الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطيب المسجد النبوي: سيرة خليل الله إبراهيم لها ارتباط وثيق بموسم الحج

خطيب المسجد النبوي
خطيب المسجد النبوي

قال الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، إن  في سيرة الأنبياء دروس وعبر، وسيرة خليل الله إبراهيم – عليه السلام – لها ارتباط وثيق في بعض صفحاتها بموسم حج بيت الله الحرام.

سيرة خليل الله

وأوضح " الثبيتي" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أنه عندما جاء إبراهيم عليه السلام بزوجته وابنه إسماعيل عليه السلام، ووضعهما في المكان الذي وضع فيه البيت من بعد،  عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد لا يكون فيه أي مظهر من مظاهر الحياة،  لا بشر ولا ماء ، ووضع عندهما جراباً فيه تمر،  وسقاءً من ماء ،  ثم رجع من حيث قدم .

وتابع:  فتبعته أم إسماعيل فقالت : أين نذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء   تردد ذلك مراراً وهو لا يلتفت إليها،  حتى قالت : آلله أمرك بهذا قال : نعم. فقالت : إذا لا يضيعنا، منوهًا بأنه في هذا الموقف المذهل ،  والحدث العجيب عظة وعبرة تدل على ثبات في ساعة ابتلاء لا يبلغه إلا العظماء بإيمانهم ويقينهم وتوكّلهم ،  إذ كانت كلمات قصيرة عميقة المدلول ،  آلله أمرك بهذا ؟ إذن لا يضيّعنا ،  تقول هذا في الوقت الذي توقن فيه أن زوجها سيذهب ويتركها في صحراء مقفرة ،  لا أنيس فيها ولا شيء .

وأشار إلى أن من قرأ القصة غير مؤمن ،  فإنه يراها ضرباً من الخيال ،  لا تستوعبها العقول ،  لكن القلوب المفعمة بالإيمان تستوعب أن من توكّل على الله حق التوكّل فإن الله يحفظه ويكفيه ويحميه ويرزقه، إلا أن هذا الموقف مليء باليقين والدروس العملية ،  فالله جلا وعلا لم يكن ليضيع عباده وأوليائه ،  فعرفه وقت الشدّة ،  وقام في قلبه أن الصحراء ليست موحشة مع الأُنس بالله ،  وليست مقفرة بالتوكّل على من خلق الكون وبيده خزائن السماوات والأرض.

خلّد الله ذكرها

ونبه إلى أنه  لقد لقيت أم إسماعيل جزاء حسن ظنّها بربّها وبولدها ،  بل وللناس كلهم ،  فنبع ماء زمزم بين يديها ،  هذا الماء الذي صار طعام طعم ،  و شفاء سقم ، خلّد الله ذكرها في العالمين ،  فكلما سعى الناس بين الصفا والمروة تعبداّ لله وتنسّكاً ،  تلوح لهم هذه القصة ،  تكريماً لها ورفعة لشأنها.

ودعا إلى تأمل موقف أم إسماعيل وثقتها بربّها ،  حيث لم يتسلّل الخوف إلى قلبها رغم المكان الموحش الخالي من الطعام والشراب والبشر ،  مبيناً أن مقارنة ذلك بنا اليوم وحولنا كل شيء يجعل المرء يتعجّب حين يساورنا الحزن والقلق خوفاً على الرزق والأولاد والمستقبل ،  خوفاً من المرض ،  ومن الغد والمجهول ،  وأساس ذلك ضعف اليقين والتوكّل على الله.

وبين أن الله تعالى أمر خليله إبراهيم – عليه السلام – ببناء البيت ،  فجعل ابنه إسماعيل يأتي بالحجارة ،  وإبراهيم يبني ،  فكان بناء الكعبة مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع ،  وإنما استمدت شرعيتها من شرع الله وأمره بتعظيم البيت بالطواف حوله تأسياً بنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - ،  ولولا أن الله شرع تقبيل الحجر الأسود كما علّمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما فعلناه ،  لأن الحجر لا يضر ولا ينفع ولا هو معبود .

واستشهد بما قال عمر رضي الله عنه : “إني أعلم أنك حجرٌ ،  لا تضرُّ ولا تنفع ،  ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك” رواه البخاري، منوهًا بأن بناء بيت الله الحرام ،  عملٌ عظيمٌ ،  ومنصبٌ رفيعٌ ،  وشرف لا يدانيه شرف ناله إبراهيم وابنه إسماعيل – عليهما السلام – وهما في أثناء ذلك وبعده يلهجان بالدعاء : ” رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ “.

