قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عبد السلام فاروق يكتب: لغز فاغنر والجنجويد !

×

كما حدث فى السودان، يحدث اليوم فى روسيا..قوات الميليشيا تنقلب على الجيش النظامى!!
يقال إن ما حدث فى روسيا من تمرد قوات فاغنر على بوتين، واقتحامها للحدود الروسية واستيلائها على روستوف فى الاتجاه سريعاً نحو العاصمة موسكو، وإعلان قائد الميليشيا فى سفور أن روسيا بات لها رئيس جديد.. هذا الانقلاب قيل إنه بفعل فاعل، وأصابع الاتهام تتجه نحو أمريكا..فهل استطاع السي آى إيه أن يستميل قائد فاغنر حقاً؟ ولو كان هذا ما حدث، فهل كان باستطاعة فاغنر تحقيق تلك الغاية؟!

متى بدأ الخلاف؟
لا يمكن فهم الخلاف بين فاغنر وبوتين دون معرفة ماهية فاغنر ذاتها وكيف نشأت؟..
إذ يرجع تاريخ نشأتها إلى ماقبل 2014 فى قرية مولكينو الروسية وتم تسجيل المؤسسة العسكرية حينئذ فى الأرجنتين لأن القانون الروسي كان يحظر إنشاء المؤسسات العسكرية الخاصة .. أما القائد الحالى لقوات فاغنر (يفغينى بريجوجين) فله قصة عجيبة. إذ كان طوال الوقت مقرباً من بوتين وكان يلقب بطباخ الرئيس بوتين؛ إذ كان فى حقيقته رجل أعمال امتلك سلسلة مطاعم وتعاقد رسمياً مع الحكومة الروسية لتوريد التغذية المدرسية، بينما كانت له خلفية إجرامية معروفة، فجمع بين الولاء لبوتين وبين العقلية الإجرامية.. ترجع ثقة بوتين المتنامية فى قوات فاغنر إلى عام 2014 عندما انضمت هذه القوات الناشئة إلى قائد القوات الانفصالية فى "دونباس" لمساعدة روسيا فى ضم جزيرة القرم وهو ما نجحت روسيا فى تحقيقه فى العام نفسه.
منذ هذا التاريخ توسع نفوذ قوات فاغنر بشكل سريع فى كل النقاط الملتهبة التى وطئها الجيش الروسي فى مناطق النزاع بالشرق الأوسط، كما حدث فى سوريا وليبيا والسودان.. وتلك الأخيرة كانت بداية تنامى نفوذ فاغنر فى إفريقيا بشكل عام؛ إذ استطاعت إنشاء شركة بالتعاون مع الجنجويد فى العبيدية بإقليم دارفور مهمتها التنقيب عن الذهب. والغرض الرئيسي كان لتمويل التسليح لهذه القوات وحلفائها فى الإقليم! ومن السودان توغلت فاغنر أكثر فى إفريقيا فاستعانت بها مالى وإفريقيا الوسطى ونحو 10 دول إفريقية أخرى فى مهماتها وحروبها الأهلية المتواصلة، والتى لا تخلو منها بقعة فى إفريقيا المنكوبة بالنزاعات.
الغريب فى الأمر أن أغلب قوات فاغنر ،التى قدرتها أمريكا بنحو 50 ألف مقاتل، هم مجرمون سابقون مدانون بجرائم عنف فى روسيا وقد حصلوا على عفو رئاسي من بوتين. وقد سبقت الإشارة إلى أن قائد قوات فاغنر نفسه كان مداناً سابقاً قضى فى السجون نحو 10 سنوات كاملة!
فى أواخر عام 2022 أًصبحت قوات فاغنر ذات تواجد رسمى بعد أن أنشأت مقرها الرسمى فى سان بطرسبرج بروسيا، بينما ظلت أمريكا تعتبرها منظمة إجرامية دولية..
أما الخلاف الذى نشأ بين فاغنر والجيش الروسي فبدأت إرهاصاته منذ يناير الماضى عندما أعلن وزير الدفاع الروسي (سيرغى شويجو) السيطرة على بلدة سوليدار الأوكرانية متجاهلاً دور قوات فاغنر. وزاد الخلاف عندما تولى رئيس الأركان (فاليري غيراسيموف) قيادة عمليات خلافاً لما تمناه قائد فاغنر الذى اعتاد العمل مع القائد المقال السابق. وتوسعت الفجوة بعد تمام السيطرة على باخموت حيث حصل الجيش الروسي على كل المجد، وتم إهمال دور فاغنر كما هو المعتاد.. وأثناء عملية باخموت تعود بريجوجين قائد ميليشيات فاغنر انتقاد القيادة العسكرية الروسية وتوجيه اللوم اللاذع لها واتهامها بانعدام الكفاءة إلى درجة الخيانة! فما إن انتهى دور فاغنر وتم استبدال قواته بالميليشيات الشياشانية حتى أدار بريجوجين ظهره لأوكرانيا واتجه فوراً صوب موسكو وعينه على عرش بوتين!
لغز روستوف
ما حدث فى روستوف خلال الساعات الماضية يمثل لغزاً كبيراً وعلامة استفهام بحجم روسيا!
