تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً هاما في مكافحة التطرف والإرهاب والعنف، وتأتي أهمية منظمات المجتمع المدني كونها وسیطاً بین الفرد والمجتمع والمواطن والدولة، وهي لا تقوم إلا على أساس المواطنة والدیمقراطیة والتعایش.

ميزانية مكافحة الإرهاب
وقالت وزيرة التضامن، نيفين القباج، إن الإرهاب كلف مصر نحو 207 مليارات دولار في الفترة ما بين عام 2011 وحتى عام 2016.
وأشارت "القباج"، على هامش مؤتمر حول "دور المجتمع المدني في مواجهة التطرف"، إلى النتائج المترتبة عن الإرهاب، على غرار تداعياته على السياحة وتوافر النقد الأجنبي، مؤكدة أن فكرة البحث الذي أعدته وزارة التضامن لمناقشة قضية تكلفة الإرهاب جاءت بطلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث كان يهدف إلى رصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تكبدها المجتمع المصري خلال الأعوام الماضية بسبب الظاهرة.
وأكدت الوزيرة، أن عددا كبيرا من الباحثين والمتخصصين شاركوا في البحث الذي استمر لمدة 18 شهرا، فيما اعتبرت أن الشباب المصري يعاني أزمة هوية وانتماء، كما أضافت "أننا أمام قضية حقيقية تبدأ بالاغتراب وفقد الهوية"، لتنتهي بالتطرف والإرهاب.
وأضافت "القباج"، أن وزارتها ستشرع في نشر البحث بين كل فئات المجتمع ولطلبة المدارس، وكشفت أن البحث توصّل إلى أن الإرهاب ليس ظاهرة أحادية، وإنما يتبلور من منظور متعدد الأبعاد والآثار، مشيرة إلى أنه ليس مشروطا بالفقر أو تدني المستوى التعليمى.
وساهمت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب التي طورتها مصر لتكون هي الإطار الموجه لمختلف جهود التصدي للكيانات الإرهابية النشطة داخل الإقليم المصري، في احتواء التهديد الذي يمثله الإرهاب على الأمن القومي للدولة، بشكل تدريجي، وهو ما يشير إليه، على سبيل المثال، تراجع مجمل الأحداث الإرهابية التي وقعت خلال العام الماضي مقارنة بالسنوات السابقة، وإعلان الرئيس السيسي، في 25 أكتوبر 2021، عن عدم تجديد فرض حالة الطواريء في عموم البلاد، وهو إجراء كان قد طُبق منذ عام 2017 في إطار تدابير مكافحة الكيانات الإرهابية.
وهناك تزايداً ملحوظاً في قدرة الجهات الحكومية على احتواء تأثير الإرهاب، حيث يشير مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2022 إلى تحسن ترتيب مصر من حيث مستوى تأثرها بالإرهاب خلال السنة التي يغطيها المؤشر مقارنة بالسنوات السابقة، إذ جاءت مصر مقارنة بباقي دول العالم في الترتيب رقم 15، بينما كانت في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2017 في الترتيب رقم 6، أي أنها تقدمت في المؤشر عدد 9 مراكز وخرجت من دائرة الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب.
وتتألف الاستراتيجية المصرية من ثلاثة محاور لمكافحة الإرهاب على المستوى الوطني، وشهدت السنوات الماضية تنفيذ عديد من السياسات في كل من هذه المحاور الثلاثة داخل الدولة المصرية، وذلك على النحو التالي:
1- المحور الأول:
يتعلق بالقضاء على الكيانات الإرهابية وإضعافها، من خلال إضعاف الهيكل التنظيمي لها عن طريق تصفية أو القبض على قياداتها ومحاكمتهم وفقاً للقوانين الوطنية، وتفكيك البنية اللوجستية التي تعتمد عليها تلك الكيانات والتي توفر لها المال والسلاح والعنصر البشري، وإضعاف نفوذ تلك الكيانات في المناطق التي تتمركز فيها من خلال الاهتمام بمعالجة الأضرار الناتجة عن المواجهات معهم.
