كلنا نعلم جميعا أن فكرة إنشاء أول بنك وطنى مصرى ظهرت فى مايو 1920 كما تسجلها كتب التاريخ، لكن أرشيف جريدة "الأهرام" يثبت غير ذلك، إذ أنه جرت محاولة مبكرة لتأسيس أول بنك مصرى فى العام 1879 فى عهد الخديوى إسماعيل، بطل هذه المحاولة هو أمين شميل، ذلك التاجر الشامى الذى عاش واستقر فى الإسكندرية، واستشاط غضبا من سيطرة رأس المال الأجنبى فى ذلك الوقت على الاقتصاد المصرى، وكانت مصر وقتها غارقة فى ديون الخديوى إسماعيل، فأراد شميل أن يحرر الدولة المصرية من أزمة الديون الخانقة، ويحقق لها استقلالا اقتصاديا، فقرر أن يعلن عن فكرته فى رسالة بعث إلى جريدة "الأهرام" فى مايو 1879 قال فيها: "إن تأسيس بنك وطنى مصرى سوف يجلب النفع على البلاد فى الزراعة والتجارة .
كما أن البنك سوف يسدد ديون الحكومة للدائنين، ويعيد ثقة الناس فى مالية الحكومة المصرية، ويواجه ارتباك مالية البلاد، والبنك يعتمد فى ذلك على جماعة من المؤسسين يجتمعون لهذا الأمريكون لهم من الثروة والهمة والاستقامة والمعرفة ليحوز البنك ثقة الناس، ويضمن للحكومة المصرية كل عام مبلغ 300 ألف جنيه أرباحا مقررة لها تسدد بها الحكومة نحو 60 ألف جنيه من ديونها كل عام دون أعباء على البنك أو البلاد".
وحدد أمين شميل رأس مال البنك ب14مليون جنيه مبدئيا توزع على حملة الأسهم، على أن يكون حملة الأسهم فى البنك من المصريين فقط، وتوزع الأسهم على كل طبقات المجتمع دون تفرقة، كل على حسب اقتداره غير مكره على ذلك، على أن تتم تغطية رأس المال بالكامل خلال 3 سنوات يسدد صاحب الأسهم قيمتها على 6أقساط، وتكون إدارة شئون البنك وطنية مؤيدة بقوانين مقدسة لا ينقصها أمير ولامأمور، ولها حرمة مقررة لاينتهكها رئيس ولامرؤوس، وأنهى شميل خطابه بهذه الكلمات لطمأنة الجميع على أن فكرته ليست مقامرة أو مغامرة قائلا: "إن أعمال البنك إذا كانت مأمونة العواقب مضمونة الغوائل مقررة الأرباح جامعة عناصر البقاء موفرة للبلاد نحو ستة ملايين فى كل سنة فلايكون من سبيل إلى الخوف من الاشتراك فيه، فيقصده أهل الثروة النائمة والأرامل والأيتام، وكل من يملك مالا يسيرا أو كثيرا يستغنى عنه ولا ينتفع به فتمتلئ صناديقه ويردها على الزارع والتاجر ونحوهما ممن يحتاجون إلى المساعدة المالية، ثم يسترها منهم بربح يوزعه عليهم فيحصل النفع عميما".
وأمين شميل بذلك كان يريد تمصير الدين، بحيث يشترى البنك ذو الأصول المصرية الخالصة الديون من الدائنين الأجانب ليضمن لمصر استقلالها اقتصاديا، وهو برسالته تلك التى بعثها إلى جريدة "الأهرام" فى عهد وزارة شريف باشا هو صاحب الفكرة الأولى لتأسيس بنك مصرى وطنى عام 1879.
جدير بالذكر أن مصر شهدت فى عصر الخديوى توفيق انتشارا كثيفا للمرابين الأجانب الذين كانت تنتهى عمليات الإقراض التى تتم بمعرفتهم بالاستيلاء على الأصل العقارى المرهون الخاص بالمدين، خاصة مع انتظام عمليات التقاضي فى مصر عقب إنشاء المحاكم المختلطة، وهو ماشجع راس المال الأوروبى على الاتجاه إلى مصر لإنشاء البنوك العقارية الأجنبية، حيث تم إنشاء بنكين فى عام 1880، واستمر تأسيس البنوك الأجنبية فى مصر، وكانت قروضها تبدأ من نصف الجنيه وحتى آلاف الجنيهات حتى تغلغل رأس المال الأجنبى بتوحش وشراسة إلى قلب الاقتصاد المصرى، وسيطر على ثرواته العقارية، ففى عام 1916تمت إجراءات نزع ملكية عقارات مرهونة، وتم بيعها بالمزاد، وقامت البنوك التى ارتهنت لديها هذه العقارات والأراضى بشرائها، وسقطت الدولة فى دوامة الديون فى عهد الخديوى إسماعيل، وظلت الأوضاع الاقتصادية فى تدهور لتدفع كل المخلصين فى حبها إلى التدافع لإيجاد الفكرة ووضع اللبنة الأولى لاقتصاد مصرى مستقل.
• مصر للعرب والعرب لمصر، حقيقة تاريخية وواقع جغرافى لايمكن إنكاره، ومهما جرت من أمور فلا بديل لأحد عن أحد، فالمصير والطريق واحد، وليعلم العرب أنه ليس لهم إلا أنفسهم، فالعربى لن يقف بجانبه، ويسانده بقلب ودون انتظار مقابل سوى شقيقه العربى !
• وقت الشدة والأزمات تظهر معادن الأمم والشعوب، والأمل فى أن يتضامن العالم ويتحد أمر ممكن ومستطاع، وماأجمل أن تتخلى الأمم عن الصراعات والمواجهات وتنصرف كل دولة للاهتمام بشئونها وأحوالها، وهو أمر أعلم أنه رومانسى حالم , فما أظهرته الأمم والشعوب من تضامن ودعم وحزن واهتمام بالزلزال الأخير على الشعبين السورى والتركى يؤكد أن الأمانى لاتزال ممكنة.