إذ أن تلك المدينة ذات المليون نسمة، والتى تتركز فيها قوات روسيا الجنوبية تمثل نقطة ارتكاز وتمثل مع دونباس وغيرها من النقاط الحدودية محوراً للعمليات الحربية ضد أوكرانيا؛ ما يعنى أنها على أتم الاستعداد لصد أى هجوم مباغت. لكن الذى حدث أن قوات فاغنر استطاعت بعد اشتباكات محدودة أن تسيطر على مركز قيادة القوات الجنوبية بعد استسلام قائدها الروسي، ولم يتحرك الطيران لضرب قوات فاغنر البرية الضعيفة أمام قدرات الطيران الحربي الروسي! هناك وجهات نظر أن هناك من بين القوات الروسية قادة انضموا لفاغنر فى حركته الانقلابية؛ ويدعم هذا ما جاء فى البيان المقتضب للرئيس بوتين معلناً فيه عن حالة الانقلاب والخيانة التى حدثت من قائد قوات فاغنر.
والحق أن هناك تساؤلات كثيرة لدى خبراء الحرب فى العالم أجمع عن مدى قدرة روسيا على صد الهجوم المضاد وتأمين نقاطها الحيوية ومدى قدرتها على الحفاظ على أمنها القومى بعد سلسلة الاختراقات التى أصابت عدة نقاط حصينة منها الكرملين ذاته عندما تم استهدافه بطائرة مسيرة، بخلاف انهيار سد كاخوفكا الذى تسبب فى خسائر تقدر بالمليارات لجزيرة القرم نتيجة التدمير الضخم والكوارث البيئية والاقتصادية التى خلفها انهيار السد.
الآن وبعد الاستيلاء على روستوف بدأت قوات فاغنر فى الاتجاه سريعاً صوب موسكو بغرض إسقاط بوتين.فهل كانت أمريكا من وراء هذا كله؟ كيف وهى التى سبق لها تصنيف فاغنر بأنها منظمة إجرامية؟
المصير الغامض
المشهد بأسره يكتنفه الغموض والارتباك والقلق..
فالذين يقولون إن السي آى إيه الأمريكي استطاع استمالة قائد فاغنر، يرون أن التحركات الأمريكية لقوات الجيش والتعبئة السريعة فى جبهات بكندا والمكسيك خلال الأيام الماضية تثير الريبة والتساؤل.. وإذا ضممناها مع ما حدث فى روسيا أمس ، وما حدث من انهزام للقوات الأوكرانية بعد سقوط باخموت. يقول إن أمريكا غيرت سياستها العسكرية وبدأت تتجه لألاعيب الانقلابات وإثارة الحرب الأهلية. بينما أمريكا نفسها تتخذ موقفاً غريباً مربِكاً؛ إذ دفعت البعض للادعاء بأن ما يحدث فى روسيا هو انقلاب مفبرك، وأنها حركة خداعية من تنفيذ بوتين نفسه. بدليل أن قوات فاغنر تتحرك بحرية وأريحية مثيرة للدهشة لدرجة أن تهدد العاصمة موسكو نفسها ! فما الغرض من مثل هذه الفبركة إذا صح هذا السيناريو الغريب؟ الغرض هو إرباك حسابات أوكرانيا والناتو لجرهم لمخاطرات غير محسوبة تكون فيها نهاية المعركة وتمام الاستيلاء على كييف؟ فأى هذه السيناريوهات هو الأصح؟
ما الذى كان سيحدث إذا نجح التمرد؟ وما مصير الحرب فى أوكرانيا؟ وهل يخيم شبح التقسيم أو الحرب الأهلية على روسيا؟ وهل يظل بوتين يزاول مهامه من مبنى الكرملين أم ينسحب من موسكو إلى غيرها من النقاط الحصينة؟ وهل يتحرك الجيش الروسي ضد فاغنر؟ كل تلك الأسئلة تعتمد على كون هذا الانقلاب حقيقي أم مجرد خدعة مفبركة. خاصة وأن الخسائر معدومة، وأن هناك أنباء أن قادة الطائرات كانت لديهم أوامر بعدم قصف قوات فاغنر المتجهة نحو موسكو! فأين الخدعة هنا؟ هل روسيا أم أمريكا من ورائها؟
الآن هناك منظومة نووية على حدود بيلاروسيا. وفى الوقت ذاته تحركات شاملة قادمة من الناتو وأمريكا وحلفائها فى الأمريكتين، هناك احتشاد غير مسبوق، وتهديدات باستخدام قنابل اليورانيوم المنضب كمقدمة لاستخدامه بصورته المخصبة! فهل يجرى الإعداد لحرب عالمية شاملة جديدة. وهل يتم خداع العالم، ليجد بوتين ذريعة لاستخدام النووى لإنهاء الحرب لصالحه؟
الشواهد كلها تدل على أننا متجهون نحو منزلق خطير يحتدم فيه الصراع الدامى الممتد بين الحلف الغربي والمعسكر الشرقى. ذلك الصراع القديم الذى لن ينتهى إلا بسقوط أحد طرفى الصراع.