كتب أحد ارصفة محطة سكة حديد سوهاج ، قصة شاب في نهاية العقد الثالث من العُمر، منذ كان رضيعًا في عُمر 6 أشهر، حيث عَثر عليه رجلًا أمينًا لم يستطع تركه في هذه الحالة القاسية من الصراخ والبكاء الشديد الذي كاد أن يوقف قلبه، فضمه إلى صدره الحنون وذهب به إلى أقرب قسم شرطة مُبلغًا بالعثور عليه بمحطة سكة حديد سوهاج.
"الطفل ده ابن حلال مسلم واسمه مصطفى اللي يلاقيه يعامله معاملة طيبة ويتقي ربنا فيه"، هذه الكلمات التي كُتبت بورقة وضعت في طيات ملابس الرضيع الذي عُثر عليه عام 1994م، بمحطة سكة حديد سوهاج ، يرتدي كامل ملابسه الراقية الزاهية والقيمة، مربوط اليدين والقدمين بسلسلة صغيرة؛ لتقييد حركته حتى لا يُصيب نفسه بأية مكروه.
ليأتي اليوم وبعد مرور 29 عامًا الشاب مصطفى باحثًا عن أسرته الذي فقدها منذ إن كان رضيعًا، قائلًا:" فترة التسعينات كان منتشر مشكلة خطف الأطفال وتركهم في الشوارع، ومكنش فيه رعاية رُضع وقتها وأمي بالكفالة كانت موظفة بالوحدة الصحية اللي اتحولت عليها والحمد لله قررت تكفلني رغم انها كانت مُطلقة حينها بس كانت ام ليا واخوها كان افضل اب ليا".
واستكمل حديثه رادفًا:" وامي خارجة من الوحدة الصحية ووخداني لقيت راجل وقفها وقالها جبتي الطفل ده منين.. ده اسمه مصطفى على فكرة انتي عارفه كده أكيد.. انتي ساكنه فين طيب اصل انا جمعية لمتابعة الأسر المتولية رعاية الرُضع".
وأكد الباحث عن أسرته بمحافظة سوهاج، أن هذا الرجل ظل يتردد على والدته بالكفالة، وبصحبته سيدة حسنة الملامح طيبة القلب لينة الحديث، بصفة مُستمرة مع دعمه ماديًا وشراء له ما تهوى نفسه من ملابس وألعاب أطفال وطعام شهي، حتى أتم عامه الثاني، وواجتهما مربيته قائلة:" انتم امه وابوه ولا انتم اللي خطفتوه وبتكفروا عن ذنبكم انتم مين عرفوني".
لتكن هذه المواجهة نهاية زيارات الرجل والسيدة إلى الطفل الذي عُثِر عليه بمحطة سكة حديد سوهاج، وتم كفالته من قبل سيدة موظفة بإحدى الوحدات الصحية ميسورة الحال ومطلقة، كانت تحيا بذلك الوقت مع شقيقها والذي لم يُعارض كفالتها لهذا الطفل حسن الوجه جميل الملامح خفيف الظل من يراه يميل له قلبه ونفسه.
واستكمل حديثه مع موقع صدى البلد،:" أنا عيشت لسن 15 سنة مع امي بالكفالة لحد ما اتوفت وكان خالي الله يرحمه متوفي قبلها وقتها مكنش ليا حد روحت لجارنا عارف كل قصتي وسألته اعمل ايه واقترح عليا اروح مؤسسة بنين الكوثر وفعلًا روحتها وكنت في الشهادة الإعدادية وقتها والحمد لله كملت تعليمي وخلصت معهد فني تمريض وانا حاليًا موظف بمستشفى خاص ورب أسرة جميلة".
ويُناشد الشاب مصطفى، الذي مازالت خطى عمره بالعام الأخير من عشرينات العُمر، المسؤولين المعنين ورجال الأعمال بجمهورية مصر العربية، بإهداء رحلة حج إلى زوجته المصون التي أنارت له حياته وكسرت عتمتها بطفلين اصبحا له الدنيا وكنوزها، حيث أن هذه الرحلة لم تكن سوى تقديرًا لها على ما فعلته من أجله طيلة 6 أعوام الماضية.