الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: اللغة البيضاء

كريمة أبو العينين
كريمة أبو العينين

عشتُ تجربةً مقلقة على مستقبل لغتنا العربية والأجيال القادمة كلها.. في اجتماع مع نخبة من الإعلاميين وأصحاب الرؤى والرأي؛ طلبت إعلامية شهيرة من قامة من فقهاء اللغة ودارسيها أن يُقيِم عملها، وفي سؤالها كانت تخفي ثقتها، وتأكدها بأن رجل العلم سيشيد بها ويصفق لها.

وفور انتهائها من طلبها، قال لها “من الصعب أن أحكم على من لا يتحدثون اللغة العربية”؛ وإذا بها تضحك وتذكره باسمها وبرنامجها، وبأنه يبث من القاهرة، والشاشة مصرية، وهى أيضًا، فيكرر لها سيادته رده، وإذا بها تقول له، وهي محتدة: "أنا بتكلم اللغة البيضاء"!! وهنا قامت الدنيا ولم تقعد، فقد استفسر منها مولانا عن المعنى؛ فإذا بها توضحه بقولها: "اللغة العامية يعنى مش الفصحى". 

فقام سيدنا العالم باللغة وقواعدها؛ وهب قائلاً: “على هذا الأساس لابد أن تكون اللغة الفصحى وحسب كلامك لغة سوداء مقارنة بنظيرتها العامية؟”؛ فضحكت السائلة، وقبل أن تنطق وتعقب، استكمل  كلامه، وكله حزن: “كيف تكون لغة القرآن سوداء؟ وكيف نصنفها بذلك لمجرد أنك ترين أن العامية بيضاء، وأى بياض هذا في لهجة شعب وليس لغة دين وخالق الكون، كان يجب لكونك إعلامية وصاحبة رسالة توعوية أن تكوني حريصة على اختيار تصنيفاتك وكلماتك". 

انصرف بعد هذه الكلمات سيدنا العالم بهموم اللغة التي زادتها همًّا هذه الإعلامية.. الغريب أنه بعد انصرافه ضحكت الإعلامية ووصفته بالمتعصب الأعمى؛ الذى يرجع برأيه هذا، بلاده إلى عصور الظلام والتعصب الأعمى، الأغرب أن معظم المتواجدين لم يعترضوا على كلامها؛ بل إنهم أبدوا تعاطفهم معها وبأنها على دراية بطبيعة العصر وبطريقة التحاور من أجل كسب المزيد من المؤيدين ومسايرتهم بلغتهم، الأغرب أيضا أنهم لم يفهموا أن اعتراض سيدنا العالم باللغة لم يكن لعاميتها، ولكن لوصفها اللغة العامية بالبيضاء، وتخوفه من أن تصبح هذه التسمية لصيقة بالعامية، ونقيضتها العربية الفصحى توصف بالسوداء. 

خرجت من هذا المناخ الجدلي، وأنا فى حالة من عدم الاتزان؛ فكيف تُوصف اللغة الأم بالسوداء، وهل استمرار الحال على ما هو عليه سيجعلنا نصبح فى يوم ما بلا لغة؟ وهل نضبت مفرداتنا كى يكون حديثنا مزيجًا من كلمات أجنبية، وأخرى فرانكو عربية، وبينهما إيموشونات من بلاد العم سام!! 
الواقع مربك ونواقيس الخطر لابد أن تطرق بقوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!!