ونُفذت في إطار هذا المستوى،العديد من البرامج ذات الصلة ببناء قدرات قوات إنفاذ القانون في التصدي للكيانات الإرهابية أثناء وجودها في المناطق السكنية الحضرية بما يوفر الحماية للمدنيين، وحماية الأهداف الحيوية باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
وتم أيضاً تبني إطار قانوني ومؤسسي لتدابير مكافحة الإرهاب المعتمدة وذلك في ضوء المادة 237 من دستور عام 2014. إذ تبنت الحكومة قانون الكيانات الإرهابية 8 لسنة 2015، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، والذي يتبنى تعريفاً محدداً لما يقع ضمن الأعمال الإرهابية وتمويل الإرهاب والعقوبات المفروضة على مثل تلك الأعمال، وتم تبني تعديلات القانون رقم 80 لسنة 2022 الخاص بغسل الأموال، وقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، وقانون التنمية الشاملة لشبه جزيرة سيناء رقم 95 لسنة 2015.
كما أصدر الرئيس السيسي القرار رقم 25 لسنة 2018 بإنشاء "المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف"، ويرأسه رئيس الجمهورية، وتتشكل عضويته من كل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وشيخ الأزهر، وبابا الإسكندرية، ووزير الدفاع، ووزير الأوقاف، ووزير الشباب والرياضة، ووزير التضامن الاجتماعي، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ووزير العدل، ووزير الثقافة، ووزير التربية والتعليم، ووزير التعليم العالي، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية.

مواجهة الإرهاب أمنيا
وتم أيضاً الإعلان عن عدد من التوجهات العامة الخاصة بالمواجهة الأمنية مع الإرهابيين، ومنها بيان مجلس الوزراء الصادر في 21 سبتمبر 2015 والذي تضمن أربعة مباديء حاكمة لمكافحة الإرهاب في شمال سيناء، تتمثل في التزام الدولة بتقديم تعويضات لجبر الضرر الذي يلحق بسكان شمال سيناء، وتوفير الحماية الكاملة للمواطنين، والاعتماد على منظومة معلومات دقيقة قبل تنفيذ الحملات الأمنية ضد بؤر الإرهاب، ومراعاة مبدأي الضرورة والتناسب.
2- المحور الثاني:
يتمثل في مساعدة ضحايا الإرهاب، وبوجه عام تهتم الاستراتيجية الوطنية بمساعدة ضحايا الإرهاب بهدف منع الضحايا من أن يصبحوا أعضاء محتملين في الكيانات الإرهابية، أو أن يوفروا ملاذاً آمناً أو مأوى للإرهابيين، أو أن يكونوا أكثر استعداداً لقبول الأفكار المتطرفة التي يروج لها الإرهابيون، حيث يمكن أن يحقق الإرهابيون ذلك عن طريق تقديم المساعدات المالية والاجتماعية للضحايا والتي يمكن أن تجبر الضرر الذي لحق بهم بسبب الحدث الإرهابي، وذلك إلى جانب الدعم النفسي وتقديم مساعدات مالية للمرأة على وجه التحديد لتكون قادرة على رعاية أسرتها في حال فقدها عائلها بسبب الحدث الإرهابي.
وتميز الاستراتيجية بين نوعين من الضحايا: النوع الأول، هم الضحايا بسبب الهجمات الإرهابية كما في حالة الضحايا من العاملين في قوات إنفاذ القانون، حيث يتم منحهم صفة "شهداء".
كما تقدم الحكومة لهم تعويضات مالية وفقاً للمادة (54) من قانون مكافحة الإرهاب، فضلاً عن حرص الرئيس السيسي على تكريمهم شخصياً في الاحتفال السنوي بعيد الشرطة.
وتهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على الروح المعنوية للشرطة على أعلى مستوياتها، ولمعالجة أي أضرار قد تلحق بأسرهم. وفي حالة الضحايا المدنيين، تقرر الحكومة التعويض لهم على أساس كل حالة على حدة.
وناقشت على سبيل المثال وزارة العدل تقديم تعويضات لأسر القضاة الذين تم اغتيالهم من قبل الإرهابيين في مايو 2015.
وخصصت وزارة التضامن الاجتماعي في أبريل 2015،حوالي 10 آلاف جنيه مصري لكل عائلة فقدت مدنياً في هجمات في مدينة العريش.
كما أصدر وزير التربية والتعليم قراراً بإعفاء أبناء شهداء الإرهاب من الرسوم الدراسية في المدارس الحكومية. كذلك صدرت قرارات متعلقة بأولوية تعيين أبناء الشهداء في المؤسسات الحكومية.
