العالمون ببواطن الأمور في السودان يعلمون تماما أن الاشتباكات الدائرة لليوم في الخرطوم وتقترب من الشهرين، تدفع بالبلد إلى الانهيار التام.
لا أحد اليوم في الخرطوم يسأل عن الفائز والمهزوم في الحرب السودانية، ولا عن الأطراف التي تدعم طرفي الحرب في الخرطوم ولكن عن المصير وراء كل هذا؟ وعن البلد التي تضيع في وضح النهار تحت أيدي أبنائها.
السوادان لم يكن يتحمل أبدا حربًا جديدة، وبعد الثورة التي خلعت البشير، وبعد مأساة حرب دارفور وفجيعة انفصال الشمال عن الجنوب، كان يريد انطلاقة حقيقية نحو التنمية والمستقبل، وحل مشاكل "عقود طالت في الظلام"، لكن أن ينخرط البلد في مأساة جديدة مع مشاكل اقتصادية وإنسانية ونزوح "متوراثة"، فهذه هى المأساة بعينها.
ولعل مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك ساليفان، كان محقا في بيان أخير للإدارة الأمريكية عن أعمال العنف في السودان، عندما وصف الوضع بأنها "مأساة ينبغي أن تتوقف" و"أن حمام الدم في الخرطوم ودارفور مروع".
تفاصيل وتداعيات الأسابيع الماضية، من الاشتباكات وبشكل إنساني محض مروعة تمامًا، وتكاد تدفع بالبد للانهيار تماما، ولعل وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنيكن "أن الوضع هش بشكل لا يصدق"، معبر تماما عما هو موجود، فالسودان على شفير مجاعة حقيقية، وهذه ليست مبالغة، ولكنها تقارير أممية تصرخ من فداحة الوضع ومن الحرب التي تدور رحاها في العاصمة ولا أحد يعرف ما الهدف من وراءها؟! إنهما أشقاء يتقاتلون في بلد واحد.. والسؤال ثم ماذا بعد؟ وهل الوطن يتحمل؟ وما هو المكسب؟ وهل يمكن أن يعود السودان مرة أخرى؟!
لا تسألوا عن السياسة الآن، ولكن عن 27 مليون سوداني أصبحوا في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية في ظرف أسابيع قليلة، فماذا لو طالت الحرب أكثر؟
لا تسألوا عن السياسة الآن؟ ومن وراء الحرب؟ ومن وقودها؟ ولكن اسألوا عن تداعيات فشل 12 هدنة إنسانية منذ اندلع القتال في 15 أبريل الماضي.
ووفق ممنظمة “اليونيسيف” الأممية، فأكثر من 13.6 مليون طفل سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى فرار نحو 350 ألف شخص إلى البلدان المجاورة، نصفهم إلى مصر والآخرون إلى تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا.
المأساة واضحة في السودان، والبلد لا يتحمل اقتصاديا ولا إنسانيا حربا جديدة، كما ان موقف المتفرج الذي تقوم به الجامعة العربية مثير للتساؤلات؟!
لماذا لا تكون هناك مبادرة عربية عاجلة لوقف الاقتتال في السوان؟ الوضع مرعب وسقوط بلد بكامله لمجرد مغامرات عسكرية شىء مروع، ولتتذكروا أن القتال الدائر في السودان أجبر ما يقارب 1.4 مليون شخص على الفرار من منازلهم إلى داخل وخارج البلاد.
ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإذا استمر القتال في السوان فإن 18 مليون شخص لن يكونوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
كما أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والوقود، بدا فاحشا، وبنسبة 40 إلى 60% في المناطق المتضررة من النزاع، ويتوقع زيادتها أكثر بنسبة 25% في الأشهر المقبلة وهو شىء مأساوي.
أوقفوا الحرب في السودان، تحركوا قبل أن ينزلق البلد إلى جحيم الانهيار التام واللادولة في القريب العاجل.