قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

هند عصام تكتب: الأخوان والزوجة اللعوب

الكاتبة الصحفية: هند عصام
الكاتبة الصحفية: هند عصام

الأخ للأخ ضماد، فكيف للضماد أن يجرح؟ هيا بنا نتعرف على حدوتة جديدة من حواديت الأدب الفرعونى، فكنوز أجدادى الفراعنة ليست آثار وتماثيل من ذهب فقط، بل براعو فى كل شىء؛ العمارة والطب والفن والأدب، فكان الفرعون المصرى مثقفا بطبيعة الحال وترك لنا برديات تحمل قصصا وحواديت تبهر كل من يترجمها أو يطلع عليها، وبالأخص بردية دي أربيني المحفوظة فى المتحف البريطاني، وتحمل فى طياتها قصة الأخوين التى ترجع لعصر سيتي الثاني.

وكان يا ما كان الحب مالى بيت الأخوين اللذين أخذ الموت منهما أبويهما دون إنذار، ومن بعدها تكاتف الأخوان معاً لمواجهة الحياة سوياً، ولكن فى هذه القصة جاءت الزوجة اللعوب وفرقت بين الأخوين، يا ترى يا هل ترى إيه الحكاية؟ تعالوا معى نتعرف على حكاية جديدة من حكاوى الأدب الفرعونى عن الأخوين وغدر الزوجات، ماذا حدث وكيف حدث؟

تدور أحداث القصة حول شقيقين؛ الأكبر يدعى "أنوبيس" والأصغر يدعى "باتا"، من نفس الأب والأم، وكان أنوبيس الأخ الأكبر متزوجا وكان الأخ الأصغر باتا يعيش معه فى نفس مسكن الزوجية، وكان الأخوان يعملان معًا، وكان باتا الصغير يقوم على خدمه أخيه الأكبر وزوجته، في الزراعة وتربية الماشية وحصاد أرضه.

وكان باتا شاباً قويا مفتول العضلات تربى فى بيت أخيه بعد وفاة أبويه، وكان أخوه وزوجة أخيه بمثابة أم وأب له، ولكن ما حدث من زوجة أخيه كان فى غاية الوضاعة والغدر والخيانة والظلم لباتا، فذات يوماً وفي أحد أيام موسم البذر، يأمر أنوبيس أخاه باتا بأن يذهب إلى القرية ليحضر له بذورا من البيت، فيذهب باتا إلى منزل أخيه ليجد زوجة أخيه جالسة تمشط شعرها، فيقول لها: انهضى واعطنى البذور، قالت له: دعنى أمشط شعرى واجلب أنت البذور.

ولما رأت الفتى القوى مفتول العضلات يحمل البذور، حاولت زوجة أنوبيس إغواء باتا وراودته عن نفسه، لكنه رفض، وهمت به وهما بها ولكن باتا كان شابا مخلصا لأخيه أنوبيس الذى قام بتربيته بعد وفاة والديه.

ودفعها باتا عنه وفر منها كالصقر الهارب، وقال لها: إنك مثل أمى وزوجك مثل أبى، فثارت وانهارت الزوجة اللعوب، وحذرها باتا من أن تفعل هذا مرة أخرى، وأكد لها أنه لن يذكر ما حدث لأحد.

ولكن الزوجة اللعوب انتابها الخوف من أن يخبر زوجها بما فعلته فى غيابه وخشيت افتضاح أمرها، فدبرت الزوجة اللعوب مكيدة لباتا، وعندما عاد زوجها أنوبيس أخبرته وهى تبكي أن شقيقه الأصغر باتا حاول إغواءها ومراودتها عن نفسها، وحرضته على قتل شقيقة الأصغر.

وانتاب أنوبيس الغضب وحمل الرمح والسيف وخرج يبحث عن باتا فى كل مكان ليقتله وينتقم لشرفه، وانتظر أنوبيس باتا وهو مختبئ خلف باب الحظيرة، وجاء باتا كعادته محملاً بالعشب يقود أمامه الأبقار، ولأن حاسة الحيوانات قوية وتشعر بالخطر، قالت إحدى الأبقار لباتا: احذر أخاك الأكبر مختبئ ومعه رمحه ليقتلك، وحذرته البقرة الثانية بنفس الطريقة، ليلمح باتا أخاه بالفعل مختبئا خلف الباب.

فزع باتا وفر هارباً من شقيقه الأكبر، واتبعه أخوه فى محاولة لقتله، فتضرع الأخ الأصغر المظلوم إلى الإله رع حور أختي قائلا: “سيدي، إنك أنت الذي يفصل بين الحق والباطل".

ويسمع الإله لاستغاثة الأخ المظلوم باتا، فيخلق له بحيرة عظيمة مكتظة بالتماسيح بينه وبين شقيقه الأكبر أنوبيس المعمى على قلبه بالغضب، فيصبح كل منهما واقفا على ضفة.

وكاد أنوبيس ينفلج من الغضب حيال عجزه عن قتل أخيه، ووقف الأخ المظلوم على الضفة وهو يقول لشقيقه أنوبيس: "أختصمك لدى الإله رع، وسوف يظهر الحق من الباطل، لن أعيش معك أبداً في نفس المكان سوف أذهب إلى وادي الأرز”.

