كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عن أحكام الحج، وذلك تزامنا مع بدء مناسك الحج 1444 هـ.
أحكام الحج
وقال علي جمعة في بيانه تعريف الحج، إن الحج لُغة هو القَصدُ. أما اصطلاحًا فهو: قَصدُ مَوضِعٍ مخصوصٍ (وهو البيت الحرام وعرفة) في وَقتٍ مخصوصٍ (وهو أشهر الحج) للقيامِ بأعمالِ مخصوصةٍ وهي: (الوقوف بعرفة، والطواف، والسعي عند جمهور العلماء) بشرائطَ مخصوصةٍ يأتي بيانُها.
ولفت في بيانه حكم الحج، أن الحجُّ فَرضُ عينٍ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ بشروطِه وهي: (العقل والبلوغ والاستطاعة)، وهناك شرط خاصٌّ بالنِّساءِ وهو (عَدَمُ العِدّة)؛ فلا يجوز للمُعتَدّة أن تَخرُجَ للحَجِّ. أمّا بخصوص المَحرَمِ أو الزَّوجِ فلا يَلزَمُ المرأةَ ذلك في الحجِّ، فإن وُجِدَت نِسوة ثِقاتٌ (اثنتان فأكثر تأمَنُ معهنَّ على نفسِها) كَفى ذلكَ بدلاً عن المَحرَمِ أو الزَّوجِ، وهو ما ذهبَ إليه الشافعية والمالكية إن لم تَجِدِ المرأةُ المَحرَمَ، بل يجوز لها أن تخرج وحدَها لأداء الفرض أو النَّذرِ إذا أَمِنَت على نَفسِها ومالِها، وهو ما عليه الشافعية.
وقد دلَّ على فرضية الحج القرآنُ الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين؛ فأمّا القرآن الكريم فيقول تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران:97). ومن السنةِ النبويةِ أحاديثُ كثيرةٌ؛ منها ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناسُ، قد فَرَضَ اللهُ عليكم الحَجَّ، فحُجُّوا"، فقال رجلٌ: أَكُلَّ عامٍ يا رسول الله؟ فسَكَتَ، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قُلتُ نَعَم لَوَجَبَت، ولَما استَطَعتم".
وقد أجمَعَتِ الأمّة سلفًا وخلفًا شرقًا وغربًا على فَرضِيّة الحَجِّ، وعلى أَنَّه أَحَدُ أركانِ الإسلامِ الخَمسة، وأنه من المعلومِ من الدينِ بالضرورة، وأن مُنكِرَه يَكفُرُ. وقد اختلفوا في وجوبِ الحجِّ: هل هو على الفَورِ أو على التَّراخِي؟ فذهبَ الجمهورُ إلى أنَّ الحجَّ يجبُ على الفَورِ (بمعنى فَورِ الاستطاعة)، وهو الأَولى، وذهب الشافعية والإمام محمد بن الحسن إلى أنَّه يجبُ على التَّراخي. ذلك ما يتعلق بحُكمِه، أمّا فَضلُه فكبيرٌ، نُبَيِّنُ بعضه فيما يلي:
ثالثًا- فضل الحج:
يقول الله تعالى: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } (الحج:27-28)، وقد كَثُرَتِ النصوصُ النَّبَوِيّة الشريفةُ في فَضلِ الحَجِّ وعظيمِ ثوابِه، نَذكُرُ مِن ذلكَ على سبيلِ المثالِ، ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ".
وكذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِن يَومٍ أكثرُ مِن أن يَعتِقَ اللهُ فيه عَبدًا أو أَمةً مِنَ النّارِ مِن يَومِ عَرَفةَ، وإنَّه لَيَدنُو ثمَّ يُباهِي بهمُ المَلائِكةَ فيَقُولُ: ماذا أرادَ هَؤُلاءِ". وعن ابن عمرو رضي الله عنهما أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الحُجّاجُ والعُمّارُ وَفدُ اللهِ؛ إن سَأَلُوا أُعطُوا، وإن دَعَوا أُجِيبُوا، وإن أَنفَقُوا أُخلِفَ لهم، والذي نَفسُ أبي القاسِمِ بيدِه ما كَبَّرَ مُكَبِّرٌ على نَشَزٍ ولا أَهَلَّ مُهِلٌّ على شَرَفٍ مِنَ الأشرافِ إلا أَهَلَّ ما بينَ يديه وكَبَّرَ حتى يَنقَطِعَ به مُنقَطِعُ التُّرابِ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل ؟ قال ( إيمان بالله ورسوله ) . قيل ثم ماذا ؟ قال ( جهاد في سبيل الله ) . قيل ثم ماذا ؟ قال ( حج مبرور )".