وأمر الرئيس السيسي بعد حادث الهجوم على مسجد الروضة في نوفمبر 2017،بصرف 200 ألف جنيه لأسرة كل شهيد، و50 ألف جنيه لكل مصاب.
وإلى جانب ذلك، تم في 2018 إنشاء "صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم".
النوع الثاني، من الضحايا الذين تهتم بهم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب هم المتضررين من تدابير مكافحة الإرهاب، حيث أكدت البيانات الرسمية الخاصة بمكافحة الإرهاب طوال السنوات الماضية في أكثر من مناسبة على حرصها على عدم إلحاق أي أضرار بالمدنيين أثناء المواجهات مع الإرهابيين في شمال سيناء تحديداً.
فجاء في بيان الحكومة الصادر في سبتمبر 2015 والسابق ذكره "الالتزام بعدم إطلاق النار على أي مصدر للتهديد قبل أن تشكل تهديدات وشيكة لأفراد الأمن، مع مراعاة مبدأي التناسب والضرورة إلى جانب التخفيف من معاناة السكان في هذه المناطق"، ولذا حرصت الحكومة على وضع خطط تعويض للأفراد المتضررين من تدابير مكافحة الإرهاب.
كما تنفذ الحكومة العديد من المشروعات التنموية في بعض المناطق المتضررة من الإرهاب بهدف رفع مستوى التنمية فيها وتعويض سكانها عما لحق بهم من أضرار.
3- المحور الثالث:
يتمثل إلى تعزيز صلابة ومرونة المجتمع Resilience في مواجهة الإرهاب، من خلال ثلاثة مسارات متوازية هي مواجهة الفكر المتطرف الذي تستند إليه الكيانات الإرهابية، ورفع الوعي بين الشباب والمرأة، وتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في مكافحة الإرهاب.
وتقود الجهود المتعلقة بمواجهة الفكر المتطرف الذي تستند إليه الكيانات الإرهابية كل من مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء.
إذ أطلقت مؤسسة الأزهر منصة إلكترونية تحت اسم "مرصد الأزهر"، من أجل دحض الرسائل التي تنشرها المنظمات الإرهابية عبر الإنترنت. ويعمل المرصد بثماني لغات بخلاف اللغة العربية، وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والأردو والسواحيلي والفارسي والصيني.

الإرهاب ظاهرة معقدة
وأطلق المرصد أيضاً ثلاث حملات توعية على الإنترنت، هي: "يدعون ونصحح"، و"الكلمة الطيبة"، و"مفهوم الجهاد". وأنشأت دار الإفتاء في عام 2014 "مرصد فتاوى التكفير" بهدف تفنيد الفكر بالفكر، حيث أطلق المرصد منذ ذلك الحين عدة مشاريع تقوم على أساس التفاعل بين الخبراء الأكاديميين والمتخصصين في قضايا التطرف والإرهاب ومشايخ دار الإفتاء ورجال الدين، كان أهمها مشروع تشريح وفهم العقل المتطرف، ومشروع رصد الفتاوى التي تروج لها الجماعات الإرهابية والمتطرفة في العالم الإسلامي.
واهتم المرصد في إطار اهتمام الدار بالتواجد على منصات التواصل الاجتماعي، بالتواجد المستمر على موقع الفيسبوك من خلال صفحة رسمية يتم تحديثها باستمرار، واهتم المرصد أيضاً بمخاطبة المجتمع الغربي من خلال إصدار مجلة باللغة الإنجليزية هي مجلة Insight.
كما اعتمدت وزارة الأوقاف من جانبها عدداً من التدابير لمنع الأئمة من إصدار فتاوى تعكس فهماً متعصباً للشريعة الإسلامية أثناء إلقائهم خطب الجمعة في المساجد الخاضعة لإشرافها.
كما تنفذ هذه المؤسسات الثلاث أيضاً برامج لتدريب الأئمة والوعاظ، وتقوم بإرسال القوافل الدعوية إلى القرى والنجوع لتصحيح المفاهيم غير الصحيحة السائدة عن الإسلام، وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة مثل الحاكمية، والخلافة، ودار الإسلام ودار الحرب، والهجرة، والبيعة وغيرها من المفاهيم التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في استقطاب أعضاء جدد في صفوفها.