وسأله باكيا: كيف تقتلنى بالباطل دون أن أدافع عن نفسى؟ اسمع لى أولاً، هى من راودتني عن نفسي حين ذهبت لإحضار البذور.

ثم أقسم باتا لأخاه بحياة رع حور قائلا: جئت لتقتلني برمحك من أجل امرأة ساقطة وضيعة، ثم قام باتا الأخ المظلوم بقطع عضوه الذكرى وألقى به إلى الماء لإثبات صدقه، فابتلعته سمكة، فأصبح سقيما تعسا، فأشفق عليه أخوه الأكبر وبكى، ولكنه لم يستطع العبور إليه بسبب التماسيح.

وقرر باتا الأخ الأصغر أن يذهب إلى وادي الأرز، وقال لأخيه الأكبر أنوبيس: عد إلى دارك واهتم بنفسك وبماشيتك وأرضك، أما أنا فسوف آخذ قلبي وأعلقه على برعم شجرة الأرز، فإذا قطعت الشجرة وهوى قلبي فتعال لتبحث عنه، فإذا وجدته فضعه في الماء الطازج، كى أسترد حياتي، وأنتقم ممن ألحقوا بي الأذى.

ثم مضى باتا إلى وادي الأرز وعلق قلبه على براعم شجرة أرز عظيمة، بينما عاد الأخ الأكبر أنوبيس إلى داره حزينا، وعندما وجد زوجته اللعوب وهي تحتفل بانتصارها، غلى الدم فى عروق أنوبيس فقتل زوجته وتخلص منها وجلس يبكي على أخيه المظلوم.

أما باتا فبعدما علق قلبه على براعم شجرة الأرز، عاش على الصيد في البرية ثم عاد لينام تحت الشجرة، وفي أحد الأيام جاءت آلهة التاسوع إليه وقررت مكافأته وتعويضه عما أصابه من ظلم، وأخبرته أن أنوبيس قتل زوجته اللعوب الخائنة، وقررت الآلهة أن تهبه زوجة إلهية، فيصنعها الإله خنوم على عجلته الفخارية وينفخ فيها الإله رع الحياة، فتستوي امرأة بارعة فى غاية الحسن والجمال، وتحضرها الحاتحورات السبع لتقرير مصيرها، فيقولون إنها سوف تلقى مصرعها وتموت موتا عنيفا.

وكان باتا عاشقاً متيماً بحب زوجته، وكان يخشى عليها من مصيرها المحتوم، فأمرها بألا تغادر المنزل أبداً، وأخبرها بسر مصيرها المحتوم.

وفي أحد الأيام، خالفت الزوجة الجميلة زوجها وذهبت للتنزه بجوار البحر، فحاول البحر اختطافها، فذهبت مسرعة إلى دارها، فنادى البحر على شجرة الأرز أن تمسك بها، ولم تتمكن الشجرة، فأخذت الشجرة خصلة من شعرها فحملها البحر إلى مصر، وتركها حيث تغسل ثياب الفرعون، فاختلط شذى عطرها بثياب الملك وظل غاسلو ثياب الملك يبحثون عن مصدر رائحة هذا العطر.

وظل رئيس الغسالين يبحث عن مصدر رائحة العطر التى اختلطت بثياب الملك، وذات يوم كان واقفاً بجوار الشاطئ فلمح خصلة الشعر عائمة وأدرك أنها مصدر العطر، فأرسل في إحضارها من الماء، وأحضرها إلى الفرعون، الذي احتار في أمرها فأحضر إليه العرافون، فاخبروه أنها خصلة شعر ابنة الإله رع حور أختي المباركة من الأرباب، وأنها تحية لك من بلد آخر “وادي الأرز”، فأرسل الفرعون الجنود لإحضارها، لكن باتا الشاب البطل دافع عن زوجته باستماتة وقتلهم جميعهم إلا واحدا أبقاه ليحكي ما حدث مع الآخرين.

وعاود الملك فى محاولة مرة أخرى، ولكن أرسل فى هذه المحاولة مع الجنود امرأة حكيمة محملة بالهدايا، فنجحت في إقناع زوجة باتا بالذهاب إلى مصر، وكأن القدر حكم عليه بزوجة خائنة مثلما حكم على أخيه، وشغف الملك حباً بزوجة باتا لتصبح سيدة حريم القصر، ومن ثم زوجته الملكية المفضلة.

ولكن كل ما كانت تخشاه زوجة باتا ويشغل بالها هو خوفها من انتقام باتا منها، فقررت الزوجة الخائنة أن تبوح بسر باتا إلى زوجها الملك وتطلب منه أن يقطع شجرة الأرز التي تحمل قلب باتا، فانساق الملك لرغبات زوجته، حيث كان شغوفاً بحبها ولا يرفض لها طلباً.

