تعد الاستخارة هي أحد الأدوات التي يستعين بها المسلم على قضاء حاجته المستقبلية، وهي من "الخير"، ضد الشر، وقد يتساءل الكثيرون عن حكم الاستخارة وهل تجوز الاستخارة باستعمال السبحة أم لا؟
تقول دار الإفتاء في بيان مفهوم الاستخارة، إن الاستخارة من مادة “الخير”، وخار الله لك؛ أي: أعطاك ما هو خير لك. والخيرة بسكون الياء: الاسم منه. فأما بالفتح: فهي الاسم؛ من قولك: اختاره الله. والاستخارة: طلب الخيرة في الشيء، يقال: استخر اللهَ يَخِرْ لك.
وتابعت: قول: "اللهم خِرْ لي"؛ أي: اختر لي أصلح الأمرين، واجعل لي الخيرة فيه. فالاستخارة هي: طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (2/ 91، ط. المكتبة العلمية)، و"فتح الباري" لابن حجر (11/ 183، ط. دار المعرفة).
حكم صلاة الاستخارة
قد ندب الشرع الشريف المؤمنين إلى الاستخارة، وجعلها من سعادة الإنسان، وجعل تركها من شقاوته؛ فروى أحمد في "مسنده" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللهَ، وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللهُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللهِ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ».
دعاء صلاة الاستخارة
وأشارت إلى أن الأصل في الاستخارة أن تكون بصلاة مخصوصة، وذلك بصلاة ركعتين من غير الفريضة، ثم الدعاء بالدعاء الوارد الذي جاء فيما أخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن؛ يقول: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ -ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ- خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ».
حكم الاستخارة على السبحة
وفي جواب سؤال: ما حكم الاستخارة على السبحة، حيث تقوم على فكرة التلفظ بذكر معين ثم تقبض السبحة بيدك، فتقوم بالفعل أو عدمه اعتماداً على خروج عدد معين من أحجار السبحة زوجي أو فردي، أو إذا انتهت أحجار السبحة عند ذكر معين؟
قالت دار الإفتاء الأردنية، إن الاستخارة الشرعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي يكون فيها الاستعانة بالله على طلب خير الأمرين، فإن كان خيراً دعا الله عز وجل تحقيقه، وإن كان شراً دعا الله عز وجل أن يصرفه.
واستدلت بما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي" قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) رواه البخاري.
وهذه الكيفية هي إحدى صور الاستخارة الثلاثة التي بينها الفقهاء ومنهم الشافعية، وأما الصورة الثانية للاستخارة فتكون بالدعاء فقط من غير صلاة، إذا تعذرت الاستخارة بالصلاة والدعاء معاً، والصورة الثالثة تكون بالدعاء عقب أي صلاة كانت مع نيتها، وهو أولى، أو بغير نيتها كما في تحية المسجد.
وأما الاستخارة بالسبحة بالكيفية الواردة في السؤال فلا تجوز؛ لأن هذه الصورة في حقيقتها شبيهة بالاستقسام بالأزلام؛ لأنها طلب المستخير أحد أمرين، وهما افعل أو لا تفعل، بصورة خاضعة للحظ المحض، وهذا مناقض للأخذ بالأسباب.
قال الإمام النفراوي المالكي رحمه الله: "وفي رواية: وأحب الفأل الصالح، مثاله: إذا خرج لسفر أو إلى عيادة مريض، وسمع يا سالم يا غانم أو يا عافية، هذا إذا لم يقصده، وأما إذا قصد سماع الفأل ليعمل على ما يسمع من خير أو شر، فلا يجوز، لأنه من الأزلام المحرمة التي كانت تفعلها الجاهلية...، وفي معنى هذا مما لا يجوز فعله استخراج الفأل من المصحف؛ فإنه نوع من الاستقسام بالأزلام، ولأنه قد يخرج له ما لا يريد فيؤدي ذلك إلى التشاؤم بالقرآن، فمن أراد أمراً وسمع ما يسوء لا يرجع عن أمره، وليقل: اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت، ولا يأتي بالشر أو لا يدفع الشر إلا أنت" [الفواكه الدواني2/ 342].
وشددت: أن في هذه الصورة من الاستخارة مصادمة صريحة للكيفية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان كيفية الاستخارة، ومعلوم أن العبادة إذا جاءت بصفة معينة فلا يجوز التغيير فيها، كما لا يجوز الزيادة في ركعات الصلاة، أو زيادة ركن فيها.