دعوات خليل الله

وأضاف أن في ذلك تضرّع وانكسار مع أداء أجلّ الأعمال الصالحة ،  وهذا حال أهل الإيمان والتقوى لا يدلون بأعمالهم على الله تبارك وتعالى ،  ولا يمنّون بطاعتهم وكأنهم يحسنون إلى ربّهم بحجّ أو عمرة أو صلاة أو صدقة ،  بل ينبغي على المؤمن أن يجعل كل عمل يبذله في سبيل مرضاة الله ،  فالأعمال الصالحة مدارها على القبول ،  و هذا مقصود العمل وغايته ،  ومن الغبن أن يعمل الإنسان أعمالاً صالحة فيسمح للرياء أن يتسلّل إليها ويقتلع ثوابها ويجعلها هباءً منثوراً.

ولفت إلى أنه قد نالت مكة وبيت الله الحرام نصيباً وافراً من دعوات خليل الله إبراهيم – عليه السلام – رفعت شأنها ،  وأعلت مقامها ،  وهيأتها لأمر عظيم {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ربنا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.

الدعوة تجاوزت السحب

وأفاد بأن تلك الدعوة تجاوزت السحب والأفلاك وأقطار السماوات ،  واستقرّت عند مليك مقتدر ،  فهذه الأفئدة تهفوا قبل الأجساد والأشواق ،  تسبق الخطوات ،  تتقاطر الجموع من كل حدب وصوب ،  بحب يهوّن كل مشقّة ،  ولذة تذيب كل عقبة ،  في ملتقى إسلامي لا نظير له ،  الفوار تلاشت ،  والعنصريات ذابت ،  والأجناس تلاقت ،  والألسن على تنوّع لغاتها تلهج بلغة واحدة لربّ واحد: لبيك اللهم لبيك.

وبين أنه حتى يحقق هذا الجمع المبارك مقصده ويؤدي نسكه ،  دعا النبي الكريم إبراهيم الخليل ربّه ” رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا وارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ ” فاستجاب الله دعاءه فجعل مكة مكاناً يأني إليه الناس ويأمنون من الخوف والآفات ،  فما وصل إليها جبّار إلا قصمه الله ،  نعم لأن الأمن عظيم ،  وإذا انتفى الأمن تعطّلت المصالح الدينية والدنيوية.

ونوه بأن خليل الله إبراهيم – عليه السلام – صال وجال في أرض الله الواسعة يدعو إلى التوحيد ،  يرسّخ العقيدة ،  حاور عليه السلام النمرود الذي ادّعى الألوهية ،  وحاور أباه المشرك ،  وتلطّف معه ،  وحاور قومه المشركين ونوّع معهم الخطاب ،  وتنزّل معهم في الجدال ليثبت فيهم وحدانية الله ،  ولقد فصّل القرآن الكريم تلك الحوارات آيات تتلى ،  وقصص تروى ،  ودروساً تستقى.

التعريف بالإسلام

وأكد أن العالم اليوم يئن من ويلات الحروب والنزاعات والصراعات والقتل والتدمير ،  وهو في أشدّ الحاجة إلى التعريف بالإسلام دين السلام والرحمة والمحبّة والألفة ،  الدين الذي يعطي الإنسان حقوق وكرامته ،  بل ويجعله محور هذا الكون ،  ويعزّز الأمن بشموله الذي يقود إلى البناء والتنمية والرخاء والسعادة والحياة الطيبة .

واستطرد:  ولا شك أن غياب لغة الحوار من أبرز أسباب صدود غير المسلمين عن الإسلام ،  فقد حاور إبراهيم – عليه السلام – زوجه وابنه إسماعيل ليؤكد لنا أن الحوار منهج حياة ،  وهو الغذاء المتجدّد الذي يقوّي الوثاق بين الزوج وزوجته ،  وقاعدة بناء علاقة الوالدين مع أبنائهما ،  وغياب الحوار الهادئ العلمي اللطيف أفرز مظاهر تمرّد الأولاد ،  وزيادة نسب الطلاق والخلع ،  ولعل هذا الواقع يستحثّ أخل الحلّ والعقد والفكر إلى تصدّر المشهد ،  وحمل زمام المبادرة لحماية المجتمع والوطن والأمة من آثار التفكّك الأسري.

وشدد على فضل التوكّل على الله واليقين برحمته ولطفه ،  وأن يعرف المرء ربّه في الرخاء والأمان لينال رحمته وغوثه ،  مذكّراً بقصة خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل – عليهما السلام –عند بناء بيت الله الحرام.