أما الجهود المتعلقة برفع الوعي بين الشباب والمرأة فهي تهدف لتغذية القيم والمعتقدات الإيجابية التي تجعل الشاب، خاصة الفتاة، أكثر قدرة على عدم التعاطف مع الأفكار المتطرفة، ومنها قيم التسامح وقبول الآخر والإحساس بالانتماء والولاء للدولة وغيرها.
ومن هذه الجهود برنامج وزارة التضامن الاجتماعي المعلن عنه في 2020 باسم "وعي للتنمية المجتمعية" وحملة "المرأة صانعة السلام" التي ينفذها المجلس القومي للمرأة منذ عام 2021 وتم في إطارها تنفيذ عديد من حملات طرق الأبواب في المحافظات وعدة ندوات وفعاليات فنية بالتعاون مع وزارة الثقافة.
وفيما يتعلق بتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في مكافحة الإرهاب، اهتمت الاستراتيجية بتوعية هذه القطاعات بالقوانين ذات الصلة بمكافحة تمويل الإرهاب من خلال عدة ورش عمل وبرامج تدريبية نفذتها وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمعهد المصرفي المصري للتوعية بطرق اكتشاف تمويل الإرهاب ومكافحته في إطار نشاط المنظمات غير الهادفة للربح.
ويمكن القول إنه بصفة عامة، ساهمت هذه الاستراتيجية بشكل كبير في تطوير سياسات مكافحة الإرهاب التي نُفذت على المستوى الوطني بشكل ملموس طوال السنوات الماضية على نحو أدى لاحتواء الإرهاب وآثاره، خاصة فيما يتعلق بتعزيز هذه الاستراتيجية للشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومع المواطن الفرد ليساهموا بشكل فعّال في جهود مكافحة الإرهاب على المستوى الوطني.
ومن جانبه قال الدكتور جورج فهمي، إن المجتمع المدني في مصر تحمل تكلفة كبيرة نتيجة الإرهاب منها تكلفة مباشرة تمثلت في وقف نشاط تلك الجمعيات و تكلفة غير مباشرة تتعلق بالتضييق على عمل الجمعيات الأهلية في فترات مجابهة الإرهاب.
وأضاف أن بعض الجمعيات الدينية دفعت كُلفة كبيرة بسبب تصاعد موجات العنف الناتج من الإرهاب، لافتاً إلى أنه حدث نوع من التديين للمجال الخدمي، مشيراً إلى أن المجتمع المدني الآن أمامه فرصة كبيرة للعمل بشكل كبير لأنها أمام لحظة تحول لم تكن موجودة في السابق.
وأشار إلي وجود عدة مسارات من الممكن أن يعمل عليها المجتمع المدني في مصر منها مسار للوعي ومساى الشراكة بين الجمعيات الدينية المختلفة فضلاً عن عمل برامج تثقيفية تعزز قيم احترام وقبول الآخر بشكل عملي.
وتطرق الدكتور خالد فهمي، إلى دور مراكز الأبحاث في مجابهة الإرهاب من خلال إعداد دراسات عن أسباب هذه الظاهرة وأساليب مجابهتها، ورأى أن الإرهاب عائق للإصلاح الاجتماعي والسياسي وفي نفس الوقت نقص الإصلاح يؤدي إلى الإرهاب، مبيناً أن هناك نوعين من التطرف وهما تطرف واضح مادي من خلال تنظيمات وتطرف كامن ويتمثل في سلوكياتنا وكيف نفكر في الآخر.
وأشار إلى أن التطرف الكامن يتحول إلى تطرف ظاهر في فترات الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، متابعا أن مصر نجحت في مجابهة التطرف الظاهر المادي ولكن المعضلة الكبرى في التطرف الذي لا يمكن أن نراه.
وقال إن الإرهاب ظاهرة معقدة ومنتشرة وأصبحت تستخدم منصات غير تقليدية للترويج لأفكارها وبالتالي يجب أن نتعامل بطرق غير تقليدية لمجابهة هذا الفكر، متابعاً أنه :"ليس لدينا خريطة للتطرف في مصر لأن التطرف كمفهوم أوسع من الإرهاب، فالتطرف ليس تنظيماً فقط ولكن يتمثل في شخص يتبنى قيما وسلوكيات تجاه الآخر".