وفي نفس اللحظة التي قطعت فيها الشجرة، سقط باتا وهو يصارع الموت، وفي نفس التوقيت يقدم القدح من الجعة لأخيه أنوبيس فيفيض أمامه، فيعطى قدحا آخر من النبيذ فيفسد، وهو الأمر الذى أخبره به أخوه باتا من قبل، فيدرك أنوبيس على الفور أن هناك مكروها أصاب أخاه، فيحمل عصاه ويتوجه على الفور إلى وادي الأرز ليجد أخاه صريعا، ويذهب بحثا عن قلبه ويستغرق ثلاث سنوات دون جدوى.

وأخيراً وبعد أن يئس أنوبيس من البحث وقرر العودة، عثر على ثمرة احتوت على قلب أخيه، فحملها إلى داره، وفعل مثلما أخبره أخاه ووضعها في إناء به ماء طازج، وجلس بجوارها، وعند شروق الشمس كان قلب باتا امتصالماء وعاد نابضاً من جديد.

وبعد أن أستعاد باتا أنفاسه من جديد شكره أخوه، فتعانق الأخوان مرة أخرى، وعند هذا أخبر باتا أخاه أنوبيس بأنه سوف يتحول إلى ثور ذهبي عظيم ويأمره بأن يذهب إلى البلاط الفرعونى الملكى، وسوف يكافأ بوزنه ذهباً.

وبالفعل يتحول باتا إلى ثور ذهبي، ويذهب به أخوه إلى بلاط الفرعون والذي يفرح به فرحاً كبيراً ويقرر مكافأة أنوبيس على تلك الأعجوبة بوزنه ذهبا.

ويعود أنوبيس إلى قريته تاركا أخاه في القصر بعد أن صار ثورا.

وكان باتا الذى تحول إلى ثور يتجول فى كل أنحاء القصر بكل حرية، وكان الملك يحب هذا الثور الأعجوبة، وذات يوم قرر باتا المتحول لثور أن ياتى بجانب زوجة الخائنة ويهمس فى أذنيها قائلاً: "انظري ها أنا إني هنا أنا ما زلت حيا"، فتقول له زوجته فى فزع: “من أنت؟”، فيرد: "أنا باتا، وأنتِ تعلمين أنكِ حين جعلت الفرعون يقطع شجرة الأرز، كان ذلك من أجلي، حتى لا أحيا، فتصاب الزوجة بالذعر والخوف إزاء ما أخبرها به زوجها باتا المغدور، وتنتهز إحدى الفرص بينما كانت تلاطف الملك لتنتزع منه قسما بأن ينفذ لها أي طلب أياً كان، فتقول للملك: يا مولاى وملكى فلتجعلني آكل كبد هذا الثور، فهو عديم النفع.

وبالفعل استجاب الملك لزوجته وأحضر القصابين فى الصباح لذبح هذا الثور، وبعد ذبحه وبينما كان محمولا على أعناق القصابين، كان يهز عنقه فتسيل دماء باتا الثور العظيم على جانبي المدخل الكبير لقصر الفرعون، لينمو مكان دماء باتا شجرتي سنط كبيرتين، ويحتفل بهما الملك كأعجوبة لجلالته، ويخرج الفرعون بعربته الملكية مصطحبا زوجته لزيارة الشجرتين، فيجلس هو تحت إحداهما بينما تجلس الزوجة تحت الأخرى، وكانت هنا المفاجاة التى لم تكن يوماً فى البال، فحدثتها شجرة السنط قائلة: “ها أنا هنا أنا باتا أنا أحيا رغما عنك، أنتِ جعلت الفرعون يقطع شجرة الأرز من أجلي، فتحولت إلى ثور، فجعلتني أقتل ثانية”.

فزعت الزوجة مرة أخرى وطلبت من زوجها الملك أن يقطع شجرة السنط، وبالفعل استجاب لها وأمر بقطعها، وعندما كانت تقطع شجرة السنط، وبينما كانت الزوجة تراقبهم، تطير شظية إلى فم الزوجة الخائنة لزوجها باتا وتصبح حاملا، وعندما علم الملك بهذا الخبر غمرت قلبه السعادة التى فاضت على شعبه بالخير الوفير.

وعندما وضعت الزوجة مولودها الذكر، فرح الملك وشغف حبا به، ومن ثم جعله ولي عهد النوبا ثم ولي عهد البلاد كلها.

وبعد مرور سنوات يموت الملك ويرث الابن" باتا" الذى عاد من جديد واعتلى العرش، وأصبح هو الفرعون، وما إن اعتلى العرش حتى أمر بحضور جميع أعضاء البلاط الملكى ليقص عليهم حكايته والظلم الذى وقع عليه من زوجته الخائنة.

وأمر بإحضار الزوجة الخائنة وحكموا عليها بعقوبة القتل جزاءً لغدرها بزوجها، وتنفيذاً لقدرها المحتوم، ومن ثم استدعى باتا أخاه الاكبر أنوبيس وعينه وليا للعهد.

وحكم باتا كملك لمدة 30 عاماً للبلاد، وبعد موته يخلفه أنوبيس، لتنتهي القصة نهاية سعيدة، جمعت الاخوين في سلام وأمان من جديد، ولا عزاء للسيدات الخائنات.