يصادف في مثل هذا اليوم 5 يونيو وفاة السياسي الكبير مكرم عبيد باشا، حيث ولد مكرم عبيد فى الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام 1889 بمحافظة قنا، لعائلة من أشهر العائلات القبطية وأثراها، درس القانون في أكسفورد ، وحصل على ما يعادل الدكتوراه فى عام 1912 ..
وهو وزير مالية مصر الأسبق وأحد مفكري الأقباط في حقبة الخمسينات، وصاحب المقولة الشهير ب نحن مسلمون وطناً ونصاري ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا، اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين ..
وكان مكرم عبيد باشا وفديا ومقربا من سعد زغلول باشا وعندما توفي سعد أصبح مكرم عبيد باشا سكرتيرا لحزب الوفد ..
فى عام 1913 عمل مكرم سكرتيرا للوقائع المصرية، واختير سكرتيرا خاصا لكل مستشار إنجليزي طوال مدة الحرب العالمية الأولى، ولكن بسبب كتابته رسالة فى معارضة المستشار الإنجليزى "برونيات" شارحا فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الانجليز، استغنوا عنه ..
عين أستاذا فى كلية الحقوق وظل بها عامين كاملين، وفى عام 1919 انضم إلى حزب الوفد وعمل فى مجال الترجمة والدعاية فى الخارج ضد الحكم والاحتلال الانجليزى وكان له دعاية نشطة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا حتى إن الجريدة الناطقة بلسان حزب الوفد أطلقت عليه لقب "الخطيب المفوه" ، ولما نفى سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات مما تسبب فى القبض عليه ونفيه.
وفي عام 1928 عندما شكل النحاس وزارته عين مكرم وزيرا للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتير عام الوفد فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة الوطنية شعبية وحظوة لدى الشعب، وبعد معاهدة 1936 عين مكرم عبيد وزيرا للمالية ومنح لقب الباشوية، وشارك فى الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشى فى عام 1946.
وعمل بالمحاماة، وكان محاميا ناجحا، فمنذ أن قيد نفسه فى سجل المحامين نذر وقته كله للدفاع عن المقبوض عليهم فى تهم سياسية فكان ينتقل من محكمة إلى أخرى ويعود آخر النهار إلى بيت الأمة فيظل فيه إلى ساعة متأخرة من الليل، ولازالت أصداء مرافعاته معروفة في تاريخ المحاماة في مصر حيث كان يعتمد في دفاعه على التحليل المنطقي لدوافع الجريمة ويتصور نفسه فى موضع الاتهام.
يذكر أنه اختير نقيبا للمحامين ثلاث مرات وكان هو الذي قام بالدفاع عن عباس العقاد حين اتهم بالسب في الذات الملكية ..
انشقاق الوفد ونشأة الكتلة الوفدية عام 1942
ولاختلافه مع مصطفى النحاس واغلب الأعضاء من الذين فصلوا من حزب الوفد ألف الكتلة الوفدية ، ورأسها ، واصدر لها جريدة خاصة.
بدأ مكرم عبيد يجمع وقائع ما سمى فيما بعد بالكتاب الأسود ، فكونه وزيراً للمالية فى وزارة الوفد العائدة بعد 4 فبراير إلى الحكم قد رأى كثيراً من التصرفات، وأخذ فى رصدها وفى جمع الوثائق، و عليه طبع مكرم عبيد الكتاب الأسود، بمعاونة من القصر، ورفع عريضة بأحوال البلد إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الملك وكانت هذه العريضة هى الكتاب الأسود ..
ويروى فيه ما حدث فى حزب الوفد، ما يعتبره الفضائح والمصائب ، وكل ما جرى ، و من ثم تقدم بالعريضة الكتاب على شكل استجواب أمام مجلس النواب، ووقف يعرض وقائع استجوابه، ولكن جاء الكتاب الأسود ، وجاءت الردود عليه ، أمراً فادحا ..
وانتهى الاستجواب بعد ثلاثة أيام، و تقدم حسن ياسين باقتراح لإسقاط عضوية مكرم باشا من مجلس النواب لأن هذا الرجل الذى كان سكرتيراً للوفد وصديقاً لمصطفى النحاس وابنا لسعد زغلول لم يعد جديراً بشرف النيابة ، فجرى تصويت على الفور وفى نفس الجلسة، رغم أن فكرى أباظة كان قد طلب إحالة الموضوع للجنة الشئون الداخلية فى المجلس ، رفض طلبه ، وفصل مكرم عبيد من عضوية مجلس النواب ..
أغلق باب المناقشة فى الاستجواب ، وطرد مكرم، وفقد عضوية المجلس، و بعد عدة أسابيع، فإذا بالحاكم العسكرى العام ، وهو رئيس الوزراء ، مصطفى النحاس باشا، يصدر أمراً عسكرياً باعتقال مكرم عبيد باشا، و بالفعل تم اعتقاله بمقتضى قانون الطوارئ ووضع فى السجن.
مفكر ليبرالى و علمانى
ويعتبر مكرم عبيد هو صاحب فكرة النقابات العمالية و تكوينها، والواضع الأول لكادر العمال فى مصر، وتوفير التأمين الاجتماعى لهم، وواضع نظام التسليف العقارى الوطنى، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل ..
وتوفى فى 5 يونيو 1961 ..