحسب أحد مصادر صحيفة كومرسانت الروسية، فإن بوتين لم يصدر الأمر بضرب أعمدة فاجنر، لأن السلطات حاولت تجنب وقوع إصابات غير ضرورية بين السكان المدنيين وبين مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة العاديين - "احتراماً لمزاياهم العسكرية".
وكذلك ذكرت الصحيفة الروسية، أنه صدرت أوامر لوحدات وزارة الداخلية والحرس الوطني في روستوف أون دون بالابتعاد عن مقر المنطقة العسكرية الجنوبية وعدم التدخل في تصرفات فاجنر، وبموازاة ذلك، وبحسب صحيفة كومرسانت، أجريت مفاوضات مع المتمردين عبر قنوات مختلفة ، شارك فيها مسؤولون حكوميون آخرون ، بالإضافة إلى موظفي وزارة الدفاع ، بمن فيهم أولئك الذين قاتلوا مع شركة فاغنر العسكرية الخاصة في سوريا وأوكرانيا، وبعد ظهر يوم 24 يونيو ، انضم رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو إلى المفاوضات، كما أوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لاحقًا ، وكان هذا "اقتراح مبادرة شخصية" للزعيم البيلاروسي متفق عليه مع فلاديمير بوتين ، لأنه "كان على دراية شخصية بيفجيني لمدة 20 عامًا تقريبًا من المعرفة بينهم.